معاناة بلا حدود.. تدهور خطير للأوضاع الإنسانية في السودان
معاناة بلا حدود.. تدهور خطير للأوضاع الإنسانية في السودان

يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، حيث تتفاقم المعاناة اليومية لملايين المواطنين في ظل حرب طاحنة تسبّبت في انهيار اقتصادي وأمني وصحي واسع النطاق.
ومع دخول النزاع شهره الحادي عشر في العام الثاني، تبدو البلاد على حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل شح الغذاء والمياه، وانهيار القطاع الصحي، وتزايد الانتهاكات ضد المدنيين.
مجاعة تُلوح في الأفق.. أزمة غذائية خانقة
تُشير تقارير إنسانية إلى أن السودان يُواجه واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، حيث يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وتعاني المدن الأكثر تأثرًا بالقتال، مثل الخرطوم ونيالا والأبيض ومدني، من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، مع ارتفاع جنوني في الأسعار نتيجة تعطل سلاسل الإمداد والتوزيع.
الأسواق التي كانت تعج بالمنتجات قبل اندلاع النزاع باتت اليوم شبه فارغة، فيما أصبح الحصول على وجبة واحدة يوميًا ترفًا لا تستطيع تحمله معظم الأسر، المطابخ الخيرية، التي كانت توفر الطعام للفئات الأكثر ضعفًا، تقلصت قدرتها على العمل بسبب ارتفاع أسعار السلع ونقص التمويل، ما أدى إلى تزايد معدلات الجوع، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل.
النظام الصحي على شفا الانهيار
لم يكن القطاع الصحي بمنأى عن الكارثة، إذ خرجت نحو 80% من المستشفيات والمرافق الطبية عن الخدمة، إما بسبب تعرضها للقصف أو بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية.
في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، يضطر المرضى إلى قطع مسافات طويلة، وأحيانًا السفر إلى مناطق أخرى بحثًا عن الرعاية الصحية، لكنهم في معظم الأحيان لا يجدون أي خدمات متاحة.
تُشير التقارير إلى تفشي أمراض قاتلة مثل الكوليرا والملاريا، في ظل انعدام مياه الشرب النظيفة وتدهور الأوضاع البيئية.
في بعض المناطق، تجاوز عدد الإصابات الحد الوبائي، وسط عجز المنظمات الصحية عن التدخل الفوري بسبب استمرار القتال والقيود الأمنية المفروضة على وصول الإمدادات الطبية.
أما مرضى الحالات المزمنة، مثل السكري وضغط الدم، فهم الأكثر تضررًا، حيث بات العثور على أدوية مثل الأنسولين شبه مستحيل، ومع إغلاق معظم الصيدليات أو تعرضها للنهب، يلجأ المواطنون إلى أسواق سوداء تبيع الأدوية بأسعار باهظة، أو يضطرون للاستغناء عن العلاج تمامًا، مما يُؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الفئات الضعيفة.
نزوح جماعي وأوضاع مأساوية في المخيمات
ونتيجة للعنف المستمر، اضطر أكثر من 8 ملايين سوداني إلى النزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر، إلا أن أوضاع النازحين داخل البلاد كارثية، حيث يعيشون في مخيمات مكتظة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
المياه غير متوفرة بشكل كافٍ، والصرف الصحي شبه معدوم، مما يجعل هذه المخيمات بيئة خصبة لتفشي الأوبئة والأمراض، ومع غياب الدعم الدولي الكافي، لا يتلقى معظم النازحين المساعدات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.
إلى جانب الأزمة الإنسانية، يشهد السودان تصاعدًا في الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، عمليات القصف العشوائي تستهدف الأحياء السكنية دون تمييز، ما يُؤدي إلى سقوط ضحايا بين النساء والأطفال بشكل يومي.
والنهب المسلح أصبح واقعًا مريرًا تعيشه الكثير من المدن السودانية، حيث يتم اقتحام المنازل والمتاجر والمستشفيات بالقوة، ويتم إجبار العائلات على التخلي عن ممتلكاتها تحت تهديد السلاح.
ومع استمرار النزاع وغياب أي حلول سياسية تُلوح في الأفق، تبدو الأوضاع في السودان مرشحة لمزيد من التدهور، ومع ذلك، فإن المساعدات الدولية لا تزال شحيحة بشكل غير مسبوق، حيث لم يتم تمويل سوى 4.2% فقط من احتياجات السودان الإنسانية، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
ويقول الباحث السياسي السوداني، محمد إلياس، إن الوضع مأساوي بكل المقاييس، لا طعام، لا ماء، ولا دواء، العائلات تعيش في رعب دائم بسبب القصف والانتهاكات، والمساعدات الإنسانية لا تصل إلى المناطق الأكثر تضررًا، حتى المستشفيات التي لا تزال تعمل بالكاد توفر خدماتها بسبب نقص الأدوية والكهرباء.
ويضيف إلياس - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر" - أنه لم يعد في المواجهة فقط نقصًا في الأدوية والمعدات، بل أيضًا أزمة في الكوادر الطبية نفسها، حيث تعرض العديد من الأطباء للاعتقال أو أُجبروا على مغادرة البلاد، والمرضى يموتون بسبب أمراض يمكن علاجها بسهولة لو كانت هناك رعاية صحية مناسبة، والسودان يُواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، لكن الاستجابة الدولية لا تزال ضعيفة بشكل مقلق، وتحتاج المنظمات العاملة على الأرض إلى تمويل عاجل لتوفير الاحتياجات الأساسية لملايين المتضررين، وإلا فإننا سنشهد كارثة غير مسبوقة في الأشهر القادمة.