مسلم أربك المؤسسة الأمريكية.. كيف قلب ممداني موازين السباق إلى عمدة نيويورك؟

مسلم أربك المؤسسة الأمريكية.. كيف قلب ممداني موازين السباق إلى عمدة نيويورك؟

مسلم أربك المؤسسة الأمريكية.. كيف قلب ممداني موازين السباق إلى عمدة نيويورك؟
ممداني

في مدينة تُعرف بتنوعها العرقي والديني لكنها نادرًا ما منحت السلطة لمن لا ينتمي إلى المؤسسة التقليدية، يبرز اسم زهران ممداني كرمز لتحول سياسي غير مسبوق في قلب نيويورك، فالشاب البالغ من العمر 33 عامًا، ابن الأكاديمي الأوغندي-الهندي المسلم والمخرجة السينمائية المرموقة ميرا ناير، يتقدم بخطى واثقة نحو أن يصبح أول مسلم يُرشَّح رسميًا عن الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك.


 من أروقة البرلمان المحلي إلى شوارع كوينز المزدحمة، قدّم ممداني نفسه كصوت الطبقات المهمشة، متبنيًا خطابًا جريئًا يزاوج العدالة الاجتماعية والدفاع عن القضايا العالمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومع كل جولة انتخابية، تتزايد شعبيته بين الشباب التقدميين والمجتمعات المهاجرة، بينما يثير قلق خصومه من الجناح الوسطي للحزب، في سباق يبدو أنه يتجاوز حدود السياسة المحلية، يمثل ممداني اختبارًا جديدًا لمدى استعداد أمريكا لاحتضان زعامة مختلفة، لا تخجل من إيمانها وهويتها.

من هو ممداني؟


يتقدم زهران ممداني بثقة في سباق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي على منصب عمدة نيويورك، متفوقًا على منافسه الأبرز، الحاكم السابق أندرو كومو، بفارق سبع نقاط مئوية بعد فرز 95% من الأصوات، ويُعد هذا التقدم إنجازًا رمزيًا كبيرًا ليس فقط لممداني، بل للحركات التقدمية داخل الحزب الديمقراطي التي تبحث عن وجوه جديدة تتجاوز إرث السياسة التقليدية في أمريكا.

ممداني، الذي ولد في كامبالا – أوغندا وانتقل إلى نيويورك في السابعة من عمره، يجسد قصة هجرة وتحول اجتماعي بامتياز، فقد نشأ في بيئة متعددة الثقافات، ودرس العلوم في مدرسة برونكس الثانوية، قبل أن يتخرج في كلية بودوين متخصصًا في الدراسات الأفريقية.

هناك بدأ نشاطه السياسي بتأسيس فرع لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، ما كشف مبكرًا عن ميله لربط النضال المحلي بالقضايا العالمية.

ينتمي ممداني إلى أسرة فكرية وفنية لامعة، فوالدته ميرا ناير واحدة من أبرز المخرجات في السينما العالمية، ووالده محمود ممداني أكاديمي بارز في جامعة كولومبيا.

إلا أن نجم زهران لم يسطع بفضل نسبه العائلي، بل بفضل نشاطه الميداني بين الطبقات العاملة في كوينز، حيث عمل مستشارًا في قضايا الإسكان وساهم في منع طرد عشرات الأسر من منازلهم.


حملة على إيقاع الناس


يرى أن السياسة لا تُمارس من خلف المكاتب، بل في الشوارع، فممداني يقود حملته بشعار "مدينة للجميع"، مستخدمًا لغة بسيطة لكنها مشحونة بالأمل، ويدعو إلى خدمات نقل مجانية بالحافلات، وتجميد الإيجارات، ورعاية أطفال مجانية، ومتاجر غذائية مملوكة للمدينة بأسعار منخفضة.

وهي مقترحات يقول إنها ليست "راديكالية" بل "واقعية في مدينة يعيش فيها ربع السكان تحت خط الفقر ونصف مليون طفل ينامون جائعين".

ولم تخلُ حملته من اللمسة الرمزية التي ميزت شخصيته، فقد غطس في مياه المحيط الأطلسي دعمًا لمطلب تجميد الإيجارات، وتناول وجبة "بوريتو" على قطار الأنفاق في رمضان لتسليط الضوء على الجوع والفقر في المدينة.

هذه المشاهد جعلته قريبًا من الجمهور الشاب، لكنها في المقابل أثارت انتقادات من خصومه الذين اعتبروه "شعبويًا يبيع الأحلام".

صحيفة نيويورك تايمز امتنعت عن دعمه رسميًا، معتبرة أن "أجندته التقدمية لا تتماشى مع تعقيدات إدارة مدينة بحجم نيويورك"، بينما اتهمه منافسه أندرو كومو بأنه "يفتقر إلى الخبرة اللازمة لإدارة ميزانية تتجاوز 115 مليار دولار وتشغيل أكثر من 300 ألف موظف".

 ورد ممداني ساخرًا في تجمع انتخابي قائلاً: "الخبرة التي يدّعونها هي نفسها التي جعلت نيويورك مدينة لا يسعها الفقراء".

شجاعة نادرة في المشهد الأمريكي

على الصعيد الدولي، أثار ممداني جدلاً واسعًا بمواقفه الصريحة تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ صرح أكثر من مرة بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، واصفًا إياها بأنها "دولة فصل عنصري"، كما قدّم مشروع قانون في المجلس التشريعي لإنهاء الإعفاء الضريبي عن الجمعيات الخيرية الأمريكية التي تموّل المستوطنات الإسرائيلية.

وقال في مقابلة مع "بي بي سي": "أؤمن بحق كل شعب في العيش بحرية وكرامة، وأرفض فكرة أي دولة تُعرّف نفسها على أساس ديني تمييزي"، لكنه أوضح لاحقًا في مقابلة مع برنامج The Late Show أنه "يعترف بحق إسرائيل في الوجود، كما يعترف بحق الفلسطينيين في العدالة والحرية وفق القانون الدولي".

هذا التوازن الدقيق بين المبدأ السياسي والموقف الأخلاقي أكسبه احترام شرائح واسعة من الجاليات العربية والإسلامية في نيويورك، لكنه في الوقت ذاته جعله هدفًا لهجمات إعلامية من مؤسسات مؤيدة لإسرائيل تتهمه بـ"تطبيع خطاب الكراهية".

ممداني ومسلمو أمريكا: هوية لا تُخفى


على خلاف كثير من السياسيين الأمريكيين المسلمين الذين يفضلون تجنب الإشارة إلى ديانتهم، جعل ممداني من هويته الإسلامية جزءًا أساسيًا من حملته، فهو يزور المساجد بانتظام، ويتحدث علنًا عن تجاربه كمسلم في مجتمع يعاني من رهاب الإسلام.

وقال -في أحد تجمعاته-: "أن تكون مسلمًا في هذا البلد يعني أن تختار بين الصمت أو المواجهة، وقد اخترت المواجهة بالحب والسياسة".

ويرى محللون، أن ترشحه قد يمثل لحظة فاصلة في تمثيل الأقليات في الولايات المتحدة، ليس فقط لأنه مسلم، بل لأنه يمثّل جيلًا جديدًا من السياسيين الذين يربطون العدالة الاجتماعية بالعدالة الدولية.