تصعيد ميداني وضغوط سياسية.. هل يهدد شبح الحرب لبنان مجددًا؟

تصعيد ميداني وضغوط سياسية.. هل يهدد شبح الحرب لبنان مجددًا؟

تصعيد ميداني وضغوط سياسية.. هل يهدد شبح الحرب لبنان مجددًا؟
قصف لبنان

يعيش لبنان هذه الأيام على وقع قلق متصاعد، في لحظة توصف بأنها من أكثر المراحل حساسية منذ حرب يوليو 2006. وبين تهديدات إسرائيلية علنية وضغوط أميركية متزايدة، يواجه البلد الصغير معادلة شديدة التعقيد، مفادها كيف يوازن لبنان بين حماية سيادته، وبين تجنب مواجهة عسكرية جديدة، قد تكون نتائجها كارثية على بلد يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية خانقة وانقسام سياسي حاد؟

توغل في بليدا… ومؤشرات على تصعيد متدرج

الحدث الذي فجر الجدل مجددًا كان التوغل الإسرائيلي في بلدة بليدا الجنوبية فجر الخميس، حيث أعلنت الرئاسة اللبنانية أن قوة إسرائيلية توغلت لمسافة تقارب الكيلومتر داخل الأراضي اللبنانية، وأطلقت النار على موظف مدني أثناء نومه داخل مبنى البلدية، ما أدى إلى مقتله.

الحادثة، التي وصفت بأنها "الأخطر منذ وقف إطلاق النار"، جاءت بعد ساعات فقط من اجتماع لجنة مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية في الناقورة، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس.

الرئيس اللبناني جوزيف عون اعتبر أن "الاعتداء الإسرائيلي يندرج ضمن سلسلة من الممارسات العدوانية المتكررة، التي تتطلب موقفًا دوليًا حازمًا لوقف الانتهاكات"، مشيرًا إلى أن "لجنة المراقبة لا يمكن أن تكتفي بتسجيل الوقائع، بل عليها أن تضغط على إسرائيل لاحترام التزاماتها بموجب اتفاق نوفمبر الماضي".

أما رئيس الوزراء نواف سلام، فدان التوغل في منشور عبر منصة "إكس"، قائلاً: إن "استهداف موظف مدني أثناء أداء عمله اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة اللبنانية وسيادتها"، مؤكدًا أن الحكومة ستتابع مع "اليونيفيل" تفاصيل الحادثة لضمان عدم تكرارها.

تدهور أمني يوازي شلل سياسي

وشهد الجنوب اللبناني في الأسابيع الأخيرة تصعيدًا لافتًا في الغارات الإسرائيلية، أسفرت وفق وزارة الصحة اللبنانية عن مقتل 23 شخصًا خلال أسبوع، بينما وثق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل 111 مدنيًا منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024.

في المقابل، تؤكد تقارير ميدانية، أن حزب الله كثف من طلعاته الاستطلاعية ونشاطه على طول الخط الأزرق، في مؤشر على استمرار حالة "الجاهزية القصوى" تحسبًا لأي مواجهة جديدة.

ورغم الهدنة التي وقعت بوساطة أميركية وفرنسية وتنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وتراجع حزب الله جنوب الليطاني، إلا أن إسرائيل ما تزال تحتفظ بخمس نقاط استراتيجية داخل الحدود اللبنانية، ما يجعل احتمالات الخرق قائمة في أي لحظة.

ضغوط أميركية.. ورسائل سياسية قاسية

لم يأت تصعيد الجنوب بمعزل عن المناخ السياسي الضاغط الذي تشهده بيروت. فخلال الأيام الماضية، صعدت واشنطن من لهجتها تجاه الحكومة اللبنانية، إذ شددت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والمبعوث الخاص توم براك، على ضرورة "تحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها في ضبط الحدود ومنع الأنشطة المسلحة".

وهو ما تم تفسيره داخليًا على أنه تمهيد لزيادة الضغط على حزب الله من خلال الدولة اللبنانية، وربما سعي لخلق توازن سياسي جديد يحدّ من نفوذ الحزب العسكري.

هذا الموقف الأميركي تزامن مع تكثيف الاغتيالات الإسرائيلية في الداخل اللبناني، والتي استهدفت قيادات ميدانية في حزب الله منذ نهاية 2024، في محاولة واضحة لتقويض قدراته وإرسال رسالة ردع قبل أي جولة قتال جديدة.



تحليل: ميزان هشّ بين الردع والانفجار

في هذا السياق قال المحلل السياسي اللبناني جورج الشاهين: إن لبنان يعيش اليوم على "خط تماس نفسي" بين الحرب والسلام، لافتًا إلى أن الضغوط الإسرائيلية تهدف إلى اختبار قدرة الدولة اللبنانية على ضبط الحزب، فيما يسعى حزب الله إلى تثبيت معادلة الردع وعدم السماح بتغيير قواعد الاشتباك التي أرساها منذ 2006.

وأضاف الشاهين -في تصريحات للعرب مباشر-: " لكن استمرار الخروق الجوية والتوغلات المحدودة يرفع احتمال الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، خصوصًا إذا ترافقت مع حادثة مدنية جديدة تُشعل الرأي العام اللبناني".

تابع:" في المقابل، يواجه الجيش اللبناني معضلة صعبة: فإمكاناته العسكرية المحدودة تجعله عاجزًا عن مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بينما تحمله القوى الدولية مسؤولية ضبط نشاطات حزب الله الذي يتمتع بقوة تفوق قدرات الدولة نفسها".

ترك الساحة اللبنانية بلا قرار 

فيما قال النائب اللبناني السابق مصطفى علوش: إن ما يجري "يعكس فراغًا استراتيجيًا في القرار الوطني"، مضيفًا:" لبنان اليوم أمام مفترق طرق خطير. استمرار غياب القرار السيادي يجعل الساحة اللبنانية مفتوحة أمام أي تصعيد، سواء من إسرائيل أو من الداخل. إذا لم يحسم ملف السلاح بوضوح تحت مظلة الدولة، فعودة الحرب إلى الجنوب ليست مجرد احتمال، بل خطر واقعي يقترب يومًا بعد يوم".

وأشار علوش -في تصريحات للعرب مباشر-، إلى أن إسرائيل "تستغل الانقسام الداخلي والشلل السياسي في لبنان، لتوجيه رسائل عسكرية متكررة تضعف صورة الدولة وتزيد من نفوذ حزب الله، بينما واشنطن تمارس ضغطًا مزدوجًا لتقليص دور الحزب دون أن تقدم بدائل واقعية تضمن استقرار لبنان".

رؤية مستقبلية: بين التسويات والحروب الصغيرة

تابع: " التحركات الأخيرة في الجنوب لا تعني بالضرورة أن الحرب الشاملة وشيكة، لكنها تُظهر بوضوح أن "الهدنة الهشة" التي رعتها واشنطن وباريس باتت على المحك".

واعتبر من جانبه، أن السيناريو المرجح في المدى القريب هو استمرار المواجهات المحدودة والاغتيالات النوعية، في إطار ما يمكن تسميته "حرب الظلال"، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت خطوطه الحمراء دون الانجرار إلى معركة كبرى.

واختتم حديثه: " لكن هذا التوازن القلق قد ينهار في أي لحظة، إذا ما تكررت الحوادث المدنية على غرار واقعة بليدا، أو إذا وسعت إسرائيل نطاق عملياتها لتشمل العمق اللبناني".