نحو مظلة عربية لحماية اللاجئين.. اجتماع يعيد فتح الملف الإنساني الأثقل في المنطقة
نحو مظلة عربية لحماية اللاجئين.. اجتماع يعيد فتح الملف الإنساني الأثقل في المنطقة

في ظل تفاقم أزمات اللجوء والنزوح التي تعصف بالمنطقة العربية منذ أكثر من عقد، عادت جامعة الدول العربية لتضع هذا الملف على أجندة البحث القانوني والسياسي، فقد استضافت إدارة الشؤون القانونية بالأمانة العامة للجامعة الاجتماع الثاني عشر للجنة المشتركة من خبراء وزارات العدل والداخلية، لمواصلة النقاش حول مشروع "الاتفاقية العربية الخاصة بأوضاع اللاجئين". هذا الحراك يعكس إدراكًا متزايدًا لحاجة الدول العربية إلى إطار قانوني موحد يحدد حقوق اللاجئين وواجبات الدول المضيفة، ويضع حدًا للتباين في التعامل مع هذه القضية التي لم تعد تخص دولة بعينها، بل صارت همًّا مشتركًا يتجاوز الحدود والسياسات الوطنية، الاجتماع، الذي يستند إلى قرار وزاري سابق صدر في نوفمبر 2024، يهدف إلى مراجعة مواد المشروع وصياغة آلية متوازنة بين مقتضيات السيادة الوطنية ومتطلبات الحماية الإنسانية، تمهيدًا لعرضه على وزراء العدل العرب في دورتهم المقبلة أواخر 2025.
فجوة قانونية وإنسانية
منذ اندلاع موجات النزوح الكبرى في المنطقة العربية، سواء بفعل الحروب أو الاضطرابات السياسية أو الكوارث الطبيعية، ظلّ غياب إطار عربي شامل للتعامل مع أوضاع اللاجئين يمثل فجوة قانونية وإنسانية في آن واحد.
ورغم أن العديد من الدول العربية صادقت على اتفاقيات دولية مثل: "اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين" وبروتوكول 1967 الملحق بها، فإن التطبيق ظل متفاوتًا ومشوبًا بقيود تتعلق بالاعتبارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
من هنا جاءت مبادرة إعداد "الاتفاقية العربية الخاصة بأوضاع اللاجئين"، كمحاولة لإيجاد مظلة إقليمية تتناسب مع خصوصية الواقع العربي وتوازن بين مقتضيات السيادة ومتطلبات الالتزام الإنساني.
الاجتماع الذي انعقد هذا الأسبوع في القاهرة تحت مظلة جامعة الدول العربية، يعد المحطة الثانية عشرة في مسار نقاش طويل ومعقد، وشارك فيه ممثلون عن وزارات العدل والداخلية في الدول الأعضاء، إلى جانب خبراء قانونيين معنيين بصياغة النصوص وضبط المصطلحات بما يضمن وضوحها وقابليتها للتنفيذ.
وأكدت مها بخيت، مدير إدارة الشؤون القانونية بالجامعة، أن الهدف الأساسي هو استكمال مناقشة المواد، وإعداد نص متكامل يمكن رفعه إلى مجلس وزراء العدل العرب خلال دورته المقبلة في نوفمبر 2025 لاعتماده رسميًا.
القضية التي تواجه المجتمعين لا تقتصر على صياغة بنود قانونية مجردة، بل تتعلق بملف معقد له أبعاد سياسية وأمنية وإنسانية، فالدول العربية، وعلى اختلاف أوضاعها، تعاني من ضغوط متزايدة نتيجة استضافة ملايين اللاجئين، سواء من فلسطين أو سوريا أو السودان أو غيرها من مناطق النزاع، ويشكل غياب اتفاقية إقليمية ملزمة عقبة أمام توحيد المعايير والإجراءات الخاصة باللجوء، إذ يعتمد الأمر حتى الآن على تشريعات وطنية متباينة، بعضها يركز على الجانب الأمني والبعض الآخر يفتقر إلى آليات حماية كافية.
وثيقة عربية
وبحسب مصادر قانونية متابعة للنقاش، فإن من أبرز النقاط الخلافية التي ما تزال قيد البحث: تعريف "اللاجئ" وفق السياق العربي، آليات الحماية القانونية، ومدى التزام الدول المضيفة بتوفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل.
