تسريب صوتي يفتح جبهة الصدر والمالكي.. صراع على مستقبل العراق قبل انتخابات نوفمبر

تسريب صوتي يفتح جبهة الصدر والمالكي.. صراع على مستقبل العراق قبل انتخابات نوفمبر

تسريب صوتي يفتح جبهة الصدر والمالكي.. صراع على مستقبل العراق قبل انتخابات نوفمبر
الصدر

في مشهد يعكس هشاشة التوازنات السياسية داخل البيت الشيعي العراقي، فجّر تسريب صوتي منسوب إلى النائب ياسر صخيل المالكي – صهر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي – جدلاً واسعًا، بعد مزاعم بتخطيطه لاغتيال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باستخدام طائرة مسيّرة، وبينما سارع المالكي إلى نفي التسجيل واعتباره محاولة لإشعال الفتنة، خرج الصدر إلى النجف محاطًا بحشود ضخمة لزيارة مرقد والده، في خطوة اعتبرها كثيرون تحديًا صريحًا ورسالة سياسية مزدوجة، التمسك بالإرث العائلي، وإظهار القوة أمام خصومه، الحدث لم يقف عند حدود الاتهام والنفي، بل كشف عن عمق الانقسام داخل الطيف الشيعي، وعن هشاشة العملية الديمقراطية التي تستعد لخوض انتخابات استثنائية تغيب عنها للمرة الأولى كتلة الصدر، ومع غياب التيار الصدري عن صناديق الاقتراع، تزداد التكهنات بأن العراق يقف على حافة مواجهة سياسية قد تنزلق إلى صدامات أخطر، خصوصًا في ظل احتقان إقليمي متصاعد يضغط على الداخل العراقي.

اتهام خطير


لم يكن التسريب الصوتي الذي أشعل الساحة العراقية حدثًا عاديًا، بل جاء كشرارة فوق برميل بارود سياسي، يختزن تاريخًا من الخصومات بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون.

 التسريب، الذي تحدث عنه الناشط المعارض علي فاضل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم النائب ياسر صخيل المالكي بالتخطيط لاغتيال مقتدى الصدر خلال زيارته إلى مرقد والده في النجف، باستخدام طائرة مسيّرة، الاتهام الخطير أثار تساؤلات عن توقيته ودوافعه، خصوصًا أنه يأتي على بعد أسابيع من انتخابات مفصلية.

نفي وتهديد


ردود الأفعال جاءت متباينة، المالكي سارع إلى نفي كل ما ورد في التسريب، معتبرًا أن الهدف منه ضرب وحدة البيت الشيعي وإشعال فتنة جديدة، مؤكدًا أنه ينتمي إلى "مدرسة الصدرين".

أما مقتدى الصدر فاختار خطابًا تصعيديًا يوازن بين التهدئة والتحذير، حيث قال: إن الفتنة لن تجد صدى داخل قواعده الشعبية، لكنه في الوقت ذاته أرسل رسائل قوية مفادها أن أي محاولة للتصعيد ستُواجَه برد قاسٍ.

المثير أن هذا الجدل يتزامن مع انتخابات مرتقبة في 11 نوفمبر، تُعد الأولى التي يغيب عنها التيار الصدري. هذا الغياب خلق فراغًا سياسيًا ضخمًا، وأثار مخاوف من أن يحوّله الصدر إلى ورقة ضغط بيد قواعده الشعبية، التي اعتادت النزول إلى الشارع بمئات الآلاف. 

وتذهب بعض التقديرات إلى أن التيار قد يمنع العملية الانتخابية من المضي بسلاسة، عبر احتجاجات أو تصعيد أمني، ما قد يدفع إلى تأجيلها أو إدخال البلاد في حالة طوارئ.

