القطاع الطبي الجزائري يتداعى... الأطباء يستغيثون: فقدنا السيطرة
معاناة وظروف غاية في الصعوبة يعيشها العاملون بالقطاع الطبي في الجزائر، منذ تفشي الجائحة وتتزايد التحديات والصعوبات بشكل يفوق قدرة القطاع الطبي على الاحتمال، وهو ما جعل الأطباء والتمريض يدفعون ثمنًا باهظًا، ودفع المسؤولين عن المنظومة الطبية لتحذير السلطات من حدوث سيناريو سيئ للغاية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه خاصة مع اتهام السلطات الجزائرية للمواطنين بالاستهتار الشديد حيث أثبتت الإحصائيات أن أكثر من 80% من الإصابات هي إصابات عائلية وأسرية بسبب العزائم والمناسبات الاجتماعية التي يجتمع فيها أفراد العائلة في مكان واحد مغلق، مؤكدين على ضرورة استيعاب المواطنين لخطورة الفيروس واحترام الإجراءات الاحترازية للدولة وإلا أصبحت الدولة مضطرة لتطبيقها بالقوة.
وزير الصحة الجزائري: الوضع "مقلق" واستهتار المواطنين أبرز أسباب التفشي
الوضع مقلق.. هذا ما أعلن عنه وزير الصحة والسكان بالجزائر، عبد الرحمن بن بوزيد، عندما تحدث عن تفشي فيروس "كورونا" بالبلاد، بعد أن ارتفعت الحصيلة اليومية للإصابات بالوباء وتجاوزت عتبة الـ 450 حالة يوميًا.
وقال عبد الرحمن بن بوزيد: "الوضع مقلق كثيرا في بعض الولايات، مقارنة بولايات أخرى تسجل صفر إصابة أو 6 إصابات يوميا، مضيفًا، "الجميع يعرف هذا الوباء وإجراءات الوقاية التي لم نتوقف عن ترديدها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية"، مبديا أسفه لـ"استهتار بعض المواطنين، وعدم تصديق آخرين بوجود الفيروس أصلا".
وأوضح وزير الصحة الجزائري أن أكثر الولايات التي تسجل "ضرورة استعجالية" هي وهران وسطيف وورقلة وبسكرة والجزائر، وهي المدن الجزائرية الكبرى التي تشهد ضغطًا ديموغرافيًّا.
كما أشار "بوزيد" إلى أن ربع الإصابات في البلاد تعود "لأسباب عائلية"، حيث سجلت مصالح الوزارة أكثر من 25 بالمائة من الإصابات بسبب عدوى عائلية، نتيجة الزيارات والأعراس والجنائز، وعدم احترام إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، وطالب مديري المستشفيات بـ"رفع قدرات الاستيعاب الخاصة بكورونا إلى 50 بالمئة"، ممهلا إياهم 48 ساعة لتطبيق الأوامر.
وتابع: "يجب التعجيل في رفع نسبة الاستقبال، وإن لم نستطع توفير الخمسين بالمائة حاليا فعلى الأقل نبدأ ونكمل ما تبقى خلال أيام قليلة لاحقًا".
وأكد الوزير وجود وفرة في الكمامات، معتبرا أن "الرهان الحقيقي يكمن في الألبسة الواقية، التي تعد أبسط الضروريات الواجب توفيرها للأطقم الصحية في حربها ضد كورونا".
السلطات تستغيث بـ"المتقاعدين" وتحذر.. القطاع الصحي ينهار
استهتار المواطنين الجزائريين بتفشي وباء كورونا، يزداد بنفس معدل زيادة انتشار الوباء وصعوبة السيطرة عليه مما دفع وزير الصحة للاعتراف بشكل واضح خلال اجتماعه الطارئ مع مديري مستشفيات العاصمة الجزائرية بأن عدد الإصابات يفوق الأعداد الرسمية بكثير بل وتجاوز القدرة الاستيعابية للمستشفيات وأرهق العاملين في القطاع الصحي بشدة مما قد يعرض القطاع الصحي للانهيار في أي وقت، موجهًا دعوة مفتوحة لكل المتقاعدين من القطاع الطبي للمساعدة في محاصرة الفيروس.
تقارير إعلامية جزائرية أكدت أن الاستهتار الشعبي وصل إلى درجات غير مسبوقة حيث يقوم المواطنون باللجوء إلى الصيدليات عند ظهور أعراض الإصابة بفيروس كورونا عليهم بدلًا من الذهاب للمستشفيات خوفًا من العزل لمدد طويلة في حالة التأكد من إصابتهم، لذلك يفضلون الذهاب للصيدليات وشراء أدوية تساعد في تقليل الأعراض فيروس كورونا في مراحله الأولى.
التقارير أكدت أن المواطنين الذين يشعرون بأعراض كورونا مثل السعال والحرارة والتعب، لا يستخدمون حتى وصفة طبية ولكن يشترون فقط بعض المسكنات، رافضين إجراء الفحوص الطبية اللازمة ومهددين بنشر الفيروس في المواصلات العامة وأماكن العمل ومنازلهم أيضًا.
في غضون ذلك، قال مدير الصحة في ولاية الوادي، "عبد القادر العويني": إن الاستهتار بخطورة المرض زاد من تفشي الوباء، لاسيما في ظل اختلاط الناس داخل الأسواق والمحلات التجارية والمناسبات الاجتماعية مثل الجنائز أو الأعراس.