كما يثار جدل حول مسألة تقاسم الأعباء بين الدول العربية، في ظل تفاوت القدرات الاقتصادية، وهو ما قد يستدعي صياغة بنود خاصة بالتعاون المالي والفني لضمان التوازن وعدم تحميل دولة بعينها ما يفوق طاقتها.
الاجتماع الأخير أعاد التذكير بأن الملف ليس قانونيًا صرفًا، بل سياسي أيضًا، إذ تحرص بعض الدول على التأكيد أن أي اتفاقية عربية لا ينبغي أن تنتقص من سيادتها أو تُلزمها بقبول لاجئين جدد خارج إرادتها.
في المقابل، يرى خبراء القانون الدولي، أن وضع معايير موحدة سيُعزز من مكانة الدول العربية على الساحة الدولية، ويمنحها أداة تفاوضية أقوى عند التعامل مع المؤسسات الأممية والجهات المانحة.
إلى جانب ذلك، فإن مشروع الاتفاقية قد يسهم في تعزيز التنسيق الأمني بين الدول العربية فيما يخص قضايا تهريب البشر والإقامات غير القانونية، وهو جانب لا يقل أهمية عن البعد الإنساني، فاللاجئون في بعض الحالات يصبحون عرضة للاستغلال من شبكات غير شرعية، ما يستدعي إطارًا عربيًا مشتركًا لمعالجة هذه المخاطر.
وفي حال اعتماد الاتفاقية في نوفمبر 2025، ستكون المرة الأولى التي يتبنى فيها العالم العربي وثيقة إقليمية خاصة باللاجئين، على غرار ما فعلت إفريقيا منذ عقود باتفاقية "منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969". هذا التطور - إن تحقق- قد يشكل خطوة نوعية في إعادة تعريف دور الجامعة العربية من مجرد منبر سياسي إلى مؤسسة قادرة على إنتاج أدوات قانونية مؤثرة في حياة ملايين البشر.
المراقبون يرون أن الطريق ما يزال طويلًا، إذ يتطلب الأمر توافقًا واسعًا بين الدول الأعضاء، وتحديد آليات متابعة وتنفيذ واضحة.
لكن مجرد استمرار الاجتماعات يعكس إرادة جماعية لعدم ترك الملف معلقًا، وللبحث عن حلول عربية خالصة تعكس خصوصية المنطقة وتستجيب لتحدياتها.
فرصة تاريخية
من جانبه، يرى د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن مشروع الاتفاقية العربية الخاصة بأوضاع اللاجئين يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام العربي على إنتاج حلول جماعية تتجاوز الحسابات الضيقة لكل دولة.
ويقول المنجي &في تصريح خاص لـ"العرب مباشر"-، إن غياب إطار قانوني موحد كان يترك الباب مفتوحًا أمام اجتهادات متباينة، بعضها يركز على البعد الأمني أكثر من الإنساني، ما خلق تفاوتًا واضحًا في معاملة اللاجئين من بلد إلى آخر.
ويشير إلى أن التحدي الأكبر أمام الدول الأعضاء يتمثل في التوفيق بين مبدأ السيادة الوطنية والالتزامات الإنسانية، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة وانقسامات سياسية تعصف بالمنطقة.
ويضيف المنجي: أن الاتفاقية، إن تم اعتمادها، قد تسهم في تعزيز موقف الدول العربية في المحافل الدولية، إذ ستشكل أساسًا لمطالبة المجتمع الدولي بدعم مادي وفني أكبر لمواجهة أعباء استضافة اللاجئين.
لكنه يلفت إلى أن نجاح الاتفاقية يعتمد على آليات المتابعة والتنفيذ، وليس مجرد توقيعها.
ويختم بالقول: إن العالم العربي أمام فرصة تاريخية لتحويل قضية اللاجئين من عبء يثقل كاهل بعض الدول إلى مسؤولية تضامنية تعكس روح العمل العربي المشترك، وهو ما قد يسهم في تخفيف التوترات الاجتماعية ويدعم الاستقرار الإقليمي على المدى البعيد.