من الحدود إلى المدن الكبرى: تقييم التهديدات الصاروخية لحزب الله ضد إسرائيل
من الحدود إلى المدن الكبرى: تقييم التهديدات الصاروخية لحزب الله ضد إسرائيل
في ظل التصاعد الملحوظ للتوترات على الحدود الشمالية لإسرائيل، تتجه الأنظار نحو الخطط العملياتية الإسرائيلية والقدرات العسكرية لحزب الله، يُعيد هذا السيناريو إلى الأذهان مشاهد الحروب السابقة، مع توقعات بمواجهة قد تغير معادلات القوى في المنطقة
*الحرب الشاملة*
أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا عن المصادقة على خطط عملياتية لشن هجوم على لبنان، في محاولة لردع هجمات حزب الله، هذا الإعلان يثير تساؤلات حول طبيعة الحرب المحتملة، الخسائر المتوقعة، وإمكانية امتداد الصراع وتوسعة بشكل شامل.
وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أكد أن إسرائيل ستدفع ثمنًا باهظًا في حالة الحرب الشاملة، لكنه شدد على أن الجيش الإسرائيلي، سيعمل على استعادة الأمن للمناطق الشمالية.
مجلة "فورين بوليسي" سلطت الضوء على السيناريوهات المحتملة للحرب، مشيرة إلى أن حزب الله يتمتع بقوة عسكرية تفوق حركة حماس.
*تسليح حزب الله*
يُعد حزب الله، وفقًا للتقديرات الصادرة عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، الكيان غير الحكومي الأكثر تسليحًا على مستوى العالم، حيث يمتلك ترسانة عسكرية متقدمة تضم مجموعة واسعة من الأسلحة الفتاكة والمعقدة. تشمل هذه الترسانة صواريخ بعيدة المدى، قذائف موجهة بدقة، وأنظمة دفاع جوي متطورة، بالإضافة إلى مخزون كبير من الذخائر والمعدات العسكرية الأخرى.
تم بناء هذه الترسانة الضخمة بمساعدة ودعم مباشر من دول مثل إيران، التي تُعتبر الداعم الرئيسي لحزب الله، وذلك من خلال تقديم الأسلحة، التدريب، والمساعدات المالية. كما ساهمت روسيا وسوريا في تعزيز قدرات حزب الله العسكرية، سواء من خلال تزويده بالأسلحة المتطورة أو من خلال التعاون الاستراتيجي والتقني.
تشير التقارير إلى أن حزب الله قد طور قدراته العسكرية بشكل ملحوظ منذ الحرب مع إسرائيل في عام 2006، حيث أصبح الآن قادرًا على تنفيذ هجمات معقدة ومنسقة تتجاوز الحدود اللبنانية.
ويُعتقد أن لدى الحزب القدرة على إطلاق الصواريخ بدقة عالية، مما يمكنه من استهداف البنية التحتية الحيوية والمواقع الاستراتيجية داخل إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، يُشار إلى أن حزب الله قد استفاد من الصراع السوري، حيث شارك مقاتلوه في القتال إلى جانب القوات الحكومية السورية، مما أتاح لهم اكتساب خبرة قتالية قيمة وتطوير تكتيكات جديدة في الحرب الحديثة. وتُعد هذه الخبرة عاملاً مهمًا يُحتمل أن يُعزز من فعالية حزب الله في أي مواجهة مستقبلية.
من الجدير بالذكر، أن التحالف القائم بين حزب الله وإيران يُعتبر جزءًا من محور أوسع يشمل أيضًا سوريا وروسيا، وهو ما يُعطي الحزب ميزة استراتيجية في المنطقة ويُعتبر هذا التحالف تحديًا كبيرًا لإسرائيل، التي ترى في تعاظم قوة حزب الله تهديدًا متزايدًا لأمنها القومي.
*تهديد المدن الكبرى*
مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، وصف حزب الله بأنه يشكل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل. ويُقدر أن حزب الله يمتلك حوالي 130 ألف صاروخ وقذيفة، قادرة على تحدي أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية واستهداف المدن الكبرى.
أورين تحدث عن تقديرات تشير إلى قدرة حزب الله على إحداث دمار شامل للبنية التحتية الإسرائيلية، بما في ذلك مصافي النفط والقواعد الجوية، وحتى موقع ديمونة النووي، خلال فترة قصيرة.
من نقاط القوة التي يتمتع بها حزب الله، بحسب "فورين بوليسي" ومحللين إسرائيليين، شبكة أنفاق تحت الأرض مشابهة لتلك التي تمتلكها حماس في غزة. وتخشى الأوساط الإسرائيلية من أن إيران قد أنشأت طرق إمداد برية وجوية للبنان عبر العراق وسوريا، مما يعزز قدراتها اللوجستية في حالة الحرب.
كما أن مقاتلي حزب الله اكتسبوا خبرة قتالية في سوريا، وقد تم تطوير ترسانتهم العسكرية بشكل ملحوظ منذ العام 2006.
إلى جانب القوة العسكرية، يُعد انتشار حزب الله بين المدنيين والمواقع غير العسكرية عاملًا يُعقد من مهمة إسرائيل في تحديد الأهداف، مما قد يؤدي إلى انتقادات دولية في حالة الضربات التي تؤثر على المدنيين.
*الاستراتيجية الاسرائيلية*
وفقًا لجوناثان شانزر، نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية ستركز على تدمير كافة مظاهر وجود حزب الله في لبنان، مما قد ينتج عنه أضرار جسيمة.
دانييل بايمان، أستاذ في معهد الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، يرى أن تخفيف التصعيد قد يتطلب التوصل إلى اتفاق في غزة، حيث يعتقد أن حماس، إذا وافقت على وقف إطلاق النار، فإن حزب الله سيحترم ذلك.
وتزايد الاعتقاد بين المسؤولين والمحللين في إسرائيل وخارجها بأن غزة تُعد جبهة واحدة في صراع أوسع مع إيران، وأن التصعيد مع حزب الله أمر لا مفر منه.
إيال هولاتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، يعبر عن قلقه من أن يكون التركيز على حزب الله بمثابة إلهاء بينما تحقق إيران تقدمًا في برنامجها النووي.
ويشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواجه ضغوطًا لإيجاد حل يسمح بعودة النازحين إلى منازلهم على الحدود الشمالية مع لبنان.
*لاعبًا لا يمكن تجاهله*
من جانبه، يقول د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية تُظهر تغيرًا في موازين القوى بالمنطقة، مضيفًا أن حزب الله، بترسانته العسكرية المتطورة وخبرته القتالية، يُعد الآن لاعبًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، ومع ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ بعين الاعتبار التداعيات الإنسانية لأي تصعيد محتمل، وأن يعمل على تعزيز الحوار والحلول السلمية، خاصة أن الوضع الراهن يتطلب تقييمًا دقيقًا للتهديدات والفرص، مضيفًا، من الواضح أن حزب الله قد عزز من قدراته، وهذا يُعقد من مهمة إسرائيل في الحفاظ على توازن الردع، السؤال الأهم هو كيف يمكن لإسرائيل أن تحافظ على أمنها دون الدخول في دوامة من العنف قد تؤدي إلى تداعيات إقليمية واسعة النطاق.
ختامًا، يبقى الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل محفوفًا بالمخاطر والتحديات، فالمعادلات العسكرية والسياسية المعقدة تجعل من الصعب التنبؤ بمسار الأحداث المستقبلية. ومع ذلك، يظل السعي نحو تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه جميع الأطراف المعنية.