الشيخ صباح الأحمد.. رحيل رائد العمل الدبلوماسي وأمير الإنسانية
بعد مسيرة طويلة من العمل الإنساني والمساعي لتحقيق السلام العربي، رحل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، عن عمر يناهز ٩١ عاماً، متأثراً بمرضه، في أميركا.
شائعات تسبق الوفاة
منذ صباح اليوم، تصدر هاشتاج "أمير الكويت" مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تداول رواد المواقع وبعض الصحف غير المعروفة أنباء عن وفاة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في المستشفى التي يتلقى العلاج بها بالولايات المتحدة الأميركية، منذ يوليو الماضي.
وعقب ذلك، وفي أول رد رسمي على شائعات وفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد نفى مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي ما تردد بشأن وفاة الأمير، كتب الغانم في تغريدة على حسابه الشخصي على "تويتر": "اللهم ارزق أميرنا ووالدنا فوق عمره عمراً، وفوق صحته عافية، واجعل سعادته كظله ترافقه ولا تفارقه، وأبقه ذخراً وسنداً لبلده وأمته يا رب العالمين".
كما كتب الناطق باسم حكومة الكويت طارق المزرم، عبر "تويتر": "ندعو الجميع إلى أخذ المعلومات من المصادر الرسمية وعدم الالتفات إلى ما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي".
وكان وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي جراح الصباح، أعلن في وقت سابق، أن الحالة الصحية لأمير الكويت مستقرة ويتلقى العلاج المقرر، وناشد الديوان الأميري الجميع تحري الدقة واستقاء المعلومات المتعلقة بصحة الأمير من مصادرها الرسمية، مشدداً على ضرورة عدم الالتفات إلى الأخبار المغرضة، التي تتداول بشأن صحة الأمير.
قطع البث
ورغم ذلك النفي، إلا أن تلفزيون الكويت قطع بثه ويذيع آيات من القرآن الكريم، بحسب صحيفة الراي الكويتية.
وفي 23 يوليو الماضي، توجه الصباح إلى الولايات المتحدة الأميركية، لاستكمال العلاج الذي بدأه في مستشفى بالبلاد، وذلك بناء على نصيحة الطاقم الطبي، حيث كان أجرى عملية جراحية بأحد مستشفيات الكويت، وقال وزير شؤون الديوان الأميري إنها تكللت بالنجاح.
وقبل ذلك، فوض أمير الكويت ولي عهده الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، بممارسة بعض اختصاصاته الدستورية.
من هو الشيخ صباح الأحمد؟
يعتبر هو أمير دولة الكويت الخامس عشر، والخامس بعد الاستقلال من المملكة المتحدة، وهو الابن الرابع لأحمد الجابر الصباح من منيرة العثمان السعيد العيّار.
ولد صباح الأحمد في مدينة الجهراء شمال غربي الكويت العاصمة، في 16 يونيو من عام 1929، وتلقى تعليمه في المدرسة المباركية.
انخرط في العمل السياسي، في 19 يوليو 1954، حيث عينه أمير الكويت آنذاك، عبدالله السالم الصباح، عضواً في "اللجنة التنفيذية العليا" وهي بمثابة مجلس الوزراء في يومنا هذا، وقد عُهد إليها بمهمة تنظيم دوائر الدولة ووضع خطط عملها ومتابعة التخطيط فيها، وبالعام التالي عين رئيساً لـ"دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل"، حيث ساعد في وضع القواعد التنظيمية من أجل إفساح فرص العمل الملائم للمواطنين واستحداث مراكز التدريب الفني والمهني للفتيات ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وتشجيع قيام الجمعيات النسائية ورعاية الشباب، ثم ترأس دائرة المطبوعات والنشر، وأصدر أشهر مطبوعة عربية ثقافية في الوطن العربي، وهي مجلة العربي.
كان صباح الأحمد أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة بعد قبولها انضمام الكويت في 14 مايو 1963، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (1872) بقبول دولة الكويت في عضوية المنظمة لتصبح بذلك العضو رقم (111)، لذلك لقّب بـ"شيخ الدبلوماسيين العرب والعالم" و"عميد الدبلوماسية الكويتية والعربية".
مناصب هامة ودور بارز
عين الصباح في العديد من المناصب الهامة، حيث تولى منصب أول وزير إعلام، وثاني وزير خارجية في تاريخ الكويت، وترأس وزارة الشؤون الخارجية للكويت طيلة أربعة عقود من الزمن، ويعود له الفضل خلالها في توجيه السياسة الخارجية للدولة والتعامل مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
ومن خلال توليه للخارجية، ترأس صباح الأحمد اللجنة الدائمة لمساعدات الخليج العربي في عام 1963، حيث ساعد في إعطاء المنح دون مقابل للدول الخليجية والعربية، ثم أعيدت له وزارة الإعلام مع الخارجية، لذلك أنشأ محطة للإرسال الإذاعي في الشارقة من أجل بث الإرسال الإذاعي في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة، كذلك اهتم بإنشاء محطة إرسال تلفزيوني في دبي.
كما سعى لإبراز دور دولة الكويت كوسيط حيادي كأهم خصائص سياسة الكويت الخارجية، وخاض أول تجربة كويتية في الوساطة الدولية في منتصف الستينيات من القرن الماضي، والتي كانت بين مصر والسعودية، وفي عام 1968، أسهم في حل قضية المطالبة الإيرانية بالبحرين، وبذل جهوداً واضحة من خلال محاولة توسط من أجل الوصول إلى حل للنزاع الحدودي بين العراق وإيران، حول السيادة على شط العرب، بالإضافة إلى جهود تسوية الصراع المسلح الذي اندلع بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر ١٩٧٠.
إمارة الكويت
تولى الشيخ الصباح إمارة دولة الكويت في 29 يناير 2006 خلفاً، لسعد العبدالله السالم الصباح الذي تنازل عن الحكم بسبب أحواله الصحية، وبعد ذلك تم تزكيته أميراً للبلاد، وبايعه أعضاء مجلس الأمة بالإجماع في جلسة خاصة، ليكون الأمير الثالث الذي يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في تاريخ الكويت.
ومنذ توليه، سعي لوضع بصمات واضحة ومختلفة بالبلاد، وكان للصباح الأحمد الدور الفاعل في حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية، وباتت عضوة بالبرلمان، كما رسخ فكرة المواطنة وتمكين القانون ودحض الدعوات الفئوية في المجتمع الكويتي والانقسام الطائفي.
كما تولى تنفيذ عدة مشاريع تنموية في مختلف المجالات، لتحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري عالمي وتسريع عجلة الاقتصاد، وتعزيز دور القطاع الخاص في دعم التنمية الاقتصادية، لإعادة الكويت كما كانت "عروس الخليج"، فيما حصد عدة جوائز وأوسمة وتمرينات بمختلف الدول العربية والأجنبية.