فلسطينيون لـ العرب مباشر : تحركات إقليمية وضغوط دولية.. الطريق إلى اتفاق غزة التاريخي
فلسطينيون لـ العرب مباشر : تحركات إقليمية وضغوط دولية.. الطريق إلى اتفاق غزة التاريخي

في أجواء يغلفها الترقب وتتصاعد فيها رائحة البارود من غزة، تتحرك عجلة الدبلوماسية في عواصم الإقليم بوتيرة غير مسبوقة، فيما تتجه الأنظار إلى القاهرة، حيث تدار مفاوضات سرية قد تعيد رسم ملامح الصراع.
المباحثات، التي تقودها مصر بمشاركة قطر واحتمال دخول تركيا على خط الوساطة، لا تقتصر على وقف إطلاق النار، بل تمتد إلى حزمة حلول شاملة تشمل تبادل الأسرى، وإعادة تنظيم الإدارة المدنية للقطاع، وإرساء آليات دولية لضمان الاستقرار.
وبينما يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا داخلية وخارجية متصاعدة، تتسابق الأطراف الإقليمية والدولية لاقتناص فرصة نادرة قد تضع حدًا لإحدى أكثر جولات الحرب دموية في غزة. لكن الطريق محفوف بالعقبات، من الانقسامات الإسرائيلية الداخلية إلى حسابات الفصائل الفلسطينية، مرورًا بتعقيدات الملف الأمني وقضية نزع السلاح، القاهرة تبدو اليوم ساحة اختبار حقيقي لإمكانية الجمع بين متطلبات الأمن الإسرائيلي وحقوق الفلسطينيين، وسط ضغط دولي يزداد سخونة مع اقتراب سبتمبر.
خطة متعددة الأبعاد
مع استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أسفر خلال أربع وعشرين ساعة عن مقتل 61 فلسطينيًا بينهم أطفال، تتسارع الخطوات السياسية والدبلوماسية في الكواليس لمحاولة وضع حد للنزيف الإنساني والعسكري.
القاهرة، بما تملكه من خبرة ووزن إقليمي، تقود مباحثات وصفتها مصادر دبلوماسية بأنها "الأكثر شمولاً" منذ اندلاع الحرب، إذ تسعى إلى صياغة اتفاق يتجاوز مجرد وقف النار إلى معالجة جذور الأزمة.
الصفقة المطروحة على الطاولة تتضمن بنودًا تتعلق بتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وترتيبات لإدارة مدنية جديدة للقطاع بمشاركة عربية ودعم دولي، إلى جانب ترتيبات أمنية من شأنها طمأنة تل أبيب بشأن نشاط الفصائل المسلحة. ومن بين الأفكار المطروحة، تكليف الأمم المتحدة أو قوة متعددة الجنسيات بدور المراقب، على أن تضطلع تركيا بدور الضامن خلال المرحلة الانتقالية، وهو طرح يلقى قبولاً جزئيًا لدى بعض الأطراف الدولية.
التحديات أمام نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه معركة على جبهتين: في الخارج، حيث تتصاعد الانتقادات الدولية، وفي الداخل، حيث يضغط اليمين المتطرف لفرض سيطرة كاملة على غزة.
تصريحات نتنياهو الأخيرة عكست تمسكه بإنهاء ما يسميه "بقايا المحور الإيراني" في القطاع، لكنه نفى أي نية لاحتلال دائم، مؤكدًا أن الهدف هو "تحرير غزة من قبضة حماس" واستعادة الرهائن.
غير أن المعارضة الإسرائيلية ترى في استمرار العمليات العسكرية تهديدًا لمكانة إسرائيل الدولية ومضاعفة لمعاناة الأسرى وعائلاتهم.
ضغط دولي غير مسبوق
في مجلس الأمن، تعرضت الخطة الإسرائيلية لانتقادات حادة من قادة غربيين، أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا لتشكيل تحالف دولي بإشراف الأمم المتحدة لإدارة غزة، فيما حذر وزير الدفاع الإيطالي من فرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت فيما وصفه بـ"النهج غير الإنساني".
وعلى جبهة أخرى، أعلنت أستراليا ونيوزيلندا وعدة دول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ما يشكل ضغطًا دبلوماسيًا مباشرًا على تل أبيب.
مباحثات القاهرة: تكتيك وحسابات
وصول خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى القاهرة يأتي في إطار حراك مشترك مع قطر وتركيا لبلورة مبادرة تُحرج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، عبر قبول صيغة تضمن الأمن المتبادل وحقوق الفلسطينيين، مع تخفيف الحصار ووقف العمليات العسكرية. وتدرك حماس أن ورقة الرهائن تمثل نقطة ضغط أساسية، فيما تسعى مصر إلى بناء توافق يضمن هدوءًا طويل الأمد.
تركيا، التي تربطها علاقات متشابكة مع كل من حماس وإسرائيل، مرشحة لتكون الضامن الأبرز في المرحلة الانتقالية، بينما تسعى السلطة الفلسطينية لاستعادة دورها الإداري في غزة عبر ترتيبات توافقية، وهو ما يثير حساسيات لدى بعض الفصائل. التحدي يكمن في صياغة معادلة توازن بين الأمن الإسرائيلي وحق الفلسطينيين في إدارة شؤونهم بعيدًا عن الإملاءات العسكرية.
