من عاصمة الشهداء إلى مدينة الصمت.. جينين تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل

من عاصمة الشهداء إلى مدينة الصمت.. جينين تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل

من عاصمة الشهداء إلى مدينة الصمت.. جينين تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل
الجيش الإسرائيلي

في قلب الضفة الغربية، كانت جينين تُعرف يومًا بأنها عاصمة الشهداء ومركزًا صلبًا للمقاومة الفلسطينية، أما اليوم فقد أصبحت مدينة صامتة محاطة بالجنود الإسرائيليين، وشوارعها تحرسها الدبابات بدلًا من أبنائها المقاتلين، حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية.


ذاكرة الجراح والاحتلال


يحمل الفلسطيني شادي دبابية، البالغ من العمر 54 عامًا، على جسده آثار عقود من الصراع.


يظهر بفخر جرحًا غائرًا في خده تركته رصاصة إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية، كما يتتبع أثر طلقة أخرى اخترقت ذراعه.


قبل عام واحد فقط، ظهر دبابية في مقطع مصور وهو يُواجه مركبة عسكرية إسرائيلية في مخيم جينين حافي القدمين إلا من نعله. لكن اليوم، حين تمر آلية إسرائيلية قربه، يكتفي بالصمت والنظر من بعيد.

عملية الجدار الحديدي


منذ يناير الماضي، تسيطر القوات الإسرائيلية على مخيم جينين بشكل كامل، بعد أن هجّرت نحو 14 ألفًا من سكانه، وأقامت سواتر ترابية وحواجز تفصل المخيم عن المدينة.


أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية اسم الجدار الحديدي، معلنة أنها تمكنت من القضاء على المسلحين الفلسطينيين هناك، لكنها أبقت على وجودها العسكري الدائم.

من عاصمة الشهداء إلى مدينة صامتة


لطالما كانت جينين رمزًا للمقاومة المسلحة، بفضل كتائبها التي ضمت مقاتلين من مختلف الفصائل الفلسطينية، وواجهت باستماتة توغلات الجيش الإسرائيلي.


كان يُقال إن إسرائيل لا تستطيع إخضاع جينين ولا غزة، لكن المشهد اليوم تغير تمامًا.


فغزة تحولت إلى أنقاض، وجينين صارت تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي. الجنود يجوبون شوارعها، ينفذون مداهمات يومية، فيما تتلاشى صور الشهداء على الجدران تحت شمس لا ترحم.


يقول دبابية بحزن' إن الناس تعبوا، وإن المقاومة لم تعد أولوية بعدما رأوا ما حلّ بغزة، مضيفًا أنه لم يعد يجرؤ على زيارة منزله داخل المخيم بعد أن تعرض للضرب المبرح على يد الجنود الشهر الماضي.

خوف من مصير غزة


يرى الفلسطينيون في الضفة أن الحرب المدمرة على غزة كانت رسالة واضحة، إذ دمّرت إسرائيل 88% من القطاع خلال العامين الماضيين، وهو ما دفع كثيرين للاعتقاد بأنها لن تتردد في تكرار السيناريو ذاته في الضفة الغربية.


ومع نهاية الحرب في غزة، تتزايد المخاوف من أن تتحول أنظار إسرائيل نحو جينين ونابلس وطولكرم.

جينين تحت الحصار اليومي


في حي جابرية المطل على المخيم، تعيش هبة جرار وسط واقع أمني خانق.


تقول إن أصوات الرصاص التي يسمعونها لم تعد اشتباكات، بل مداهمات إسرائيلية لا يطلق فيها الفلسطينيون رصاصة واحدة، لأن المقاتلين اختفوا جميعًا.


تصف هبة كيف أصبح الجنود يقتحمون المنازل يوميًا ويخربون الطرق بالجرافات، مضيفة أن جيرانها في الحي غادروا الواحد تلو الآخر بعد تعرضهم للمداهمة والتهديد بالإخلاء.

الإذلال اليومي والاعتقالات الجماعية


مع انحسار المقاومة المسلحة، تصاعدت الممارسات المهينة ضد المدنيين. تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تُظهر جنودًا إسرائيليين يجبرون عشرات الشبان على السير في طوابير ورؤوسهم منحنية وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم.


من بين المعتقلين كان مصطفى شتّة، مدير مسرح الحرية في مخيم جينين، الذي اعتُقل في ديسمبر 2023 واحتُجز 15 شهرًا دون تهمة ضمن ما يسمى بالاعتقال الإداري.


يروي شتّة أن الحراس الإسرائيليين كانوا يصورون السجناء عراة أثناء التفتيش ويقفون فوق أجسادهم وهم يضحكون.


وعندما خرج في مارس الماضي، وجد مدينته محتلة وسكانها محطمين. قال بأسى إن جينين التي كانت عاصمة المقاومة لم تعد كما كانت، فقد غاب المقاتلون وتبدلت الأولويات. لم يعد الناس يتحدثون عن الثورة أو حق العودة، بل عن كيفية البقاء في ظل هذا الواقع الجديد.

مقاومة صامتة


ورغم انكسار المقاومة المسلحة، لا يزال بعض سكان جينين يتمسكون بأشكال أخرى من الصمود. يقول شتّة إن الاحتلال لم يعد يتعامل مع الفلسطينيين كبشر، بل كشيء لا قيمة له، مشددًا على ضرورة إعادة النقاش حول معنى البقاء والصمود في الوطن.


وفي ظل هذا الواقع القاتم، يعيش أهالي جينين بين ذكريات الماضي ونيران الحاضر، بين حلم التحرر وكابوس الاحتلال الدائم. ومع أن أصوات البنادق خمدت، إلا أن روح الصمود لا تزال حية في صدور من بقوا في المدينة التي كانت يومًا ما رمزًا للمقاومة الفلسطينية.