السودان.. حرب بلا نهاية ومجاعة تتفاقم ومحاولات إخوانية للعودة على أنقاض الخراب

السودان.. حرب بلا نهاية ومجاعة تتفاقم ومحاولات إخوانية للعودة على أنقاض الخراب

السودان.. حرب بلا نهاية ومجاعة تتفاقم ومحاولات إخوانية للعودة على أنقاض الخراب
الحرب السودانية

بينما ينشغل قادة الحرب في الخرطوم وبورتسودان بمعارك النفوذ والسيطرة، تزداد معاناة الشعب السوداني فالمجاعة تحاصرهم والمساعدات الإنسانية شحيحة للغاية بسبب القتال، والحرب المستعرة منذ أكثر من عامين أفرغت البلاد من مقومات الحياة، يروي الناجون قصصًا عن أمهات يطبخن علف الحيوانات لأطفالهن، وعن أسواق تحولت إلى أماكن بيع نادرة للطعام بأسعار تعجيزية، بينما يُمنع وصول قوافل الإغاثة بسبب خطوط النار والاشتباكات المستمرة، خلف هذا المشهد الكارثي يقبع واقع أكثر تعقيدًا، إذ تحولت الحرب السودانية إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث يواجه نصف سكان البلاد خطر الجوع، فيما يرزح الملايين تحت النزوح والفقر والمرض، أما المشهد السياسي، فلا يقل قتامة، إذ يسعى تنظيم الإخوان للعودة إلى واجهة الحكم على أنقاض وطن محطم، فيما يواصل المجتمع الدولي محاولاته العاجزة لكسر دائرة العنف.

*الفاشر تحتضر*


في قلب دارفور، حيث تلتقي رمال الصحراء بذكريات الحروب الماضية، تعيش مدينة الفاشر اليوم أسوأ فصولها، المدينة التي لطالما شكلت مركزًا تجاريًا وثقافيًا للمنطقة، تحولت منذ أكثر من عام إلى بؤرة جوع ومعاناة. 

برنامج الأغذية العالمي، الذي لطالما كان شريان الحياة للسكان، عاجز عن إدخال قوافله المحملة بالطحين والزيوت والبقوليات، رغم حصوله على موافقات رسمية من مفوضية العون الإنساني في بورتسودان، غير أن الموافقات وحدها لم تكن كافية، إذ إن الواقع الميداني يحكمه السلاح، وتمنع خطوط النار دخول المساعدات.

إريك بيرديسون، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي، حذّر من أن "الموت جوعًا" يتهدد مئات الآلاف في الفاشر، حيث لم يعد أمام السكان سوى بقايا الطعام أو علف الحيوانات.

وبحسب المنظمة، فإن نحو 25 مليون سوداني – أي نصف السكان – يواجهون أزمة جوع حادة، فيما يعاني أكثر من 3.5 مليون طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد.

ورغم محاولات البرنامج تقديم دعم نقدي رقمي لحوالي 250 ألف شخص داخل المدينة، فإن تضاؤل المواد الغذائية وارتفاع الأسعار بشكل صاروخي جعلا هذا الدعم غير ذي جدوى أمام حجم الاحتياجات المتفاقمة.

المشهد في الفاشر ليس استثناءً، بل هو انعكاس لأزمة إنسانية أوسع ضربت السودان منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، فالصراع الذي بدأ في الخرطوم سرعان ما امتد إلى دارفور وكردفان، تاركًا وراءه بلدًا منهكًا ومنقسمًا، أكثر من 40 ألف قتيل سقطوا حتى منتصف 2025، فيما تجاوز عدد النازحين 10 ملايين شخص، في أكبر موجة نزوح يشهدها القرن الأفريقي منذ عقود، مصر استقبلت ما يقارب 37% من اللاجئين، بينما توزعت بقية الأعداد على جنوب السودان وتشاد.

*أرقام مفزعة*


الأرقام القادمة من المنظمات الإنسانية ترسم لوحة مأساوية، حيث يعاني 25 مليون شخص من الجوع، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين طفل تحت سن الخامسة مهددون بالكوليرا والحصبة والملاريا، كما خرج 9 ملايين طفل من التعليم والمدارس.

وتم تدمير 124 منشأة صحية و64 منشأة خدمية توقفت، بينها محطات كهرباء ومياه، وتعرضت 165 كنيسة و15 مسجدًا للتدمير أو الحرق.

في هذه البيئة المنهكة، تتضاعف معاناة النساء والفتيات، إذ تشير تقارير حقوقية إلى أكثر من 12 مليون امرأة في مواجهة مخاطر العنف الجنسي، مع تسجيل 122 حالة اغتصاب موثقة ضد أطفال منذ مطلع 2024.

*محاولات إخوانية*


ورغم قسوة الحرب، لم يتوقف البعد السياسي عن إلقاء ظلاله القاتمة على المشهد. فحزب المؤتمر الوطني – الذراع السياسية للإخوان المسلمين – يسعى لإعادة التموضع في المشهد السوداني، بعد أن كان أحد أبرز الأطراف التي ساهمت في إشعال الصراع، تصريحات أحمد هارون، القيادي البارز في الحزب المنحل، كشفت بوضوح عن نوايا التنظيم في استثمار نتائج الحرب لإعادة شرعنة وجوده، سواء عبر السيطرة المباشرة أو من خلال التأثير على دوائر القرار العسكري في بورتسودان.

محاولات الإخوان للعودة تثير مخاوف من إعادة إنتاج تجربة سياسية أثبتت فشلها، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مصالحة وطنية حقيقية تعالج جذور الأزمة، لا إلى عودة استقطابات أيديولوجية تزيد الانقسام. لكن ما بين حسابات القوى العسكرية وطموحات التيارات السياسية، يبقى المدنيون وحدهم من يدفع الثمن الأكبر، جوعًا ومرضًا وتشردًا.

الأسئلة الكبرى تبقى بلا إجابات، هل ستنجح ضغوط المجتمع الدولي في فتح ممرات إنسانية آمنة إلى الفاشر وبقية مناطق النزاع، وهل يستطيع السودان أن يوقف نزيف الحرب قبل أن يفقد ما تبقى من مقومات الدولة، أم أن البلاد تتجه إلى مرحلة جديدة من الفوضى، حيث يتقاطع صراع الجيش وقوات الدعم السريع مع عودة الإخوان؟