نقطة تحول محتملة
يرى الخبير السياسي الفلسطيني هشام الهاشم، أن المقترح المصري المطروح لحل أزمة غزة سيحظى بقبول من الوسطاء، خصوصاً قطر والولايات المتحدة، مع توقع دور تركي لترميم العلاقات بين القاهرة وحركة حماس بعد التوترات الأخيرة.
ويشير إلى أن جوهر المقترح يتمثل في صفقة شاملة تتضمن الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين، سواء أحياء أو جثامين، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، إلى جانب إعادة انتشار قوات عربية في غزة لفترة زمنية محدودة بإشراف عربي–أمريكي، مع تجميد سلاح حماس خلال تلك المرحلة وصولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار، ووضع آليات دولية لضمان الاستقرار وترتيب "اليوم التالي" للحرب.
ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هذه التحركات تأتي لسحب الذرائع الإسرائيلية لاحتلال غزة، ومنع الحكومة اليمينية من تنفيذ مخطط التهجير القسري، مؤكدًا أن المقترح ينسجم مع موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرافض لاحتلال القطاع، وهو ما يبعث برسالة واضحة إلى تل أبيب بقبول صفقة شاملة. ويرى أن ذلك يضع نتنياهو وحكومته أمام خيارين: الاستمرار في العمليات العسكرية رغم الضغوط، أو القبول بالحل السياسي.
ويصف الهاشم هذا المقترح بأنه "نقطة تحول محتملة" في مسار الصراع، لكنه يلفت إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في إدارة ملف نزع السلاح، وحماية المصالح الأمنية لجميع الأطراف، وضمان استقرار غزة، خاصة مع اقتراب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، وسط تحولات دبلوماسية كبرى قد تفضي في النهاية إلى تقرير مصير الشعب الفلسطيني والاعتراف بدولته على حدود الرابع من يونيو 1967.
سيناريوهات على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي
على المستوى الفلسطيني، يتوقع الهاشم أن يحظى المقترح المصري بقبول واسع باعتباره مدخلاً لإنهاء حرب الإبادة والتهجير التي استمرت نحو عامين، وأدت إلى تدمير 90% من غزة، وفقدان أو إصابة أو استشهاد ما يقرب من ربع مليون فلسطيني.
أما بالنسبة لحركة حماس، فيرى أن ورقة الأسرى هي مصدر قوتها الأساسي، لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى حفظ ماء وجهها والخروج من الأزمة دون الإضرار بمصالحها السياسية والعسكرية، مع إمكانية إيجاد صيغة تحفظ سلاحها أو تسليمه لجهة ضامنة.
أما على الجانب الإسرائيلي، فيشير الهاشم إلى أن وضع نتنياهو ليس أفضل حالاً، إذ يواجه ضغوطاً متزايدة من المعارضة والائتلاف، إضافة إلى عزلة إقليمية ودولية تتجلى في موجة الاعترافات بدولة فلسطين، حتى من دول كالمملكة المتحدة التي كانت صاحبة وعد بلفور.
ويرى أن الصفقة الشاملة المقترحة قد تمنح نتنياهو فرصة للتخلص من ضغوط وزرائه المتشددين، مثل سموترتش وبن غفير، وتعزيز موقفه الانتخابي وفق استطلاعات الرأي الأخيرة.
ويختتم الهاشم بالقول: إنه يتوقع أن يلقى المقترح المصري قبولاً من الجانبين، الإسرائيلي والحمساوي، على حد سواء، لما يحمله من مخرجات تخدم مصالح كل طرف وتفتح باب التسوية السياسية.
وقف شامل للحرب
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إياد جودة، أن المقترح المصري الأخير يندرج ضمن سلسلة الجهود المتواصلة الرامية إلى الوصول لوقف نهائي لإطلاق النار في غزة، والشروع في إعادة الإعمار، وتمكين اللجنة الإدارية – التي كانت جزءًا من الخطة العربية– الفلسطينية التي أعلنتها القاهرة سابقًا – من ممارسة عملها بحرية كاملة تحت إشراف السلطة الفلسطينية في رام الله.
ويشير جودة في تصريحات لـ"العرب مباشر"، إلى أن العنصر الجديد في المقترح يتمثل في التوافق على وقف شامل للحرب، يتضمن الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. كما يلفت إلى أن المقترح يعالج أيضًا قضية السلاح عبر صيغة " تجميد السلاح"، وهي عبارة يعتبرها ذات أثر إيجابي في المباحثات، وقد تسهم بشكل ملموس في التوصل إلى صفقة شاملة.
ويضيف: أن الدور المصري في ترتيب الملفات الأمنية والشرطية يأتي امتدادًا لجهود القاهرة الحثيثة والمعلنة، موضحًا أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كان قد صرح في إحدى المقابلات بوجود قوة شرطية فلسطينية تخضع للتدريب في مصر لتولي المهام الأمنية في القطاع بعد وقف الحرب.
ويرى أن هذه القوة لن تخرج عن إطار الرؤية المصرية والعربية المشتركة التي تتبناها القاهرة، والتي قد تتطور لاحقًا إلى دخول قوات مصرية أو عربية لتهيئة الأرضية السياسية والأمنية للمستقبل المنشود.
ويؤكد جودة، أن سكان غزة يترقبون هذا المستقبل بثقة في قدرة مصر وأهميتها المحورية، معتبرًا أن القاهرة تظل جزءًا أساسيًا ورئيسيًا في أي صيغة نهائية تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، سواء على صعيد الأمن أو إعادة الإعمار أو تثبيت الاستقرار.