بسبب مستوطن مفقود.. تداعيات الهجوم الدامي في قرى رام الله
بسبب مستوطن مفقود تداعيات الهجوم الدامي في قرى رام الله
في تطور مقلق للأحداث، شهدت قريتا المغير وأبو فلاح، الواقعتان شمال شرق رام الله، هجوماً دامياً نفذه مستعمرين بحجة المشاركة في عمليات بحث عن مفقود. الهجوم، الذي انخرط فيه مئات المستعمرين، أسفر عن استشهاد شاب وإصابة نحو 30 آخرين؛ مما يعكس تصاعد التوترات في المنطقة.
*المستعمر المفقود والبؤرة الرعوية*
تعود جذور الحادثة إلى صباح يوم الهجوم، حيث خرج مستعمر ليرعى مواشيه في محيط مستعمرة "ملاخي هشالوم"، ولكن المواشي عادت دونه، مما أثار القلق وبدأت عمليات البحث.
تقع المستعمرة على أراضٍ فلسطينية خاصة، وقد تم تصنيفها في البداية كـ"بؤرة رعوية غير قانونية"، لكنها حصلت على الشرعية من الحكومة الإسرائيلية في فبراير 2023، مما أثار جدلاً واسعاً.
*تفاصيل الاعتداء*
بحلول الظهيرة، تغير المشهد بشكل جذري حينما انتشرت عشرات المركبات على أفق خربة جبعيت، وترجل منها مستعمرون مسلحون يتقدمون نحو البيوت القريبة من القرية.
في الوقت نفسه، قام جيش الاحتلال بإغلاق مداخل القرية، مما أعاق حركة السكان والمركبات وعزل القرية عن محيطها.
*استجابة الأهالي للهجوم*
مع تصاعد الأحداث، صدحت مكبرات الصوت في المساجد بنداءات تدعو الأهالي للنفير والتصدي للهجوم، الشهود وصفوا الهجوم بأنه الأكثر دموية منذ سنوات، وهب العشرات استجابة للنداء، متوجهين نحو البيوت المجاورة لطريق "ألون" الاستيطاني، وهي نقطة الاقتحام الرئيسية للمستعمرين.
*شهيد ومصابون*
في خضم المواجهة، اعتلى الشاب جهاد عفيف أبو عليا، البالغ من العمر 25 عاماً، سطح منزل أحد أقربائه للدفاع عن القرية، لكنه سرعان ما وقع ضحية لرصاصة أطلقها أحد المستعمرين؛ مما أدى إلى مقتله، وقد أصيب ابن عمه وشقيقه أيضاً بجروح في الرأس خلال الهجوم.
*روايات الأهالي والمشاهد المؤلمة*
عبد اللطيف أبو عليا، قريب الشهيد، يصف بألم كيف حاول الأهالي صد الهجوم، ويروي كيف أن المستعمرين قاموا بتطويق المنزل ومحاولة اقتحامه، وإطلاق النار على أي شخص يظهر خلف النوافذ أو على السطح، وإضرام النيران في الممتلكات.
تتواصل الروايات المؤلمة مع تأكيد عبد اللطيف أبو عليا أن البحث عن المستعمر المفقود لا يمكن أن يبرر العنف الشديد الذي شهده منزله، مشيرًا إلى أن الأحداث تعكس نية مبيتة للهجوم وليس مجرد عملية بحث عادية، متسائلًا عن سبب عدم تدخل جيش الاحتلال في البحث، ويشير إلى أن الأحداث تعكس نية مبيتة للهجوم.
*سابقة خطيرة*
الهجمات لم تقتصر على المغير فقط، ففي العام الماضي، شهدت بلدة حوارة جنوب نابلس هجمات متكررة من قبل المستعمرين، كان أبرزها في فبراير 2023، حيث أدى هجوم واسع النطاق إلى استشهاد الشاب سامح أقطش وإصابة نحو 100 مواطن، بالإضافة إلى إحراق منازل ومركبات.
يذكر إن في شهر يونيو الماضي، تعرضت بلدة ترمسعيا، المجاورة للمغير وأبو فلاح، لهجوم مروع استمر لثلاث ساعات، حيث اندلعت النيران في البلدة، مما أدى إلى تحولها إلى مشهد مروع من اللهب والدخان، المستعمرون أضرموا النار في عشرات المنازل، وهو ما أثر بشكل خاص على النساء والأطفال وكبار السن الذين كانوا داخلها.
كما تم إحراق عشرات المركبات والممتلكات الأخرى، وفي أعقاب ذلك، أطلق المستعمرون النار على المواطنين العزل الذين حاولوا التصدي لهم؛ مما أدى إلى مقتل الشاب عمر هشام عبد الله جبارة، المعروف باسم أبو القطين، البالغ من العمر 25 عامًا، وإصابة العشرات.
*اعتداءات المستوطنين*
هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أشارت إلى أن المستعمرين ارتكبوا نحو 550 اعتداء على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم منذ بداية العام 2024، وقد استشهد خلال هذه الاعتداءات 3 أشخاص، الاعتداءات تضمنت إطلاق النار، تهجير عائلات فلسطينية، مهاجمة البلدات والقرى، اقتلاع وحرق الأشجار، الرعي في الأراضي الزراعية، وسرقة المواشي والمحاصيل والمعدات. وتشير الهيئة إلى أن زيادة اعتداءات المستعمرين تحمل رسالة للشعب الفلسطيني والعالم بأنهم، على الرغم من الموقف الدولي والعقوبات، مستمرون في تنفيذ مخططات التهجير القسري وطرد السكان والسيطرة على الأرض.
في فبراير الماضي، أعلنت دول الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا ونيوزيلندا عن فرض عقوبات على عدد من المستعمرين المتورطين في هجمات وأعمال عنف ضد مواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
الإدارة الأمريكية أعلنت أيضًا عن فرض عقوبات على ثلاثة مستعمرين وكيانين إسرائيليين، متهمة إياهم بالمسؤولية أو التواطؤ أو المشاركة في التخطيط أو إصدار الأوامر أو التوجيه بطريقة أخرى في أعمال عنف أو التهديد بالعنف الذي يستهدف المدنيين ويؤثر على الضفة الغربية.
*نمط مستمر من العنف*
من جانبه، يقول المحلل السياسي الفلسطيني، عبدالمُهدي مطاوع: إن التصعيد الأخير في رام الله يعكس توترات متجذرة ومعقدة، مؤكدًا أن الهجمات التي نفذها المستوطنون ليست مجرد رد فعل على حادثة معزولة، بل هي جزء من نمط مستمر من العنف الذي يهدف إلى فرض السيطرة على الأراضي وترهيب السكان المحليين، مضيفًا أن الاستجابة الدولية، بما في ذلك العقوبات، تشير إلى الاعتراف بخطورة الوضع، لكنها تظل غير كافية لوقف العنف المنهجي الذي يتعرض له الفلسطينيون.
وتابع مطاوع في حديثه لـ"العرب مباشر": ما نشهده في رام الله هو تصاعد خطير للعنف يجب ألا يُنظر إليه بمعزل عن السياق الأوسع للصراع، مضيفًا أن العنف المتزايد من قبل المستوطنين يعكس استراتيجية متعمدة لتقويض أي فرصة للسلام والاستقرار في المنطقة.