أهالي طرابلس.. عالقون بين أوجاع
ما بين مطرقة "كورونا" وسندان الميليشيات الإرهابية يعيش أهالي طرابلس في حالة من الفقر الشديد ونقص الخدمات وانعدام الرعاية الصحية، حكومة الوفاق نجحت في تحويل حياة أهالي طرابلس إلى سلسلة من الصعوبات آخِرها قيام عناصر الوفاق بالسطو والقرصنة على المساعدات الطبية التي يرسلها الاتحاد الإفريقي إلى ليبيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، استغاثات متكررة يطلقها سكان طرابلس بسبب نقص المواد الأساسية وغياب الأمن والأمان وكذلك تفشي وباء "كورونا"، ولم تشفع لهم دعوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في ليبيا للسماح للمنظومة الصحية المتداعية للاستعداد لمحاربة الوباء، ورغم ذلك احتدم القتال في الأيام الأخيرة مع الهجوم الذي شنّته ميليشيات حكومة الوفاق بإشراف ودعم تركي مباشر في غرب البلاد ضدّ قوات الجيش الوطني الليبي بهدف السيطرة على الحدود مع تونس.
عناصر السراج تستولي على المساعدات وتحرم الليبيين منها
الحكومة الليبية المؤقتة طالبت المجتمع الدولي بضرورة سحب الاعتراف من حكومة الوفاق بسبب الأفعال الإجرامية التي تحدث يوميًا من عناصر تابعة للوفاق، فالسطو على المساعدات المرسلة للشعب ليست أول أو آخر العمليات الإجرامية التي تتكرر بشكل يومي في كل شبر من أرض طرابلس.
وكانت حكومة الوفاق قد أعلنت أنها تسلمت شحنة معدات وأجهزة طبية من مؤسسة "جاك ما" الصينية بإشراف من الاتحاد الإفريقي، وقالت إنّها حولتها إلى وزارة الصحة لتكون بين أيدي الفرق الطبية لاستخدامها في مكافحة هذه الجائحة وحصرت استخدامها فقط على عناصرها المقاتلين وحرمت منها الشعب الليبي.
واحتجت الحكومة الليبية المؤقتة لعدم حصولها على حصتها من المساعدات الطبية واتهمت في بيان لوزير الخارجية حكومة الوفاق بالاستيلاء على المساعدات وقرصنتها وحرمان الشعب الليبي مقابل توظيفها سياسيًا على الرغم من الوضع الإنساني المأساوي والمتردي بشدة الذي يتطلب من الجميع تضامنًا وطنيًا لمواجهة وحصار وباء كورونا المستجد.
الحكومة المؤقتة تواصلت مع الاتحاد الإفريقي من أجل التنبيه على "عدم شرعية الوفاق" وأنها "حكومة مرتهنة لحكم الميليشيات وأن هذه المساعدات لن تصل إلى مستحقيها"، فإن الاتحاد الإفريقي سلم هذه الشحنة إلى "جهة غير قانونية"، قامت بمنع إيصالها إلى أكثر من 85 بلدية من أصل 105 بلديات تتبعها، موضحة أن ما قامت به "حكومة الوفاق غير الدستورية وغير المعتمدة والمنتهية الصلاحية" من "قرصنة" هذه المساعدات الإنسانية والتي "وظفتها سياسياً من أجل كسب ولاء بعض البلديات التابع للميليشيات المسيطرة عليها وعلى قراراتها"، مؤكدّة أن هذه المساعدات هي لأغراض إنسانية بحتة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال توظيفها سياسياً وحرمان الشعب الليبي منها.
ميلشيات السراج تتجاهل الدعوات الدولية وتستمر في إشعال الحرب
من جانبه أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، أن العاصمة طرابلس تشهد معارك طاحنة لا تتوقف، موضحًا أن حدة الاشتباكات العسكرية تصاعدت بعد هجوم شنته فصائل تابعة لحكومة الوفاق على قاعدة الوطنية الجوية العسكرية جنوب طرابلس والتي تسيطر عليها قوات الجيش الليبي.