انقسام عميق


الأزمة الحالية تكشف عمق الانقسام داخل البيت الشيعي، فمنذ سقوط النظام السابق عام 2003، ظلّ التياران الصدري والمالكي يتنازعان على النفوذ والشارع، وتزداد حدة الصراع مع تراكم ملفات معقدة مثل الفساد، وسوء الخدمات، وفشل مؤسسات الدولة في إدارة الأزمات من الكهرباء إلى التعليم والصحة.

 وفي هذا السياق، يحاول الصدر تقديم نفسه كصوت شعبي ثائر ضد "المجرّب"، بينما يتمسك المالكي بخطاب الاستقرار ومواجهة "الفتن".

البعد الإقليمي لا يغيب عن هذه الأزمة، فالتوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، واحتمال توجيه ضربة عسكرية، يلقي بظلاله على الفصائل العراقية المقرّبة من طهران، وفي حال اندلاع مواجهة، فإن العراق سيكون ساحة لتصفية الحسابات، وهو ما يزيد من حساسية أي صراع داخلي بين القوى الشيعية. 

وبالتالي، فإن التسريب الأخير قد يكون جزءًا من لعبة أكبر، تتداخل فيها الحسابات الإقليمية مع التوازنات المحلية.

من جهة أخرى، يحرص الصدر على إعادة إنتاج صورته كزعيم وطني يتجاوز الطائفية، عبر التركيز على قضايا الخدمات والأمن ومحاربة الفساد. ففي خطابه الأخير، لم يتردد في تسليط الضوء على أزمات الجفاف والتلوث والكهرباء والبطالة، محذرًا من انفجار اجتماعي إذا لم تُعالَج. 

وفي المقابل، حاول المالكي إحياء خطاب مواجهة عودة حزب البعث، وهو خطاب يرى فيه مراقبون محاولة لإحياء هواجس الماضي أكثر من معالجة أزمات الحاضر.

صراع على النفوذ


الجدير بالذكر، أن الأحداث الأمنية الأخيرة في البصرة، حيث انتشرت سرايا السلام – الجناح العسكري للتيار الصدري – بعد التسريب، تعكس جدية المخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهات ميدانية.

ورغم أن الصدر نفى رغبته في إشعال فتنة، إلا أن استعراض القوة من خلال سراياه يرسل رسائل واضحة لخصومه، أن الشارع ما زال في قبضته، وأن أي محاولة لاستهدافه لن تمر بسهولة.

من جانبه، يقول المحلل السياسي العراقي وائل الركابي: إن التسريب الصوتي – بصرف النظر عن صحته – يمثل انعكاسًا لأزمة أعمق داخل البيت الشيعي، أكثر مما هو مجرد خلاف شخصي بين الصدر والمالكي.

ويوضح الركابي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هذه الأزمة لا تنفصل عن مسار العملية السياسية منذ 2003، حيث ظل الصراع على النفوذ داخل المكوّن الشيعي المحرك الأساسي للانقسامات.

 ويضيف: أن ما يزيد خطورة الأمر هو تزامنه مع غياب التيار الصدري عن الانتخابات المقبلة، ما يعني أن الساحة السياسية ستشهد فراغًا قد تسعى أطراف أخرى لملئه، سواء عبر التحالفات التقليدية أو من خلال محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة.

ويشير الركابي، أن خطاب الصدر الأخير، الذي ركّز فيه على ملفات الخدمات والفساد والسلاح المنفلت، يؤكد أنه يحاول إعادة التموضع كزعيم وطني يتجاوز الطائفة، لكنه في الوقت ذاته يلوّح بورقة الشارع التي لا يزال يمتلك زمامها.

أما المالكي، فيرى الركابي أنه يسعى إلى ترميم صورته عبر خطاب الاستقرار والتحذير من عودة البعث، غير أن هذا الخطاب لم يعد يلقى الصدى ذاته كما في الماضي.

 ويخلص الركابي إلى أن استمرار هذا التصعيد قد يقود إلى تعطيل الانتخابات أو إدخال العراق في مرحلة طوارئ، وهو ما يجعل البلاد أمام مفترق طرق خطير.