فتنة مسلحة في جرمانا.. تصعيد طائفي يهز ضاحية دمشق والتوتر يهدد بالاتساع

فتنة مسلحة في جرمانا.. تصعيد طائفي يهز ضاحية دمشق والتوتر يهدد بالاتساع

فتنة مسلحة في جرمانا.. تصعيد طائفي يهز ضاحية دمشق والتوتر يهدد بالاتساع
سوريا

في قلب ريف دمشق، وتحديدًا في مدينة جرمانا متعددة الطوائف، انفجرت نيران التوترات الكامنة، لتحوّل ليل المدينة إلى ساحة اشتباك مسلح، وتدفع بأصوات القلق إلى واجهة المشهد السوري المنهك. المدينة التي طالما وُصفت بواحة التعايش بين مكوناتها، شهدت فجر الثلاثاء مواجهات دامية بين مسلحين وأجهزة الأمن، على خلفية تسجيل صوتي مسيء نُسب لأحد أبناء الطائفة الدرزية؛ ما أثار موجة غضب ديني وشعبي.

 الاشتباكات التي أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين أعادت فتح ملف حساس لطالما تجنّبته السلطات، التوترات الطائفية الصامتة التي يمكن أن تنفجر عند أول شرارة.

في حين دعت المرجعية الدينية للدروز إلى ضبط النفس وندّدت بالهجوم على المدينة، أكدت وزارة الداخلية أنها تتابع التحقيقات بشأن التسجيل الذي اعتبرته غير موثّق بعد. 

وبين لغة البيانات الرسمية وصرخات الغضب الشعبي، تبرز أسئلة مقلقة، هل ما جرى في جرمانا حدث معزول؟ أم أنه بداية لتحولات أعمق في المشهد الأمني والاجتماعي السوري؟

*ليلة دامية*


عاشت مدينة جرمانا، ذات الأغلبية الدرزية والمسيحية، ليلة دامية، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين مجموعات محلية وأجهزة الأمن السورية، على خلفية تسجيل صوتي مسيء تم تداوله على نطاق واسع، نُسب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، رغم نفي الداخلية السورية ثبوت نسبته له.

الاشتباكات، التي استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، أسفرت عن مقتل أربعة من المهاجمين، بحسب مصادر ميدانية، بينما قُتل عنصران من قوات الأمن، وفق ما نقل "تلفزيون سوريا" عن مصدر أمني.

ولم تُسجل إصابات بين المدنيين، إلا أن حالة من الهلع سادت المدينة، خاصة مع سماع دوي إطلاق نار كثيف في عدد من الأحياء.

*فقدان الثقة*


في تطور لافت، أصدرت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين (الدروز) في جرمانا بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه ما وصفته بـ"الهجوم المسلح غير المبرر"، محملةً السلطات السورية "المسؤولية الكاملة عمّا جرى، وأي تصعيد قد ينجم عنه لاحقًا"، في موقف يعكس حجم التوتر بين المجتمع المحلي والدولة.

إضافة إلى ذلك، خرج مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي والشيخ حكمت الهجري، لإدانة الإساءة إلى النبي الكريم، مؤكدَين أن من ارتكب هذا الفعل لا يمثّل إلا نفسه، ومحذرَين من الانجرار إلى فتنة تهدد السلم الأهلي في البلاد.

وقال الشيخ حمود الحناوي: "نتوجه إلى السوريين كافة من مقام مشيخة العقل محذرين من الفتنة وإثارة النعرات الطائفية التي لا تعود إلا بالتفرقة على مجتمعنا.. كفانا ما مررنا به من تفكك وصراع، وعلينا أن ندرك أن الفتنة أشد من القتل".

وأضاف: "الذين يتطاولون على النبي لا يمثلون إلا أنفسهم. هناك مندسون يصطادون في الماء العكر ويتربصون بالمجتمع، ويجب أن يحاسبوا وينالوا العقاب الشديد. علينا أن نتحلى بالحكمة ولا نحمّل الأبرياء جريرة المسيئين".

وتابع: "سنقوم باتخاذ الإجراءات المشددة دون تردد بحق من يتطاول على المقدسات، وخاصة الأنبياء والرسل، فذلك ليس من شيمنا ولا أخلاقنا. كل من يسيء للأخلاق والآداب سيحاسب حساباً عسيراً".

من جانبه، وصف الشيخ يوسف جربوع ما يحدث بأنه محاولة لإثارة الفتنة بين السوريين، قائلاً في تسجيل مصور: "ما نراه على منصات التواصل وما يجري على الأرض هو فتنة تُدار من أطراف تسعى لتقسيم المجتمع السوري وإثارة الاقتتال، وهذا يصبّ في مصلحة أعداء سوريا".

