منصة الأمم المتحدة تتحول إلى منبر لغزة.. دعوات لوقف القتال وإحياء حل الدولتين
منصة الأمم المتحدة تتحول إلى منبر لغزة.. دعوات لوقف القتال وإحياء حل الدولتين

في اليوم الأول من اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحولت قضية فلسطين إلى محور النقاشات العالمية رغم غياب الرئيس محمود عباس شخصيًا عن الحضور، إذ حالت أزمة منع واشنطن إصدار تأشيرات دون مشاركته، ليتولى المندوب الدائم رياض منصور تمثيل بلاده في نيويورك. لكن الغياب لم يبدد الحضور السياسي للقضية، فقد تصدرت الحرب في غزة كلمات زعماء العالم، وأعادوا التأكيد على مركزية "حل الدولتين" كمسار وحيد لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، من أنطونيو غوتيريش الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار، إلى دونالد ترامب الذي حمّل حماس مسؤولية استمرار الحرب، مرورًا برجب طيب أردوغان الذي عرض صورًا مأساوية من غزة، اجتمعت الكلمات على أن الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من الدماء. هذه الدورة تبدو مختلفة، إذ تتزامن مع محاولات حثيثة لواشنطن ولعدد من القادة الإقليميين لتفادي انهيار كامل للوضع الإنساني في القطاع، وتحويل لحظة التصعيد إلى فرصة للعودة إلى المسار الدبلوماسي.
وقف الحرب
هيمنت فلسطين مجددًا على أروقة الأمم المتحدة، لتؤكد أن ملفها لم يغِب عن الأجندة الدولية مهما تعاظمت أزمات العالم، فقد جاءت كلمات القادة في اليوم الأول من أعمال الجمعية العامة متقاربة في جوهرها، وتؤكد على ضرورة وقف الحرب الدائرة في غزة والعودة إلى مسار سياسي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استهل الجلسات بكلمة حاسمة دعا فيها إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن فورًا، مشددًا على أن الأمم المتحدة لن تتخلى عن مبدأ حل الدولتين.
وأكد أن "لا شيء يبرر الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، ولا شيء يبرر العقاب الجماعي الذي يتعرض له سكان غزة"، كلمات غوتيريش عكست القلق الأممي من انهيار الأوضاع الإنسانية بعد ما يقارب العامين من القتال المتواصل.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحضر هذه الدورة في ظل ولايته الثانية، كان أكثر حدة في خطابه، إذ حمل حماس مسؤولية فشل كل محاولات إنهاء الحرب، معتبرًا أن الاعترافات بالدولة الفلسطينية "تكافئ حركة ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود"، ومع ذلك، أكد ترامب أن بلاده تعمل مع شركاء إقليميين لإيجاد تسوية، ملوحًا بأن تحقيق سلام دائم قد يكون الإرث الأبرز لولايته الحالية.
إرهاب الدولة
وعلى النقيض، استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منصة الأمم المتحدة لتصعيد خطابه ضد إسرائيل، مع عرض صور توثق معاناة سكان غزة، أردوغان دعا إلى المزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية واعتبر أن صمت المجتمع الدولي أمام ما وصفه بـ"الجرائم في غزة" لم يعد مقبولًا.
أما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، فقد شدد على أن الاعتراف بفلسطين ليس منّة بل حق أصيل، محذرًا من أن غياب أفق سياسي سيؤدي إلى جولات جديدة من العنف تهدد استقرار المنطقة.
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كان الأكثر وضوحًا في تحميل إسرائيل مسؤولية التصعيد، واصفًا سياساتها بـ"إرهاب الدولة"، مؤكدًا استمرار الدوحة في جهود الوساطة رغم الصعوبات، وهو ما ينسجم مع دور قطر كأحد أبرز الوسطاء في التهدئة بين حماس وإسرائيل.
وفي موازاة الكلمات الرسمية، شهدت نيويورك حراكًا دبلوماسيًا لافتًا مع اجتماع ترامب بقادة دول عربية وإسلامية، وفي لقطات مصورة مقتضبة ظهر خلالها ترامب يجلس مع عدد من قادة المنطقة بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وآخرون، مُرحبًا بالحضور ومؤكدًا أهمية الاجتماع، في مسعى لصياغة موقف موحد يضغط نحو إنهاء القتال، المشهد بدا وكأنه اختبار جدي لقدرة واشنطن على تحويل دعمها العسكري لإسرائيل إلى ورقة ضغط تجبرها على القبول بوقف إطلاق النار.
تصريحات جريئة
من جهته، أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأمريكي خلال لقائهما في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن الحل العسكري غير كافٍ في قطاع غزة.
وقال ماكرون لترامب في مطلع لقائهما إن الإسرائيليين "قتلوا قادة حماس الأساسيين، هذا نجاح كبير، لكن في الوقت عينه ما زال عدد مسلحي حماس كما كان عليه في اليوم الأول".
وأكد في حديثه وفقًا لـ"رويترز"، بالتالي هذا لا يصلح لتفكيك حماس، هذه ليست الطريقة المناسبة للتحرك، لذا نحن نحتاج إلى مسار كامل، ونحن نعمل بقوة من أجل اليوم التالي لانتهاء الحرب المتواصلة منذ نحو عامين، ولفت ماكرون إلى أنه إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد حقًا الحصول على جائزة نوبل للسلام فعليه إنهاء الحرب في غزة.
وأضاف -في مقابلة مع قناة "بي.اف.ام" الفرنسية، أمس الثلاثاء من نيويورك-، أن ترامب وحده من يملك قدرة الضغط على إسرائيل لوضع حد لهذه الحرب.
واستطرد يقول: "هناك شخص واحد قادر على فعل شيء حيال ذلك، وهو رئيس الولايات المتحدة، وسبب قدرته على فعل أكثر مما يمكننا فعله هو أننا لا نورد أسلحة تسمح بشن الحرب في غزة، نحن لا نقدم معدات تسمح بشن الحرب في غزة. الولايات المتحدة تقوم بذلك".
نافذة حقيقية
من جانبه، يرى د. طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية، أن اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع القادة العرب والإقليميين على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة يشكل "نافذة حقيقية" لفرض مسار سياسي جديد بعد عامين من النزيف في غزة.
ويؤكد فهمي في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"، أن واشنطن تدرك أن استمرار الحرب بات مكلفًا استراتيجيًا واقتصاديًا، ليس فقط لإسرائيل، بل لاستقرار المنطقة برمتها، وأن إدارة ترامب بحاجة إلى تحقيق اختراق دبلوماسي يُترجم وعودها الانتخابية بإنهاء النزاعات الخارجية.
ويرى، أن هذا الاجتماع قد يكون نقطة انطلاق لـ"صفقة سياسية معدلة" تتجاوز اتفاقات أبراهام، وتعيد وضع القضية الفلسطينية على طاولة التفاوض لكن بشروط أمريكية صارمة تتعلق بسلاح حماس وترتيبات أمنية على حدود غزة.
ويخلص فهمي إلى أن الكرة الآن في ملعب الأطراف الإقليمية لاستثمار لحظة التوافق الدولي ودفع إسرائيل نحو التهدئة، محذرًا من أن ضياع هذه الفرصة قد يعني دورة جديدة من العنف أكثر تعقيدًا وأشد كلفة على جميع الأطراف.