الرياض والقاهرة تجددان التحالف الدبلوماسي في مواجهة أزمات الإقليم
الرياض والقاهرة تجددان التحالف الدبلوماسي في مواجهة أزمات الإقليم

في وقت تتصاعد فيه وتيرة التوترات في المنطقة، وتتعاظم التحديات التي تواجه الدول العربية، عادت كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية لتؤكدا التزامهما بمبدأ التنسيق السياسي المشترك، عبر اجتماع رفيع المستوى احتضنته العاصمة السعودية الرياض، اليوم الاثنين.
اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين لم يكن لقاءً بروتوكوليًا، بل محطة مهمة لإعادة ضبط إيقاع العمل العربي المشترك، خصوصًا مع اشتداد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، واستمرار حالة الفوضى في السودان، وتصاعد التهديدات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها على الأمن القومي العربي، ومن خلال أعمال لجنة المتابعة والتشاور السياسي التي تأسست منذ أكثر من 18 عامًا، جدد البلدان التزامهما بدور محوري في صون الاستقرار، وبناء مقاربات استراتيجية فاعلة في التعامل مع الأزمات الإقليمية.
اجتماع الرياض، إذًا، لا يُقرأ فقط في سياق العلاقات الثنائية، بل يعكس رؤى متقاربة حيال مستقبل المنطقة وتحولاتها المتسارعة.
*ملفات ثنائية*
شهدت العاصمة السعودية الرياض، اليوم الاثنين، جولة مشاورات سياسية جديدة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، في إطار أعمال لجنة المتابعة والتشاور السياسي التي تعقد بصفة دورية منذ تأسيسها عام 2007.
وقد ترأس الاجتماع كل من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره المصري الدكتور بدر عبد العاطي، حيث ناقش الجانبان حزمة من الملفات الثنائية والإقليمية، في مقدمتها الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، والأزمة السودانية المتفاقمة.
المشاورات، التي تأتي في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، عكست توافقًا ملحوظًا في الرؤى حول أهمية استعادة زمام المبادرة العربية، سواء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة، أو الدفع نحو حل سياسي شامل في السودان، يضمن وحدة أراضيه وعودة مؤسسات الدولة.
وفي حين لم يُعلَن عن تفاصيل موسعة بشأن مخرجات اللقاء، فإن البيان المشترك الصادر عن الجانبين أكد على «الاستمرار في التنسيق والتشاور بما يعزز الأمن القومي العربي»، وهو ما يعكس توجهًا نحو بناء تكتلات عربية أكثر فاعلية في التعامل مع التحديات المتصاعدة.
*غزة.. أولوية إنسانية وسياسية*
ملف غزة تصدّر جدول أعمال الاجتماع، وسط تزايد التحذيرات الدولية من انهيار كامل للبنية الإنسانية في القطاع.
وأفادت مصادر دبلوماسية، بأن الرياض والقاهرة شددتا على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، إلى جانب رفض محاولات فرض حلول أحادية تتجاوز الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وقد لعبت مصر دورًا مركزيًا في ملف الوساطات وفتح المعابر، فيما تتمتع السعودية بثقل دبلوماسي دولي يمكن توظيفه للضغط على القوى الدولية من أجل كبح آلة الحرب واستئناف مسار الحل السياسي.
ومن المرجّح أن يشهد التنسيق السعودي-المصري خطوات أكثر تصعيدًا في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة، عبر آليات الأمم المتحدة والجامعة العربية.
*السودان.. سيناريوهات مفتوحة ومخاوف متصاعدة*
إلى جانب غزة، تطرقت المشاورات إلى الأزمة في السودان، التي باتت تمثل خطرًا مقلقًا على أمن دول الجوار، وفي مقدمتها مصر، إضافة إلى تهديد الملاحة في البحر الأحمر.
وعبّر الوزيران عن قلقهما من استمرار النزاع المسلح وتوسع رقعة الاشتباكات، مشددين على ضرورة دعم المبادرات الإقليمية والأممية الرامية إلى إنهاء القتال وبدء حوار وطني شامل.
الموقفان السعودي والمصري تجاه السودان يتكاملان في رفضهما للحلول العسكرية وحرصهما على دعم سيادة الدولة ومؤسساتها.
كما تؤكد الوقائع على الأرض أن البلدين يقفان أمام تحديات استراتيجية مشتركة، تتطلب مقاربات غير تقليدية تجمع بين الجهد الدبلوماسي والضغط السياسي، وربما التدخل الإنساني الموسّع عبر التنسيق مع الشركاء الدوليين.
*علاقات ثنائية ثابتة في محيط متحوّل*
بعيدًا عن القضايا الساخنة، شكل الاجتماع أيضًا فرصة لتجديد الالتزام بالعلاقات الثنائية الممتدة بين الرياض والقاهرة، القائمة على أسس راسخة من التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ويرى مراقبون، أن البلدين يتجهان نحو ترسيخ معادلة جديدة من الشراكة الإقليمية، تستند إلى التكامل وتبادل الأدوار في الملفات المعقدة، حيث تأتي اجتماعات لجنة التشاور في ظل متغيرات دولية تلقي بثقلها على المنطقة، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى التوتر الأميركي الإيراني، وهو ما يدفع كلا العاصمتين إلى تعزيز التنسيق المتبادل لحماية المصالح المشتركة وتعزيز الاستقرار الإقليمي.