المسامرة الرمضانية.. الغنوشي يواجه حكمًا قد يطيح بما تبقى من الإخوان في تونس

تعيش الساحة السياسية التونسية على وقع ترقب ثقيل، مع اقتراب موعد النطق بالحكم في القضية التي باتت تُعرف إعلاميًا بـ"المسامرة الرمضانية"، حيث يمثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قيادات الحركة أمام القضاء بتهم وصفت بالخطيرة، على رأسها التآمر على أمن الدولة والتحريض على الفوضى.
هذه القضية لا تقتصر على مساءلة قضائية فحسب، بل تكشف حجم الأزمة التي تعيشها حركة النهضة بعد سقوطها المدوي من السلطة، وتحول زعيمها من رجل دولة إلى متهم يواجه أحكامًا قاسية، ومع تراكم القضايا والأحكام التي وصلت إلى 37 سنة سجنًا، تبدو "المسامرة الرمضانية" بمثابة الحلقة الأبرز في سلسلة انهيارات الإخوان في تونس، فالقضية التي بدأت بتصريحات مثيرة للجدل خلال لقاء سياسي، تحولت إلى ملف أمني معقد كشف عن وثائق وخطط تتعلق بتأسيس "لجان شعبية" تهدد استقرار البلاد.
نهاية الإخوان في تونس
لم تعد المحاكمات التي يواجهها راشد الغنوشي مجرد ملفات قضائية متفرقة، بل تحولت إلى مشهد متكامل يعكس نهاية مرحلة سياسية بأكملها في تونس.
فالقضية المعروفة بـ"المسامرة الرمضانية"، والتي ستصدر فيها المحكمة الابتدائية حكمها اليوم، تُمثل لحظة فارقة ليس فقط في مسار زعيم حركة النهضة، بل في مستقبل التيار الإخواني برمته داخل البلاد.
تعود فصول هذه القضية إلى مساء 15 أبريل 2023، حين نظمت "جبهة الخلاص" التابعة للإخوان لقاءً سياسيًا وُصف بأنه جلسة تضامن مع الحركة بعد فقدانها نفوذها السياسي.
في تلك الأمسية، خرج الغنوشي بتصريحات صادمة حين اعتبر أن إقصاء النهضة من المشهد السياسي يعني التمهيد لحرب أهلية، وأن تونس بلا إسلام سياسي مشروع للفوضى والاقتتال.
لم تقف تصريحاته عند هذا الحد، بل دعا علنًا إلى استهداف من يؤيدون إجراءات 25 يوليو 2021، التي أنهت حكم الإخوان، بالقول: "يجب أن يُضربوا بالحجارة".
تكوين ميليشيات واستهداف مؤسسات
هذه التصريحات لم تُقرأ كخطاب سياسي عابر، بل عُدّت إشارة تحريضية خطيرة دفعت السلطات إلى التحرك سريعًا. وبعد يومين فقط، في 17 أبريل 2023، داهمت قوات الأمن منزل الغنوشي واعتقلته بتهم التآمر على أمن الدولة والسعي لإثارة الفوضى.
لكن المفاجأة لم تكن في توقيفه فقط، بل في الوثائق التي عُثر عليها خلال المداهمة، والتي كشفت – وفق تسريبات قضائية – عن خطط لتشكيل "لجان شعبية" على شاكلة الميليشيات، تُكلَّف بإثارة الاضطرابات واستهداف مؤسسات الدولة ورموزها.
هذه الوثائق أعادت إلى الأذهان تجربة "لجان حماية الثورة" التي ظهرت عقب أحداث 2011، والتي ارتبطت بأعمال عنف وتجاوزات ميدانية.
وبحسب ما تسرّب من التحقيقات، فإن المخطط الجديد تضمن تمويلاً محددًا وتوجيهات باستهداف قيادات أمنية وعسكرية سابقة، بما يشي بمحاولة إعادة اختراق المؤسسات الأمنية والجيش.
المحلل السياسي التونسي عمر اليفرني، يرى أن القضية الحالية تختلف عن سابقاتها، إذ إنها تُظهر جانبًا عمليًا من مشروع الغنوشي لإعادة تموضع حركته بالقوة، وليس فقط عبر الخطاب السياسي.
ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن النهضة تعيش اليوم لحظات رعب حقيقية، لأن الحكم المرتقب قد يضيف سنوات جديدة إلى رصيد الأحكام السابقة التي وصلت حتى الآن إلى 37 سنة، موزعة بين قضايا التآمر وتمجيد الإرهاب والتخابر.
ويشير العدواني إلى أن "المسامرة الرمضانية" لم تكن سوى محاولة يائسة من الغنوشي لاستنهاض أنصاره وإعادتهم إلى الشارع بعد أن أُغلق أمامه المسار السياسي والدستوري، مضيفًا، لكن هذه المحاولة، بدلاً من أن تفتح باب العودة، سرّعت في انهيار الحركة وأدخلتها في مأزق قضائي وجودي.
ليلة اعتقال الغنوشي، وفق ما روته مصادر أمنية، لم تكن عادية، فعمليات التفتيش أسفرت عن ضبط وثائق حساسة تتعلق بخرائط تحركات وتنظيمات داخل المدن، وقوائم بأسماء شخصيات مستهدفة، وهو ما عزز الاتهامات بالتآمر على الدولة، ووفقًا للقانون التونسي، فإن التهم الموجهة إليه قد تصل عقوبتها إلى الإعدام في حال ثبوتها، وهو ما يجعل هذه القضية الأخطر في مسيرة زعيم النهضة.
سياسيًا، يرى مراقبون أن هذه المحاكمة ترسم نهاية فعلية لدور الإخوان في تونس، بعدما تراجع نفوذهم الشعبي والسياسي بشكل حاد منذ قرارات 25 يوليو 2021 التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، فبعدما كانوا القوة السياسية الأكبر في البلاد، تحوّلوا إلى حركة محاصرة قضائيًا ومجتمعيًا، مع انقسامات داخلية وتراجع التأييد الشعبي.
غير أن بعض الأصوات ترى أن محاكمة الغنوشي قد تفتح أيضًا بابًا لمزيد من التوتر إذا اعتبر أنصاره أنها استهداف سياسي، لكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا في ظل حالة الإنهاك والانقسام التي يعيشها التنظيم، ما يجعل السيناريو الأقرب هو استمرار التراجع التدريجي حتى تلاشي النفوذ الإخواني من المشهد السياسي التونسي.