معاناة اللاجئين السوريين في تركيا مآسٍ إنسانية وتجاهُل حكومي
"أصعب أيام حياتنا".. هكذا وصف اللاجئون السوريون في تركيا أيامهم خلال شهر رمضان بأكمله، مؤكدين أن ما رأوه من صعوبات خلال شهر رمضان أمر لم يتخيلوه في أبشع كوابيسهم، فأردوغان يحاصرهم من جهة بمنع وصول المساعدات الدولية والاستيلاء عليها، ومن الجهة الأخرى يقف فيروس كورونا لينسف مدخراتهم بعد أن خسر معظمهم وظائفهم، خصوصًا مع استمرار أوامر الإغلاق هناك بسبب الوباء، فقد وجد هؤلاء أنفسهم فجأة دون طعام هم وأطفالهم، فالحكومة التركية صرفت للعمال الأتراك الذين تم الاستغناء عنهم منذ مارس الماضي 1200 ليرة شهريًا إلا أن هذه الإعانة لا تشمل مئات آلاف السوريين الذين لا يصلهم حتى المساعدات الدولية.
معاناتهم بدأت مع خسارة أردوغان لـ"إسطنبول" وإلقاء المسؤولية على السوريين
معاناة اللاجئين السوريين في تركيا بدأت منذ أن خسر حزب أردوغان "إسطنبول" فحاول حزب العدالة والتنمية تحميل السوريين نتيجة خسارتهم، حيث عقد الحزب اجتماعًا للجنة المركزية على الفور برئاسة أردوغان شخصيًا، ليناقشوا نتيجة الانتخابات التي جرت في يونيو 2019، وناقش الاجتماع عددًا من الإجراءات المؤسفة بحق اللاجئين السوريين وشدد على ضرورة تنفيذها دون تباطؤ بسبب زعم بعض النواب أن الخسارة في إسطنبول كانت بسبب التواجد السوري الكثيف الذي أدى لغضب أهالي المدينة من تواجدهم.
وبالفعل بدأت ملامح السياسة الجديدة تجاه السوريين بعد الأسبوع الأول من يوليو 2019، وتمثلت بحملة مداهمات واعتقالات لشبان سوريين جرى ترحيلهم إلى داخل سوريا، واستهدفت السلطات التركية في هذه الحملة جميع المخالفين في إسطنبول، عدا عن حملات طالت المصانع والمعامل للبحث عن سوريين مخالفين، أو سوريين يعملون في تلك المصانع دون إذن عمل، كذلك طلبت السلطات التركية من أصحاب المحال والمطاعم السورية بضرورة استبدال لافتات متاجرهم ومطاعمهم التي تحتوي على كلمات من اللغة العربية باللغة التركية.
عجز اللاجئين دفعهم لبيع "أعضائهم" لشراء الطعام وسداد الإيجار
وخلال الفترة الماضية زادت المعاناة بشكل تدريجي لتصل إلى الذروة في نهاية شهر رمضان الكريم، حيث فقد مئات الآلاف من اللاجئين مصادر دخلهم، ومع اقتراب العيد تبددت مدخراتهم خلال شهر واحد لتلبية الاحتياجات الكثيرة ما بين طعام وشراب ومواد وقاية طبية من كمامات ومطهرات تضاعف ثمنها أضعافًا بسبب تدهور الأوضاع الصحية في تركيا.
حيث كشفت شبكة "سي بي إس" الأميركية عن مأساة جديدة يعيشها اللاجئون السوريون في تركيا، حيث وجدوا أنفسهم مضطرين لبيع أعضائهم ليطعموا أبناءهم بعد أن عجزوا عن إيجاد الطعام حتى في مكبات القمامة، بعد أن كثفت عصابات تركية إعلانات لها على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب شراء أعضاء بشرية في استغلال للظروف المعيشية الصعبة.
أبو عبدالله، سوري الجنسية ويعمل في مهنة الحدادة، أكد أنه منذ تفشي فيروس كورونا وهو جالس في المنزل دون عمل، ولم تصمد مدخراته لأكثر من أسبوعين، وحتى الاقتراض لا يقدر عليه خاصة أن جميع معارفه يعانون نفس المعاناة التي يعيشها.