 وأكد جربوع على "دعوة الجميع إلى التروي وتحكيم العقل. ما صدر من بعض الأشخاص من إساءة إلى النبي محمد أمر مرفوض بالكامل، ويمثّل فقط فاعليه، ونحن كمجتمع لا نقبل به بأي حال من الأحوال. كما نرفض أي تطاول على أي نبي من الأنبياء".

وتابع: "سنسعى إلى محاسبة من ارتكب هذا الفعل، وسنظل كما عهدتمونا إلى جانب السلم والأمن والمحبة.. ما يحاك ضد سوريا كبير، ونأمل أن يعود الأمن والاستقرار إلى الوطن".

ولحق بهما الشيخ حكمت الهجري الذي أدان بدوره التسجيل المسيء للنبي محمد، واصفًا ما جرى بأنه "فتنة يُعمل عليها من أطراف عديدة لها مصلحة في تقسيم المجتمع السوري إلى فئات وطوائف وإثارة الذعر والاقتتال الداخلي".

وأضاف: "ندعو أهلنا في كل سوريا للتروي وتحكيم العقل فيما يحصل في الوقت الحالي." مشيرا أن ماصدر عن بعض الأشخاص من إساءة إلى نبينا محمد مرفوض تمامًا ونحن جميعا ضده. 

ولفت الهجري، أنه "لن نقبل أي إساءة إلى نبينا محمد، ونأمل أن تؤخذ الأمور "الفاعل بما فعل" وسوف نقوم بمحاسبة من يقوم بهذا العمل ".

ورغم أن البيان لم يوجّه اتهامًا مباشرًا إلى جهة بعينها، إلا أن لهجته بدت مؤشرًا واضحًا على فقدان الثقة المتزايد بين المكونات المجتمعية والدولة، في ظل تراكم سنوات من الإقصاء الأمني والمجتمعي والضغوط الطائفية.

*جهود الأمن*


من جهتها، حاولت وزارة الداخلية السورية احتواء الموقف، بإصدار بيان فجر الثلاثاء، أكدت فيه بدء تحقيق فوري لتحديد مصدر التسجيل الصوتي المثير للفتنة.

وذكرت، أن التحريات الأولية "لم تثبت نسب الصوت إلى الشخص المتهم"، مشيرة أن "التحقيقات ما زالت جارية"، مع التشديد على ضرورة "الالتزام بالنظام العام" و"عدم الانجرار لأي تصرفات تخلّ بالأمن".

ومع تداول تسجيلات مصوّرة تظهر قتلى من المهاجمين، انتشرت على مواقع التواصل مشاعر الغضب والانقسام، حيث رأى البعض أن ما حصل كان نتيجة رد فعل عفوي على الإساءة، في حين اعتبره آخرون عملاً منظماً يستهدف زرع الفتنة بين الطوائف السورية.

*خلفيات التوتر*


وبينما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة خلال الاشتباكات، أكدت مصادر أمنية وقوع قتلى من قوات الأمن، مشيرة أن الاشتباكات اندلعت حين حاولت القوات التدخل لفض نزاع بين مجموعات مسلحة محلية.

هذه التفاصيل تعكس هشاشة الوضع الأمني في جرمانا، حيث تتداخل الولاءات الطائفية، والمصالح المحلية، مع حضور محدود للدولة.

ويرى مراقبون، أن الانفجار الأخير ليس إلا نتيجة طبيعية لتراكمات غير محسوبة، أهمها ضعف الإدماج المجتمعي، وتنامي الشعور بالاستهداف عند الطوائف غير السنية، إضافة إلى استغلال بعض الجهات السياسية أو الأمنية لحوادث معزولة لتصفية حسابات داخلية أو إقليمية.

*تآكل الثقة*


من جانبه، يقول المحلل السياسي باسل أورفلي، أن ما وقع في جرمانا ليس حادثًا عابرًا، بل يعكس احتقانًا متراكمًا في البنية المجتمعية السورية، واستمرار تآكل الثقة بين الدولة والمكونات الدينية.  


ويقول أورفلي، عندما يتصدر رجال الدين بيانات التنديد، وتحمل المرجعية الطائفية الدولة مسؤولية التصعيد، فهذا يعكس خللاً خطيرًا في منظومة العلاقة بين السلطة والمجتمع.


ويضيف أن "التعامل مع الإساءة المفترضة بشكل عسكري يعزز الانطباع بضعف مؤسسات الدولة المدنية والقضائية، محذرًا من تحول الحوادث المحلية إلى صدامات مذهبية قد تمتد إلى مناطق أخرى.


ويختم أورفلي بالتأكيد على أن التحدي الأبرز الآن هو ترميم النسيج الاجتماعي ومنع الانزلاق نحو حرب أهلية صامتة تتغذى على الإشاعة والتجييش الطائفي.