من جباليا إلى رفح.. مسرح غزة يتحول إلى مختبر لأسلحة المستقبل

من جباليا إلى رفح.. مسرح غزة يتحول إلى مختبر لأسلحة المستقبل

من جباليا إلى رفح.. مسرح غزة يتحول إلى مختبر لأسلحة المستقبل
حرب غزة

بين الأزقة المهدّمة في غزة والأنفاق التي تتحول إلى شراك قاتلة، يظهر جيل جديد من الأسلحة لا يحمل ملامح بشرية ولا يتردد قبل الضغط على الزناد، الروبوتات القتالية التي دفع بها الجيش الإسرائيلي إلى ساحة المعركة باتت رمزًا لمرحلة جديدة من الحروب، حيث تحل الآلة محل الجندي، وتصبح التكنولوجيا درعًا وذراعًا هجومية في آن واحد، منذ أسابيع، تتحدث الشهادات الميدانية عن "جيش أشباح" يتحرك بلا صوت، يُفخخ الأبراج ويفجر الأنفاق ويمسح الشوارع بعيون استشعار دقيقة، ليُعيد رسم حدود القتال وفق رؤية القيادة العسكرية الإسرائيلية، هذه الروبوتات ليست مجرد أدوات تقنية، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد هدفها السيطرة الكاملة على غزة، مع تقليل الخسائر البشرية في صفوف الجنود الإسرائيليين، ومع اتساع نطاق استخدامها، تثير هذه الآلات أسئلة مقلقة حول أخلاقيات الحرب وحدود القوة حين تُسلَّم إلى آلة لا تعرف التردد أو الرحمة.

من الخيال العلمي إلى شوارع غزة


لم يعد الحديث عن الروبوتات القتالية حكرًا على السينما أو أدبيات الخيال العلمي، فقد أصبحت حقيقة دامغة في الميدان الفلسطيني، الظهور الأول لها كان عام 2014، لكن منذ 2020 تحولت إلى وحدة منظمة تحمل اسم "الأشباح"، جمعت بين الروبوتات والمسيرات وأنظمة القيادة الذاتية، خلال الحرب الأخيرة على غزة، ارتبط اسمها بالدمار الهائل في الأبراج السكنية وشبكات الأنفاق، حيث أوكل إليها تنفيذ المهام الأكثر خطورة بدلًا من الجنود.

الرسالة الإسرائيلية واضحة، تقليل عدد التوابيت العائدة إلى الداخل، واستبدال المقاتل البشري بآلة تعمل ليلًا ونهارًا، قادرة على التوغل والكشف والهجوم دون أن ترتجف يدها أو يثنيها الخوف.

تكتيكات جديدة.. من جباليا إلى رفح


وفق مصادر عسكرية إسرائيلية، شاركت الروبوتات في جبهات متعددة: من جباليا شمالًا إلى ممر "نتساريم" في الوسط، وصولًا إلى رفح جنوبًا، عملت جنبًا إلى جنب مع الفرق البرية مثل الفرقة 162 واللواء 401، لكنها لم تبق مجرد أداة مساندة، بل تحولت إلى رأس الحربة.

عمليات المسح والتفخيخ والتفجير التي نفذتها الآلات أحدثت فوضى كبيرة، وأرغمت الفصائل الفلسطينية على تغيير تكتيكاتها، كما أجبرت السكان المدنيين على التكيف مع واقع جديد لم يعرفوه من قبل: مواجهة "عدو بلا وجه"، وفقًا لموقع واللا العبري.

جيش بلا دماء.. وخسائر غير معلنة


رغم أن الهدف الأساسي من "جيش الأشباح" هو تقليل الخسائر، إلا أن الواقع لم يكن خاليًا من المفاجآت. تقارير عسكرية إسرائيلية تحدثت عن سقوط قتلى وجرحى من الوحدة المشغلة لهذه الروبوتات، خاصة خلال المواجهات القريبة في ديسمبر 2024. لكن رغم ذلك، ظل التوجه العسكري متمسكًا بتوسيع دورها.

اللافت، أن التجربة لم تتوقف عند غزة؛ فقد جرى نقل التكنولوجيا ذاتها إلى الجبهة الشمالية ضد "حزب الله"، حيث تُستخدم الروبوتات كأداة استخباراتية متقدمة، تجمع البيانات وتحدد مواقع الأهداف بدقة، ما يكشف عن توسع تدريجي في دورها يتجاوز حدود القطاع.

ثلاثية "باندا" و"تالون" و"روني"


يعتمد الجيش الإسرائيلي حاليًا على ثلاثة نماذج أساسية، أولها ما يعرف باسم الباندا، وهي جرافة ذكية مزودة بأنظمة استشعار متطورة، تُستخدم في فتح الطرق وإزالة الألغام قبل دخول القوات.

ثانيًا، التالون، وهو روبوت ضخم متعدد الكاميرات، قادر على تنفيذ أعمال هندسية معقدة واختراق الحواجز، والثالث هو "روني" صغير الحجم وخفيف الحركة، متخصص في اقتحام الأنفاق والممرات الضيقة، مع قدرة على التسلق وتجاوز العقبات.

كل نموذج صُمم لملء فراغ تكتيكي محدد، ومعًا يشكلون شبكة قتالية متكاملة تغطي البر والباطن وحتى المواقع شديدة الخطورة.

المقاومة تعدّل أسلوبها


لم تقف الفصائل الفلسطينية مكتوفة الأيدي، إذ تعاملت مع الروبوتات كما لو كانت جنودًا متطورة، نجح المقاتلون في بعض الحالات باستهداف أنظمة التحكم أو أجهزة الحركة، وهي نقاط الضعف التي ما تزال تُختبر في الميدان، كما جرى تطوير تكتيكات مضادة تشبه ما كان يُستخدم ضد الكلاب العسكرية سابقًا، لكن التحدي الأكبر يكمن في سرعة التكيف مع أجيال جديدة أكثر تطورًا من هذه الآلات.

التقارير الإسرائيلية تؤكد أن الجيش دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات، ما يجعلها قادرة على جمع البيانات وتحليلها أثناء القتال، ثم توجيه النيران أو تفجير المواقع وفق خوارزميات مبرمجة، هذا التداخل بين الآلة والعقل الإلكتروني ينذر بتحول نوعي في إدارة الحروب، حيث تُصبح القرارات الميدانية أقرب إلى "تقدير آلي" يعتمد على معطيات فورية.

ولكن وفق المراقبين، فأن ما يجري في غزة يتجاوز حدود المعركة الراهنة، فهو أشبه بحقل تجارب مفتوح لأسلحة المستقبل، إسرائيل تسعى إلى بناء نموذج قتال "متعدد الأبعاد"، يدمج الروبوتات والطائرات المسيرة ووسائل المراقبة والذكاء الاصطناعي، بهدف السيطرة على مساحات واسعة بأقل تكلفة بشرية، غير أن الثمن الأكبر يدفعه المدنيون الفلسطينيون الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين نارين: تكنولوجيا عسكرية بلا حدود، وصراع دموي لا ينتهي، وبينما يصف الجيش الإسرائيلي ذلك بأنه تطور تكتيكي، يرى كثيرون أنه انتقال نحو "حرب بلا إنسانية"، حيث تصبح غزة أول مسرح لحروب القرن المقبل.