الخلاف الصامت.. تصدع التحالف بين ترامب ونتنياهو على وقع ملفات غزة وإيران
الخلاف الصامت.. تصدع التحالف بين ترامب ونتنياهو على وقع ملفات غزة وإيران

أكدت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شهدت تحولًا ملحوظًا من التفاهم الوثيق إلى بوادر خلاف متصاعد، رغم الانسجام الذي طبع بدايات ولاية ترامب الثانية.
ففي الشهور الأولى، أظهر ترامب دعمًا غير مشروط لنهج نتنياهو العسكري في غزة، ورفع الحظر الذي فرضته إدارة بايدن على توريد القنابل الثقيلة إلى إسرائيل، وأيد مواقف إسرائيل الصارمة تجاه إيران ووكلائها.
تصادم الرؤى حول غزة وإعادة الإعمار
مع تقدم العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة وتراجع القدرات العسكرية لحركة حماس، بدأ ترامب يغيّر موقفه. فقد دفع باتجاه وقف إطلاق نار شامل، مع رؤية طموحة لتحويل غزة إلى مشروع تنموي شبيه بريفييرا الشرق الأوسط، في حين تمسك نتنياهو بخيار الحسم العسكري الكامل ورفض أي تسوية قبل القضاء على البنية التحتية لحماس.
وتصاعد الخلاف مع إعلان إسرائيل شن عملية عسكرية جديدة في القطاع، الأمر الذي وصفه ترامب في اجتماعات مغلقة بأنه خطوة غير مجدية تعقّد خطط إعادة الإعمار.
وأفادت مصادر أمريكية مطلعة، بأن الرئيس عبّر عن إحباطه من تصرفات نتنياهو، معتبرًا أن العملية العسكرية الأخيرة تمثل عائقًا أمام رؤيته السياسية والاقتصادية للمنطقة.
الملف الإيراني
وأكدت الشبكة الأمريكية، أن الخلاف الأكبر بين الزعيمين تمحور حول الملف الإيراني. ففي الوقت الذي يرى فيه نتنياهو أن اللحظة الراهنة تشكّل فرصة استراتيجية لضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد سلسلة ضربات إسرائيلية ناجحة أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية، يتجه ترامب نحو خيار دبلوماسي يهدف إلى توقيع اتفاق نووي جديد يسمح لطهران ببرنامج نووي مدني محدود.
وأثار إعلان ترامب بأنه لم يتخذ بعد قرارًا بشأن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم رد فعل غاضبًا في تل أبيب. ونقل رون ديرمر، المقرّب من نتنياهو، استياء الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماع مع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في البيت الأبيض.
انسحاب واشنطن من جبهة اليمن واستياء تل أبيب
تفاقم التوتر حين قررت إدارة ترامب وقف العمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، بعد قبول الجماعة هدنة لوقف استهداف السفن الأمريكية.
لكن الهجوم الأخير الذي استهدف إسرائيل بصاروخ من اليمن فجّر غضب نتنياهو، الذي اعتبر القرار الأمريكي تقاعسًا عن حماية الأمن الإسرائيلي، خاصة وأنه كان يأمل بتوسيع الدعم العسكري الأمريكي ليشمل مواجهة إيران ووكلائها.
تحذيرات إسرائيلية من إهدار الفرصة التاريخية
من وجهة نظر المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، فإن استمرار التوجه الأمريكي نحو التفاوض مع إيران يُعد إضاعةً لفرصة نادرة لتقويض مشروعها النووي.
وتشير التقديرات الإسرائيلية، أن العقوبات الاقتصادية، وتراجع قدرات الوكلاء الإيرانيين في لبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى تضرر منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، تجعل من الظرف الحالي التوقيت الأنسب لأي عمل عسكري.
إلا أن واشنطن تتمسك بالدبلوماسية، رغم الضغوط الداخلية والخارجية. فقد دعا السيناتوران الجمهوريان توم كوتون وليندسي غراهام إلى رفض أي اتفاق نووي لا يمنع إيران بشكل مطلق من تخصيب اليورانيوم، وطالبا بعرض الاتفاق المرتقب على مجلس الشيوخ، مما يعقد المهمة أمام فريق ترامب المفاوض في سلطنة عمان.
نتنياهو في مأزق سياسي داخلي وخارجي
من جهته، يدرك نتنياهو أنه لا يملك حاليًا هامشًا واسعًا للمناورة، سواء في واشنطن أو داخل إسرائيل. فرغم غضبه الواضح من تحركات ترامب، إلا أن الصدام العلني مع الإدارة الأمريكية سيكون ثمنه باهظًا سياسيًا، في ظل التقدير العالي الذي تحظى به شخصية ترامب داخل القاعدة اليمينية الإسرائيلية. لذلك، يحرص نتنياهو على إبقاء الخلاف في إطار مغلق، خشية اهتزاز تحالفه السياسي في الداخل الإسرائيلي.
تُضاف إلى مؤشرات الفتور بين الطرفين إشارة دبلوماسية رمزية لكنها دالة، الجولة المرتقبة للرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط تشمل السعودية وقطر والإمارات، وتستثني إسرائيل.
هذه الخطوة، وإن لم تُعلن أسبابها، تعكس تراجع أولوية إسرائيل في خارطة التحرك الأمريكي الجديد، وتؤكد أن مرحلة الانسجام الكامل بين نتنياهو وترامب قد ولّت.