بدوره، أعلن آمر غرفة العمليات المشتركة التابعة لميليشيات الوفاق أسامة الجويلي عن أن قواته تمكنت من السيطرة على القاعدة، إلا أن الجيش الليبي نفى ذلك تماما، وأكد أن قواته تمكنت من صد الهجوم.
الهجمات من ميليشيات الوفاق لم تتوقف رغم تجدد الدعوات الدولية لطرفي الصراع لوقف العنف جراء مخاوف من تفشي فيروس كورونا المستجد بشكل وبائي، فمنذ ظهور "كورونا" في دول الجوار خصوصا تونس والجزائر ومصر، استبقت سلطات البلد وصول الفيروس واتخذت إجراءات احترازية، حيث فرضت كل من الحكومة المؤقتة في بنغازي وكذلك حكومة الوفاق في طرابلس، حظر تجول في مناطق سيطرتها، كما أغلقت الحدود البرية مع تونس، وعلقت الرحلات الجوية إلى الخارج، كما أغلقت المحلات التجارية والمقاهي باستثناء المرافق الصحيّة والصيدليات.
فيما يرى مراقبون أن من شأن انتشار فيروس كورونا تعميق مأساة ليبيا التي تفتقر أساسا إلى بنية صحيّة جيّدة وتعاني من نقص الإمدادات الطبية، مع زيادة أعداد المرضى وجرحى الحرب التي تعصف بها منذ سنوات.
محرومون من العلاج والمساعدات الدولية لا تصل لنا
يقول حامد العبود، 38 عام، من أهل طرابلس، نعيش حياة لم نتخيلها في أسوأ كوابيسنا، صوت الرصاص لا ينقطع طوال اليوم، ونلتزم بالبقاء في منازلنا رغم عدم امتلاكنا لمخزون يؤهلنا للبقاء أسبوعا واحدا دون عمل.
وأضاف إبراهيم، هنا في طرابلس الجميع يعلم أنه إذا أصيب شخص ما بفيروس كورونا فالاحتمالية الأكبر أنه سيموت، فالمستشفيات لا تمتلك الاستعدادات المناسبة للتصدي للفيروس الخطير الذي ركّع أنظمة صحية عالمية، في حين من الخطأ أن نطلق على ما نملكه في طرابلس اسم منظومة صحية، بل هي بضعة مستشفيات متناثرة لا تكفي لعلاج 100 شخص فقط يوميًا.
وتابع إبراهيم، إذا ما أردت العلاج فيجب أن أكون أحد عناصر ميليشيات الوفاق، المجتمع الدولي يحاول مساعدتنا ويرسل مساعدات فتستحوذ عليها ميليشيات الوفاق وتترك الليبيين يواجهون مصيرهم دون معين.
نخاف من "كورونا".. ولكن الخوف من الموت جوعًا يجبرنا على النزول
في السياق نفسه، يقول هاشم طارق، 40 عاما، لا يسمح لنا بالسير على الأقدام إلا 5 ساعات يوميًا بالكاد تكفينا لنقل احتياجاتنا من المياه بعد أن قطعتها جماعات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق، فنضطر للذهاب إلى البئر الموجود بالمسجد لملء المياه وبعدها شراء بعض الخبز والطعام.
تخزين ميليشيات السراج للمواد الغذائية والدوائية شكل أزمة حقيقية يعيشها جميع الليبيين ورغم الحظر إلا أن الأمن غائب تمامًا فنخشى الخروج بسبب وجود خارجين عن القانون يستغلون خلو الشوارع لسرقة أي شيء نقوم بشرائه، وكذلك كسر المحال وسرقتها.
وأضاف الحظر زاد من صعوبات الحياة فمن لا يعمل الآن لن يجد الطعام، أما عن الإجراءات الاحترازية فالأمر لن يختلف كثيرًا إذا ما تفشى الفيروس فطرابلس بأكملها لا يوجد بها كمامات أو قفازات أو وسائل وقاية صحية بعد استحواذ ميليشيات السراج عليها وعلى المساعدات التي ترسل من قِبل الاتحاد الإفريقي أو المجتمع الدولي ككل، موضحًا، بالطبع خائفون من احتمالات الإصابة بـ"كورونا"، ولكن نخاف أكثر من احتمالات الموت جوعًا.