"ووهان".. رحلة المدينة الصينية من بؤرة كورونا إلى "التعافي"

صورة أرشيفية

خلال 3 أشهور، تحولت من مدينة سياحية بالدرجة الأولى، ونقطة جذب للملايين حول العالم، إلى بؤرة فيروس غريب ببادئ الأمر، ليكون مصدر الرعب للعالم، وهو فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد 19"، بعد إصابة الآلاف فيها ووفاة آخرين، ليتم عزلها عن دولتها الصين، وغيرها من الدول بأكملها، وتشهد أكبر عملية حجر صحي بالعالم.


رحلة شاقة خاضتها مدينة "ووهان" الصينية، في تحدي فيروس "كورونا"، ليتم عزلها تماماً عن بكين منذ فبراير الماضي، وتتحول لمنطقة موبوءة، قبل أن تتمكن من الانتصار على "كوفيد 19" بالأيام الماضية، وتتمكن من اليوم الخميس، من عدم تسجيل إصابات سواء في ووهان أو في المقاطعة التي تنتمي لها، خوبي، وفقا لما أعلنته السلطات الصينية، وهو ما منح العالم أجمع أملا كبيرا في القضاء على الفيروس تماما.

الموقع والأهمية


تقع في وسط الصين، وهي عاصمة مقاطعة هوبي وتعد أكبر مدينة فيها والأكثر اكتظاظا بالسكان في وسط الصين، عند ملتقى نهر اليانغتسي وموقعها هذا يجعلها شيكاغو الشرق، وكان يبلغ عدد سكانها أكثر من 11 مليون نسمة، وواحدة من تسع مدن وطنية مركزية في الصين، وتبلغ مساحتها حوالي 8,494 كم²، أي أكبر من مدينة نيويورك الأميركية.


تتكون من ثلاثة مدن، هي: هانكو في الضفة الشمالية لليانغتزيه، وهانيانغ بجانب الهان، ووتشانغ في الضفة الجنوبية لليانغتزيه، والتي دُمجت مع بعضها في عام 1950، وتعتبر مركزا رئيسيا للصناعة والاقتصاد في وسط الصين.


كانت المدينة تشتهر بوجود عدد كبير من مصانع إنتاج الحديد والفولاذ، واختضانها لجامعات بارزة منها جامعة ووهان وجامعة ووهان للتكنولوجيا، لذلك فهي تقع في المرتبة الثالثة من مراكز التعليم فى الصين بعد بكين وشانغهاي، كما أنها كانت مركزاً رئيسياً للصناعة والنقل.
ويوجد بها أكثر من 340 موقعا تاريخيا وأثريا، وتعرضت هذه المدينة لعدة هجمات ومعارك على مدى التاريخ، لذلك بنيت أبراج المراقبة والحصون والأسوار لحمايتها من الاقتحامات والحروب التي تواجهها.

"كورونا" يهاجم "ووهان"


في نهاية عام 2019، ظهرت العديد من الحالات التي تعاني من أعراض أشبه للإنفلونزا ولكنها سرعان ما توفيت بسببه دون أسباب، ليتم الكشف في 12 ديسمبر الماضي، عن أن ذلك فيروس كورونا المستجد، ليتفشى بووهان، لا سيما في سوق المأكولات البحرية، وهو ما أرجعه الكثيرون لشهرة المدينة بتناول الخفافيش.
لم تتعامل السلطات بالبداية بحزم وقوة مع الفيروس، وحاولت التكتُّم على الأمر بشدة وإسكات الأطباء المحذرين منه بأي شكل، لذلك تعرضت لانتقادات بالغة، بالإضافة لوفاة وإصابة الآلاف سريعا في مستشفيات ووهان.

الحجر الصحي


في آخِر يناير الماضي الماضي، أغلقت الصين مدينة ووهان تماما، وفرضت الحجر الصحي على جميع المتواجدين بها، بعد أن وصل عدد الوفيات فيها إلى 304 وإصابة حوالي 14000 فرد، متخذة بذلك خطوة غير مسبوقة لاحتواء الفيروس، وشملت الإجراءات عمليات حجر صحي استثنائية في ووهان والمدن المحيطة، حيث تم تعليق جميع أشكال حركة النقل، ما يعنى عزل أكثر من 50 مليون شخص.


