مستشفيات عاجزة وأسواق فارغة وخدمات مقطوعة.. تفاقم الأزمة في السويداء

مستشفيات عاجزة وأسواق فارغة وخدمات مقطوعة.. تفاقم الأزمة في السويداء

مستشفيات عاجزة وأسواق فارغة وخدمات مقطوعة.. تفاقم الأزمة في السويداء
السويداء

في الجنوب السوري، وعلى أنقاض قرى كانت تنبض بالحياة، تتصاعد ألسنة اللهب من رماد السويداء، فيما تغيب كاميرات العالم عن مجازر ممنهجة تُرتكب بصمت، أكثر من خمسين قرية دُمرت بالكامل، وقرابة 1000 قتيل في مشهد يعيد إلى الأذهان أكثر صفحات الصراع السوري سوداوية، الهدنة الهشة التي أُعلن عنها مؤخرًا تبدو أشبه باستراحة مقاتل، لا أكثر، فالواقع الإنساني في المحافظة تجاوز حدود الكارثة، والمستشفيات باتت عاجزة عن استقبال الموتى، ناهيك عن رعاية الأحياء، وفي حين تنادي أصوات محلية بتدخل دولي، يعود إلى السطح سؤال قديم: من يحمي المدنيين حين يغيب القانون؟

*أزمات إنسانية طاحنة*


على الصعيد الإنساني تعيش المحافظة حالة انهيار شاملة، الوضع الطبي في المستشفيات بات مروعًا، إذ لم تعد البرادات قادرة على استيعاب أعداد الجثث، لتتكدس في الحدائق، فيما يئن المرضى في أروقة المستشفى الوطني بسبب نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. 

ووفقًا لتلفزيون "سوريا"، فإن المياه مقطوعة عن المدينة منذ سبعة أيام، ما ضاعف من تفشي الأوبئة وتردي النظافة.

المخابز أغلقت أبوابها، باستثناء فرن الصحة الذي بالكاد يغطي جزءًا ضئيلًا من حاجات السكان، في وقت تشهد فيه الأسواق ندرة حادة في المواد الغذائية، وارتفاعًا جنونيًا في أسعار ما تبقى. 

*المرصد يحذر*


من جانبه، أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، اليوم الأحد، أن حصيلة القتلى جراء أعمال العنف التي اجتاحت محافظة السويداء جنوب سوريا تجاوزت الألف قتيل، في تصعيد دموي يُعدّ من بين الأشد منذ سنوات في المنطقة.

ووفقاً للمرصد، فقد قُتل 336 مقاتلاً من أبناء الطائفة الدرزية، إلى جانب 298 مدنيًا درزيًا، من بينهم 194 أُعدموا ميدانيًا.

 في المقابل، لقي 342 عنصرًا من قوات وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام مصرعهم، إضافة إلى 21 من أبناء العشائر البدوية، بينهم ثلاثة مدنيين أعدموا أيضًا ميدانيًا.

وأشار المرصد، أن الضربات الجوية الإسرائيلية التي رافقت التصعيد الأخير، أسفرت عن مقتل 15 عنصرًا من القوات الحكومية السورية.

ويأتي ذلك فيما يسود هدوء نسبي أجواء مدينة السويداء، بعد إعلان الحكومة السورية وقف إطلاق النار، أعقبته استعادة الفصائل الدرزية المحلية السيطرة على المدينة، بالتزامن مع إعادة انتشار قوات النظام في محيطها، عقب أسبوع من مواجهات عنيفة ذات طابع طائفي.

وكان المرصد قد أفاد سابقًا، أن المواجهات التي اندلعت في 13 يوليو بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية، أسفرت حتى حينه عن مقتل 940 شخصًا، في حصيلة غير نهائية.

وحذّر المرصد من تدهور الوضع الإنساني في المدينة، لافتًا إلى "هدوء حذر" يسود جبهات القتال منذ منتصف ليل السبت/ الأحد، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.

*كارثة إنسانية*


في موقف نادر، أطلقت مطرانية بصرى وحوران للروم الأرثوذكس صرخة استغاثة، ووصفت -في بيان رسمي- ما يحدث في السويداء بأنه "كارثة إنسانية"، مشيرة إلى غياب الماء والكهرباء والدواء والغذاء، وطالبت المطرانية بفتح المعابر الإنسانية فورًا لإنهاء الحصار المفروض على السكان.

من جانبه، يقول نور رضوان: إن ما يحدث في السويداء ليس مجرد فصلاً جديدًا في الحرب الأهلية السورية، بل يعكس تحوّلاً خطيرًا في طبيعة الصراع داخل البلاد. 

ويؤكد في حديث لـ"العرب مباشر"، أن المشهد الميداني في السويداء بات يتجاوز الاصطفافات التقليدية بين النظام والمعارضة، مشيرًا أن الطرف الخاسر الأكبر هو المدنيون.

وقال رضوان: "نحن أمام بيئة محلية مهملة، سُحقت بين رحى الانهيار الاقتصادي والفوضى الأمنية، وفُقدت فيها قدرة الدولة على فرض الحماية، في مقابل غياب أي بنية تنظيمية بديلة، مضيفًا: ما نشهده الآن هو تفكك تدريجي للمجتمع الأهلي في السويداء، بعد أن تخلّى عنه الجميع، بما في ذلك حلفاء الأمس".

ويرى، أن ما يفاقم الأزمة هو الصمت الإقليمي والدولي: "ليس هناك أي ضغط فعلي من المجتمع الدولي، ولا حتى من الفاعلين المحليين المؤثرين، لوقف الانتهاكات أو إيصال المساعدات".

ويضيف: "المخاوف من تدويل المسألة أو دخول أطراف أجنبية على خط الأزمة مجددًا، ليست مبررًا لترك الناس يحترقون في قراهم، المجتمع الدرزي، كغيره من مكونات سوريا، يحتاج إلى ضمانات حقيقية بالأمن والعدالة، وليس مجرد تهدئة مؤقتة تُرمم بها هشاشة المرحلة".

وختم قائلاً: "أخطر ما في هذه المرحلة أن السويداء لم تعد فقط خارج الحسابات السياسية، بل أصبحت خارج الرؤية الأخلاقية للعالم، وهذا مؤشر على انهيار ليس فقط دولة، بل فكرة الدولة نفسها".