السويداء بين شعارات الاستقلال وأعلام إسرائيل.. احتجاجات تكسر الخطوط الحمراء في سوريا

السويداء بين شعارات الاستقلال وأعلام إسرائيل.. احتجاجات تكسر الخطوط الحمراء في سوريا

السويداء بين شعارات الاستقلال وأعلام إسرائيل.. احتجاجات تكسر الخطوط الحمراء في سوريا
احداث السويداء

في قلب الجنوب السوري، تحوّلت ساحة الكرامة في مدينة السويداء إلى مسرح لمشهد غير مسبوق في تاريخ الحراك السوري، تظاهرات رفعت شعار "حق تقرير المصير" سرعان ما أثارت جدلاً داخليًا وإقليميًا بعدما تخللتها أعلام إسرائيلية وصور لشيوخ الطائفة الدرزية، في خطوة اعتبرها البعض إعلان قطيعة مع دمشق، بينما رأى فيها آخرون تعبيرًا عن اليأس من انسداد الأفق السياس.

 لم يكن المشهد مجرد احتجاج على انقطاع الماء والكهرباء أو رفضًا لسياسات النظام، بل حمل رسائل أعمق تتعلق بالهوية والانتماء ومستقبل الطائفة الدرزية في معادلة الصراع السوري، تزامن ذلك مع اقتحامات استهدفت مقامات دينية ورفع أعلام إسرائيلية فوقها، في خطوة كسرت "التابوهات" التقليدية، فيما دعا محافظ السويداء إلى ضبط النفس والحوار.

 وبينما تتصاعد التوترات الميدانية عقب أحداث دامية أودت بحياة أكثر من 1600 شخص الشهر الماضي، يجد النظام السوري نفسه أمام اختبار صعب، كيف يتعامل مع حراك خرج من رحم الطائفة التي بقيت على الهامش طويلاً، واليوم تلوّح بالانفصال.


*شعارات تصعيدية وأعلام مثيرة للجدل*


شهدت محافظة السويداء، يوم السبت، واحدة من أكبر موجات التظاهر منذ سنوات، إذ احتشد المئات في ساحة الكرامة وسط المدينة وفي مدينة شهبا، رافعين شعارات تطالب بالاستقلال عن النظام السوري وبحق تقرير المصير.

 وبينما ردّد المحتجون هتافات اعتبرت السلطة الحاكمة بمثابة "داعش"، علت أصوات أخرى تدعو إلى "طرد المحافظ مصطفى بكور" و"فتح المعابر الإنسانية" في المحافظة المحاصرة.

اللافت في التظاهرات لم يكن فقط حجمها أو سقف شعاراتها، بل الرموز التي رُفعت خلالها، فقد لوّح المشاركون برايات الطائفة الدرزية، وإلى جانبها ظهرت أعلام إسرائيلية بشكل غير مسبوق، ما أثار جدلاً واسعًا حول خلفيات ودلالات هذه الخطوة التي تعد "خطًا أحمر" في السياق السوري، بعض منظمي الحراك اعتبروا أن رفع تلك الرايات يمثل رسالة رفض قاطعة للارتباط بدمشق، بينما رآها آخرون مجرد استفزاز رمزي يعكس حجم الاحتقان واليأس.

*صراع الزعامات الدينية*


لم يتوقف التصعيد عند حدود الساحات، بل تمدد إلى المؤسسات الدينية نفسها، فقد اقتحمت مجموعات موالية للشيخ حكمت الهجري – أحد أبرز مشايخ العقل في السويداء – مقامي مشيخة العقل في عين الزمان وسهوة البلاط، حيث اعتدت على الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، ورفعت صور الهجري والعلم الإسرائيلي فوق المبنيين، خطوة مثّلت كسراً لمعادلة التوازن التقليدي بين شيوخ الطائفة الثلاثة، وأشعلت المزيد من الانقسامات الداخلية.

التحركات الأخيرة كشفت عن حالة صراع بين أقطاب المشيخة حول شرعية التمثيل وقيادة الطائفة في ظرف شديد التعقيد، فبينما يحاول بعض الشيوخ التمسك بخطاب "الحكمة والتهدئة"، يتجه آخرون نحو تبني خطاب سياسي أكثر حدة، يصل إلى حد الدعوة للانفصال وربط مصير السويداء بمعادلات خارجية.

*دعوات للتهدئة وسط مأزق سياسي*


في مواجهة هذا المشهد، أصدر محافظ السويداء مصطفى بكور بيانًا دعا فيه إلى تغليب لغة الحوار والتمسك بالسلم الأهلي باعتباره "ضرورة وطنية وأخلاقية"، بكور حاول إظهار صورة رجل الدولة الحريص على وحدة الصف، لكنه بدا معزولًا أمام شعارات الشارع التي صوّرته "خائنًا" و"أداة للنظام".