ويقول عبدالله رأيت إعلانًا عبر "فيسبوك" يمنح المال مقابل الأعضاء، فتواصلت مع شخص ما واتفق معي على شراء إحدى كليتي مقابل 10 آلاف دولار، وأخبرني أن نصف المبلغ مقدمًا والنصف الآخر بعد نجاح العملية الجراحية، وهو ما لم يحدث حيث أفقت من العملية لأجده قد اختفى وأغلق هاتفه، وبعد الحصول على كليتي أخرجتني المستشفى بأربع وعشرين ساعة فقط دون رعاية كافية.
لا نعلم كيف مر علينا شهر رمضان.. معظمنا كان يصوم 3 أيام متتالية
يقول، سامر هشام، 34 عامًا، رمضان هذا العام كان شديد القسوة على معظم اللاجئين، فالكثير منا لم يجد ما يفطر به، وكان صيامنا يختلف عن سائر المسلمين في العالم حيث كان يمر علينا يومان أو ثلاثة بلا وجبة واحدة.
وأضاف: فقدنا وظائفنا، ومدخراتنا لم تصمد أيامًا معدودة، وحتى التسول في الشوارع لا نقدر عليه مع حظر التجوال، والبحث في القمامة عن الطعام مغامرة أيضًا بسبب الإجراءات الحكومية وحظر التجوال، مضيفًا لا نعرف كيف مر علينا الشهر، فحتى المساعدات المقدمة من المفوضية للاجئين لا تصل إلينا ولا أحد في السلطات التركية يخبرنا لماذا لا تصل وعندما نقول لهم سنهلك جوعًا يخبروننا أن هذه ليست مشكلتهم.
وتابع: لولا المساعدات من العرب ميسوري الحال وبعض منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية لم نكن لنعيش حتى هذه اللحظات، فأعدادنا ليست قليلة والأزمة الاقتصادية في تركيا طاحنة، وتداعيات فيروس كورونا زادت الأوضاع السيئة سوءًا.
شقيقي اتخذ قرار بيع كليته بعد بقاء أبنائه دون طعام 3 أيام
في السياق ذاته، يقول هاشم الحاج، 47 عامًا، رمضان هذا العام كان الأطول على مر حياتي، فالأيام شديدة الصعوبة لا تمر، أعول أسرة مكونة من زوجتي وابن وابنة فقط، ورغم أن طفلتي لم تتجاوز الـ3 أعوام من عمرها إلا أنها كانت تصوم معانا (إجباريًا وليس اختياريًا) بسبب عجزي عن توفير الطعام.
وتابع الحاج: في الأسبوع الأخير من رمضان، جاءت انفراجة بعد أن أرسل لي أخي ألف دولار مع نجله، وعندما سألته لماذا لم يأت أبيك أخبرني أن شقيقي طريح الفراش منذ أكثر من أسبوع، مضيفًا ذهبت على الفور لزيارة شقيقي والاطمئنان عليه، وكذلك سؤاله عن مصدر الأموال التي أرسلها لي.
وأضاف الحاج: كالصدمة جاءت إجابة أخي عن سؤالي حيث أخبرني أنه تواصل مع أحد تجار الأعضاء واتفق معه على كليته مقابل 6 آلاف دولار، وأخبرته أنني لا أريد أموالًا جاءت عن طريق بيعه لأعضائه، فقال لي هذا حقك فأنا استخدمت اسمك في المستشفى حيث يجرم القانون تجارة الأعضاء ويشترط على المتبرعين بأعضائهم إثبات درجة القرابة فاستخدم أخي اسمي في الأوراق.
وأشار الحاج إلى أن أخيه أقنعه بصحة موقفه حيث أخبره أنه اتخذ القرار بعد مرور 3 أيام دون طعام في بيته، وأنه على استعداد لبيع جسده بالكامل في سبيل إنقاذ أبنائه من الموت جوعًا في تركيا، قائلًا في جميع الحالات سأموت فالأفضل أن أموت وأترك لأبنائي بعض المال ليعينهم على الحياة.