اجتياح غزة على عكازين.. جيش إسرائيل يدخل المعركة بترسانة مُتهالكة
اجتياح غزة على عكازين.. جيش إسرائيل يدخل المعركة بترسانة مُتهالكة

بينما يقترب الجيش الإسرائيلي من الدخول في واحدة من أعقد معاركه داخل قطاع غزة، تكشف تقارير صحفية وعسكرية متطابقة عن أزمة حادة تضرب قلب جهوزيته القتالية، فمعركة "اجتياح غزة" المرتقبة، التي يتوقع أن تحمل اسم "عربات جدعون الثانية"، تواجه تحديات غير مسبوقة ليس فقط على المستوى السياسي والدبلوماسي، بل أيضًا داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
وفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" يعاني الجيش من نقص في المعدات الحيوية وقطع الغيار، والدبابات، ناقلات الجند، والجرافات المدرعة – أدوات حاسمة في حرب المدن – تعاني من أعطال وشح في الإمدادات، فيما تفرض الضغوط الدولية قيودًا على توريد السلاح وقطع الغيار، خاصة بعد قرار ألمانيا وقف تصدير محركات الدبابات.
الأزمة لم تقتصر على المعدات الثقيلة، بل طالت أيضًا التجهيزات الفردية للجنود، بدءًا من أجهزة الرؤية الليلية وصولًا إلى الطائرات المسيّرة والذخائر الذكية.
استعدادات متعثرة
تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت كشف أن الجيش الإسرائيلي، وبعد عامٍ كامل من القتال المستمر، يواجه أزمة عتاد تهدد قدرته على خوض معركة موسعة في غزة.
فوفقًا لتقارير هندسية داخلية، ما بين 30 إلى 40% من الجرافات غير صالحة للعمليات القتالية، في وقت يُفترض أن تكون هذه الآليات رأس الحربة في اقتحام التحصينات والأنفاق داخل القطاع.
كذلك، ما زالت الدبابات وناقلات الجند تعاني من نقص حاد في قطع الغيار، فيما أُطلقت حملة مشتريات واسعة لم تُستكمل بعد.
الجيش اشترى 80 ألف بندقية جديدة وآلاف الطائرات المسيّرة، بينها ذخائر انتحارية محلية الصنع، إلا أن نصف أجهزة الرؤية الليلية فقط وصلت إلى الوحدات الأمامية.
كما تم استدعاء خمسة ألوية احتياط بشكل عاجل، ثلاثة منها تحت إمرة القيادة الجنوبية استعدادًا للهجوم البري المرتقب، لكن هذه التحركات التنظيمية لم تخفِ هشاشة الواقع اللوجستي، إذ أقر الجيش بأن جاهزية الجرافات لن تتجاوز 70% خلال العملية.
تأثير الضغوط الدولية وحظر السلاح
إلى جانب الأزمة التقنية، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من الخارج، فقد علّقت ألمانيا – المزود الأساسي لمحركات دبابات "ميركافا" – صادراتها العسكرية إلى تل أبيب، ما شكل ضربة موجعة لصناعة الدبابات الإسرائيلية.
مسؤولون عسكريون إسرائيليون اعترفوا بأنهم كانوا يواجهون "حظرًا غير معلن" حتى قبل قرار برلين، في إشارة إلى صعوبة استيراد بعض المكونات الحساسة.
وتأتي هذه الأزمة في وقت يتعرض فيه الجيش لضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد مع اقتراب العملية البرية، خصوصًا مع تحذيرات دولية من كارثة إنسانية محتملة في غزة.
بحسب المصادر العسكرية، فإن المناورة الميدانية على مشارف غزة قد تنطلق منتصف سبتمبر بمشاركة أربع فرق قتالية، هدفها الأول دفع المدنيين جنوبًا نحو مناطق النزوح في المواصي، قبل التوغل في مدينة غزة.
هذه الاستراتيجية ترتبط بشكل وثيق بسرعة إخلاء السكان، إذ يخشى المسؤولون أن تقوم حركة حماس بنقل رهائن إلى داخل المدينة واستخدامهم كدروع بشرية.
هذا التكتيك، الذي لمّحت إليه الحركة في تصريحاتها الأخيرة، يشكل صداعًا إضافيًا للجيش الإسرائيلي الذي يحاول الجمع بين الإنجاز العسكري وتفادي الانتقادات الدولية.
تكتيكات جديدة في حرب المدن
ولمواجهة تحديات القتال داخل الأحياء المكتظة، اعتمد الجيش الإسرائيلي أسلوبًا جديدًا لتفجير المباني يُعرف بـ"من السقف إلى الأرض"، هذه التقنية تعتمد على طائرات مسيّرة صغيرة تفتح فجوات دقيقة في أسطح المنازل عبر متفجرات محدودة، قبل أن تُلقى شحنات أكبر داخل المبنى لتفجيره بشكل متحكم به.
ووفق ضباط ميدانيين، هذا الأسلوب يقلص ساعات طويلة من التفخيخ التقليدي إلى دقائق معدودة، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن حجم المخاطر التي يواجهها الجنود في حرب قد تكون الأطول والأكثر استنزافًا منذ عقود.
بالإضافة إلى مركبات مسيرة مفخخة تسببت في دمار واسع وعشرات الضحايا من المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال,
جيش مثقل بالحرب الطويلة
ضباط كبار في القوات البرية وصفوا الوضع الراهن بأنه "حرب طويلة لم يشهد الجيش مثيلًا لها من قبل"، فإلى جانب الخسائر البشرية، هناك استنزاف هائل في المعدات والقدرات اللوجستية.
نصف الجرافات الأميركية التي اشترتها إسرائيل – والبالغ عددها 132 – لم تصل بعد، فيما ستبدأ شركات خاصة بصيانتها الشهر المقبل، هذا التأخير يضع الجيش في موقف صعب، حيث يُطلب من الوحدات القتالية دخول غزة بأدوات ناقصة وعتاد مرهق بفعل عام كامل من المعارك المستمرة.
ووفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، تبدو الأزمة الراهنة أعمق من مجرد نقص في العتاد؛ فهي تعكس تحديًا مركبًا يضع إسرائيل بين مطرقة الاستنزاف العسكري وسندان الضغط السياسي.
فكلما تأخر تجهيز الجيش، زادت احتمالات تعرض إسرائيل لضغوط أكبر من حلفائها، سواء لوقف الهجوم أو لتقليص أهدافه، في المقابل، أي انطلاق للعملية من دون جاهزية كاملة يعرّض الجيش لخسائر فادحة في الميدان.
وهكذا يجد صناع القرار في تل أبيب أنفسهم أمام معضلة مفتوحة: إما التقدم بعتاد ناقص نحو معركة حاسمة، أو تأجيل العملية على حساب صورة الردع الإسرائيلي.