تصاعد حرب الروايات بين واشنطن وحماس حول نهب شاحنة المساعدات

تصاعد حرب الروايات بين واشنطن وحماس حول نهب شاحنة المساعدات

تصاعد حرب الروايات بين واشنطن وحماس حول نهب شاحنة المساعدات
حركة حماس

في وقت تتصاعد فيه الاتهامات وتتعقّد فيه مسارات الحرب والمساعدات في غزة، اندلعت جولة جديدة من السجال الإعلامي بين واشنطن وحركة حماس، بعدما نشرت القيادة المركزية الأميركية تسجيلًا مصورًا قالت إنه يوثّق عناصر من الحركة ينهبون شاحنة مساعدات إنسانية، لم تتأخر حماس في الرد، نافية صحة الادعاءات ومعتبرة أن ما بثّته الولايات المتحدة ليس سوى فصل جديد من "الحرب الدعائية" التي تبرر – وفق قولها – استمرار تقييد دخول المساعدات إلى القطاع المنكوب، وبينما يتجادل الطرفان حول مقطعٍ لا تتجاوز مدته دقائق، يبقى المشهد الأوسع أكثر مأساوية، مئات الآلاف من الجوعى ينتظرون الخبز، في حين تُختزل مأساتهم في روايات متناقضة وأشرطة مشوشة من السماء.

تكذيب حماس


أثارت اللقطات التي بثّتها القيادة المركزية الأميركية جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ زعمت أن طائرة استطلاع من طراز (MQ-9) التقطت مشاهد لعناصر من حركة حماس يوقفون شاحنة مساعدات متجهة إلى شمال خان يونس، قبل أن يعتدوا على سائقها ويستولوا على محتوياتها، غير أن الحركة سارعت إلى نفي القصة برمتها، ووصفتها بأنها "ادعاءات باطلة تهدف لتشويه صورة المقاومة وتبرير تقليص الإمدادات الإنسانية المتناقصة أصلًا".

وقال بيان صادر عن حماس: إن "الأجهزة الأمنية في غزة قدّمت أكثر من ألف شهيد ومئات الجرحى أثناء قيامها بتأمين قوافل الإغاثة"، مشيرة إلى أن "أيا من المؤسسات الدولية أو المحلية، ولا أي سائق ضمن فرق الإغاثة، لم يتقدم بشكوى تتعلق بحادث مشابه".

وتابعت الحركة، أن "الولايات المتحدة اختارت أن تبث مشهدًا انتقائيًا بينما تغض الطرف عن الجرائم اليومية التي ترتكبها إسرائيل أمام أنظار العالم".

إصرار واشنطن


في المقابل، تصرّ واشنطن على روايتها، ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن مصادر أميركية أن مركز التنسيق في كريات غات تلقى إنذارًا مباشرًا من المراقبة الجوية يشير إلى "تعرض قافلة إنسانية لهجوم مسلح"، مضيفة أن حالة السائق " ما تزال غير معروفة.

هذه التصريحات تأتي في إطار تنامي الدور الأميركي الرقابي في غزة، إذ تؤكد واشنطن أن طائراتها المسيّرة تتابع عن كثب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

لكنّ مراقبين يرون أن الحادثة – بصرف النظر عن حقيقتها – تكشف تصاعد التنافس السردي بين الأطراف الفاعلة في الحرب على غزة، فبينما تحاول واشنطن الظهور بمظهر الحَكم الإنساني، تسعى حماس إلى فضح ما تعتبره "ازدواجية المعايير الغربية" تجاه مأساة المدنيين الفلسطينيين.

أزمة الجوع مستمرة


وفي الوقت الذي تتبادل فيه الأطراف الاتهامات، ما تزال أزمة المساعدات في غزة تراوح مكانها، فوفقًا لتقارير الأمم المتحدة، لم تدخل إلى القطاع خلال الأسابيع الماضية سوى نسبة ضئيلة من الاحتياجات الأساسية، فيما تشهد المناطق الشمالية مجاعة فعلية.

كما يواجه السائقون والمنظمات الإغاثية مخاطر هائلة أثناء التنقل في مناطق مدمرة أو خاضعة لسيطرة مجموعات مسلحة غير نظامية.

تعتبر حماس أن واشنطن تحاول من خلال هذه الاتهامات "إعادة تأهيل" السردية الإسرائيلية، التي تصوّر القطاع كمنطقة خارجة عن السيطرة، تمهيدًا لتقليص المسؤولية القانونية عن الاحتلال في توزيع المساعدات. 

وتقول الحركة: إن "النهب الحقيقي" يتمثل في "منع القوافل وسرقة الشحنات عند المعابر وابتزاز المدنيين بالجوع".

أما الولايات المتحدة، فتؤكد أنها لا تتدخل في توزيع المساعدات، لكنها تحتفظ بحق "توثيق أي انتهاكات" تلاحظها طائراتها، ويرى محللون، أن نشر هذا التسجيل يأتي في لحظة سياسية حساسة، بعد تصاعد الانتقادات الموجهة لواشنطن بسبب بطء المساعدات واتهامات المنظمات الإنسانية بأنها "شريك بالصمت".

في خضم هذه المعركة الإعلامية، يبدو أن الضحية الحقيقية ليست الصورة ولا الشاحنة، بل الحقيقة نفسها، إذ تتبدل الروايات بسرعة الضوء، فيما يبقى سكان غزة محاصرين بين كاميرات السماء وروايات الأرض، ينتظرون الخلاص من مجاعة تتسع يومًا بعد آخر.