وأضاف أن هذا الإعراض عن إجراء الفحوص يعرقل عمل الهيئات الصحية، لأن الناس لا يأتون إلى المستشفى إلا حينما يصلون مرحلة متقدمة من المرض.
السلطات تنتفض من جديد لمحاصرة "كورونا"
من جانبها، قررت السلطات الجزائرية إعادة فرض قيود على السفر، وستزيد من الاختبارات في مسعى لوقف زيادة في الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، وذكرت الحكومة الجزائرية في بيان بعد اجتماع برئاسة الرئيس "عبد المجيد تبون" لمناقشة الوضع الصحي أنه بموجب هذا الإجراء، سيجري منع المواطنين من السفر من وإلى 29 ولاية منها الجزائر العاصمة لمدة أسبوع يبدأ الجمعة.
وخففت السلطات الشهر الماضي القيود، وقصرت حظر التجول ليكون من الساعة 8 مساء حتى 5 صباحا بدلا من 7 مساء حتى 7 صباحا في تلك الولايات وإنهائها في الولايات التسع عشرة المتبقية.
البيان الحكومي أوضح أن الدولة ستسمح لجميع المختبرات الحكومية والخاصة بإجراء اختبارات الكشف عن فيروس كورونا للمساعدة في التعامل مع العدد المتزايد للمرضى.
50% من الحالات المشتبه بها إيجابية.. وننتظر إجراءات قاسية من الدولة
من جانبه يقول، يوسف عبد الكريم، 43 عامًا، طبيب جزائري، القطاع الطبي ينهار والدولة تقف عاجزة عن حمايتنا، والمواطنون مستهترون بدرجة تعرض حياتنا جميعًا للخطر، فالأرقام الرسمي تؤكد إصابة 1700 طبيب وممرض بفيروس كورونا بسبب ضعف الإمكانيات، وما أراه بنفسي يؤكد أن الإصابات أضعاف هذا الرقم المعلن.
وأضاف، نحن نقف في وجه المدفع، ومطالبون بتحمل ضعف إمكانات الحكومة من جهة واستهتار وجهل أعداد كبيرة من الشعب من جهة أخرى، العاملون في القطاع الطبي يبذلون قصارى جهدهم ولكن يدفعون ثمن حماقات الآخرين، مشددًا على ضرورة تدخل الدولة وزيادة نسبة المساعدات وزيادة أعداد أجهزة التنفس الاصطناعي ومعدات الحماية الشخصية للأطباء والممرضين.
وتابع، المستشفى التي أعمل بها ممتلئة عن آخرها، وهناك نرى بأعيننا نتائج الاستهتار الشعبي والجهل المتفشي بخطورة الفيروس والذي يفوق الفيروس نفسه خطورة، فمعظم المحجوزين في غرف الرعاية المركزة هم أشخاص من أسرة واحدة أو عائلة واحدة أصيبوا بسبب مناسبات اجتماعية، موضحًا أن الأرقام الحقيقية لعدد المصابين تفوق ما يمكن أن يتصوره أي شخص في الجزائر، فنصف عدد الحالات المشتبه في إصابتها مصابة بالفعل، مختتمًا حديثه، قائلًا "نحن نتجه نحو كارثة محققة لو لم يتم فرض إجراءات أشد قسوة لحماية المواطنين بالقوة الجبرية".
الوباء خرج عن السيطرة.. والأطباء يفقدون وعيهم من الإرهاق
في السياق ذاته، يقول حمود عمران، صيدلي، 40 عامًا، جميع القطاعات الطبية في الجزائر تعمل بما يفوق طاقتها الطبيعية بعدة أضعاف، ولكن المواطنين لا يقبلون حقيقة الأوضاع في الجزائر، بل بعضهم ينكر وجود الفيروس من الأساس ويعتقد أن ما يحدث ألاعيب دولية وسياسية رغم حالات الوفاة التي تخطت الـ1000 ضحية.
وتابع، ماذا ينتظرون أكثر من إعلان وزير الصحة أن المستشفيات أصبحت كاملة العدد بأكملها، مشددًا على ضرورة قيام الحكومة بزيادة الإجراءات الاحترازية وجعلها أشد قسوة في مناطق تفشي الفيروس، وتقديم دعم إضافي للأطقم الطبية.
وأضاف، إذا سقطت الخطوط الأمامية من "أطباء وتمريض" فلن يبقى أحد لرعاية المرضى وستعيش الجزائر في كابوس حقيقي وهو أمر ليس ببعيد إذا استمرت الأوضاع بنفس الشكل الحالي.
يقول عمران، نعمل بلا توقف لفترات تتجاوز الـ 18 ساعة يوميًا، القطاع الطبي منهك تمامًا وزيادة أعداد الضحايا في صفوف الأطقم الطبية أصبح أمرًا مفزعًا، الوباء خرج عن السيطرة بالفعل، وبعض زملائي يفقدون وعيهم من الإرهاق وبعضهم تعرض لحوادث سير بسبب النوم أثناء القيادة، مضيفًا، أرى بعيني المواطنين يرفضون دخول المستشفيات رغم تأكدهم من إصابتهم ويفضلون طلب الدواء من الصيدليات وتلقي العلاج في منازلهم بدلًا من المكوث في المستشفيات عدة أيام مما يعرضهم وذويهم لخطر تطوُّر الإصابة والوفاة.