التصريحات الرسمية، رغم ما تحمله من نبرة تصالحية، لم تغيّر من حقيقة أن النظام السوري يواجه واحدة من أكثر الأزمات حساسية في الجنوب. فالتظاهرات خرجت من بيئة طالما اتسمت بالحياد النسبي تجاه الصراع، لكنها اليوم تنقلب على هذا الحياد، وتطرح خطابًا انفصاليًا غير مسبوق.

الأحداث الدموية التي اندلعت منتصف يوليو الماضي بين مسلحين دروز ومقاتلين بدو، قبل أن تتوسع بمشاركة قوات النظام وبعض فصائل العشائر، خلفت أكثر من 1600 قتيل وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. 

تلك المواجهات، التي تخللتها عمليات إعدام ميدانية وانتهاكات واسعة، دفعت بالسويداء إلى واجهة المشهد السوري من جديد، وتزامن ذلك مع ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع قرب القصر الرئاسي ومقر هيئة الأركان في دمشق، في رسالة مباشرة تؤكد – بحسب مراقبين – استعداد تل أبيب للتدخل لحماية الأقلية الدرزية.

 هذا التداخل بين الحراك الشعبي في السويداء والتصعيد الإسرائيلي ضد النظام، يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة، إذ قد يجد النظام نفسه مضطرًا للتعامل مع ملف السويداء كقضية ذات أبعاد إقليمية لا محلية فقط.

*الأزمة الإنسانية.. حصار ومعاناة يومية*


على المستوى المعيشي، يواجه سكان السويداء حصارًا خانقًا أدى إلى انقطاع المياه والكهرباء ونقص حاد في الغذاء والدواء. أحد المتظاهرين، ويدعى مصطفى صحناوي، وهو سوري يحمل الجنسية الأميركية، قال من قلب التظاهرة: "نحن تحت الحصار منذ أكثر من شهر، لا ماء ولا كهرباء ولا مساعدات.

نطالب المجتمع الدولي والرئيس الأميركي ترامب بفتح الممرات لأننا بحاجة إلى كل شيء"، وفقًا لفرانس برس
هذا البعد الإنساني يضفي على المشهد مزيدًا من التعقيد، إذ تتحول الاحتجاجات من مجرد حراك سياسي إلى صرخة استغاثة، ما قد يدفع قوى خارجية إلى التدخل بحجة حماية المدنيين.

*تحول مفصلي في مسار الجنوب السوري*


في ضوء هذه التطورات، تبدو السويداء أمام منعطف تاريخي، فالمحافظة التي ظلت لعقود بعيدة نسبيًا عن ديناميات الحرب السورية، أصبحت اليوم مركز اختبار جديد لعلاقة النظام مع الأقليات. كما أن دخول العامل الإسرائيلي – سواء بالرايات في الساحات أو بالغارات في سماء دمشق – ينذر بتحولات جذرية قد تجعل الجنوب السوري ساحة مواجهة مفتوحة بين النظام وحلفائه من جهة، وإسرائيل وبعض الفاعلين المحليين من جهة أخرى.

من جهته، يرى الدكتور شاهر الشاهر، أستاذ العلاقات الدولية، أن ما تشهده محافظة السويداء لا يمكن قراءته على أنه مجرد نزاع محلي محدود بين البدو والدروز، بل هو جزء من سياق أوسع يرتبط بتدخلات خارجية تستهدف وحدة الدولة السورية وسلامة أراضيها، ويشير الشاهر إلى أن إسرائيل تبرز كأحد أبرز الفاعلين في هذا المشهد، إذ تحاول توظيف الورقة الدروزية كورقة ضغط جديدة، مستغلةً هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي في الجنوب السوري.

ويضيف الشاهر في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن رفع الأعلام الإسرائيلية في قلب السويداء لم يكن تفصيلاً عابرًا، بل إشارة واضحة إلى وجود قنوات تواصل أو محاولات استقطاب تستغل الاحتقان الداخلي. ويؤكد أن الجيش السوري، رغم تدخله لاحتواء الموقف، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع ضربات إسرائيلية أجبرته على التراجع من بعض المواقع، الأمر الذي زاد المشهد تعقيدًا.

ويحذر الشاهر من خطورة لجوء بعض الأطراف المحلية إلى "الاستقواء بالخارج"، ورهاناتها على دعم إسرائيلي أو دولي، معتبرًا ذلك مسارًا محفوفًا بالمخاطر قد يفتح الباب أمام صدامات أهلية أوسع. 

ويرى أن دخول العشائر على خط المواجهة جاء كرد فعل طبيعي لحماية وجودها بعد مقتل عدد من أبنائها، لكن هذا التداخل بين البعد المحلي والخارجي ينذر بمزيد من التصعيد، ما لم يتم التوصل إلى صيغة سياسية وطنية تُعيد الاستقرار إلى الجنوب.