وفي 7 أيام، افتتحت السلطات الصينية، أول مستشفى لمكافحة فيروس "كورونا" في موقع بالقرب من مدينة "ووهان"، حيث قضى العمال والمتطوعون يومين فقط في تحويل المبنى الفارغ إلى مرفق للطوارئ يضم 1000 سرير، ومعد بكل التجهيزات الطبية، ثم تم نقل الدفعة الأولى من مرضى فيروس "كورونا" إلى المركز الطبي الإقليمي في جبل دابي، حيث اكتمل المشروع في غضون 48 ساعة بفضل الجهود المشتركة لموظفي شركات البناء وشركات المرافق وضباط الشرطة شبه العسكرية، حسب ما ذكرت سلطة المدينة، وتبلغ مساحة المستشفى 7.4 فدان، وسيضم 1500 سرير وأكثر من ألفين من الأطباء والباحثين والممرضين وفنيي المعامل والعمال الذين سيعملون به، كما أنشأت مستشفى آخر بالقرب منها في أقل من أسبوع أيضا.


إجراءات صارمة


وشكلت المدينة نموذجا في الإجراءات الصارمة لوقف تفشي الفيروس، حيث أغلقت السلطات بالكامل المدينة، كما منعت الصين كل الرحلات الجوية وأوقفت حركة القطارات وأغلقت الشوارع، ونشرت فِرَقاً طبية ضخمة فيها وقامت بتطهير الأجواء باستمرار، ونشر طائرات درونز لمراقبة تنفيذ المواطنين للتعليمات وتقديم الأطعمة إليهم من خلال الروبوتس، بينما بادر العديد من الدول بإجلاء مواطنيها من ووهان.


كما أرسلت عددا من كبار علمائها في مجال الفيروسات إلى المدينة الموبوءة، من أجل إدارة معركة احتواء الفيروس، من بكين وتوجه العاملون في مجال الرعاية الصحية من جميع أنحاء الصين إليها.


فيما طوعت الوسائل التكنولوجية مثل استخدام تطبيق يحدد ما إذا كان الأشخاص بحاجة إلى حجر صحي أم لا، ويتقاسم المعلومات مع الشرطة وفق نموذج التحكم الآلي بالمواطنين، بالإضافة لـ"خوذات ذكية" متصلة بشبكة الإنترنت، يمكنها أن تقوم بقياس درجات حرارة المشاة تلقائيًا أثناء قيام رجال الشرطة بدوريات في الشوارع للمساعدة في الكشف عن فيروس "كورونا" المستحدث؛ مما يجعلها مفيدة في مكافحة الوباء.

زيارة الرئيس الصيني


في 10 مارس الجاري، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينج، أول زيارة لمدينة ووهان، مركز تفشي الفيروس، لتفقد الأوضاع فيها بعد إغلاق المستشفيات المؤقتة بها، ما أعطى الضوء لبداية تعافي المدينة.


وخلال الزيارة تعهد الرئيس بمكافحة كورونا الجديد "كوفيد-19" بحزم للانتصار عليه، قائلا: "ما يجب عليكم فعله الآن هو تعزيز الثقة، سننتصر في مكافحة المرض! ستفوز هوبي! ستفوز ووهان! ستفوز الصين!"، مؤكدا أن سلطات بلاده نجحت في السيطرة عمليا على فيروس "كورونا" في بؤرة تفشيه بمقاطعة هوبي.


وتفقد أيضا الجهود المبذولة لمكافحة العدوى، وزيارة العاملين في الخطوط الأمامية مثل العاملين في المجال الطبي، وزار مستشفى هوهشنشان لتفقده، وذلك بعد وصوله إلى مدينة ووهان.

نتيجة الصفر


احتفت وسائل الإعلام الصينية بنتيجة الصفر بالإصابات في المدينة، حيث قال المفتش في لجنة الصحة الوطنية في الصين جياو ياهوي: إن نتيجة الصفر التي تحققت في "ووهان" جاءت بعد تطور ملموس خلال الأيام الماضية، نتيجة أدوات الاحتواء والعلاج التي استخدمتها السلطات وكانت ناجحة بشكل كبير.


فيما يرى عضو الأكاديمية الصينية للهندسة "لي لانجوان" أن قرار رفع الإغلاق عن ووهان لن يُتخَذ إلا بعد مرور أسبوعين متتاليين بلا إصابات في المدينة.