كيف يحافظ حزب الله على شبكاته المالية رغم الحصار؟

كيف يحافظ حزب الله على شبكاته المالية رغم الحصار؟

كيف يحافظ حزب الله على شبكاته المالية رغم الحصار؟
حزب الله

بعد عامٍ على الحرب الأخيرة مع إسرائيل، يقف حزب الله اللبناني عند مفترق طرق معقّد، فبينما خرج من المواجهة العسكرية الأخيرة مثقلاً بالخسائر البشرية والميدانية، بقيت قدرته المالية صامدة بشكل لافت، مثيرة تساؤلات عن مصادر هذا التمويل وآليات عمله، ورغم تصاعد الضغوط المحلية والدولية لإضعاف نفوذه وتجفيف موارده، ما زال الحزب قادرًا على دفع رواتب مقاتليه، وتقديم مساعدات لعائلات قتلاه، بل وحتى الاستمرار في إدارة شبكة واسعة من المدارس والمستشفيات والجمعيات، هذا الصمود المالي لم يأتِ بمعزل عن شبكة اقتصادية متشعبة تتراوح بين الدعم الخارجي، والمشاريع التجارية، والاعتماد على النقد في بلد انهار فيه النظام المصرفي، وفي وقت يشدد فيه المجتمع الدولي والسلطات اللبنانية الرقابة على حركة الأموال، تكشف الشهادات الميدانية والبيانات المتاحة أن الحزب استطاع حتى الآن الحفاظ على منظومته الاقتصادية، ما يجعله لاعبًا ماليًا بارزًا في بلد مأزوم اقتصاديًا وسياسيًا.

تعويضات ورواتب ضخمة


في بلد أنهكته الأزمات وتفككت فيه مؤسسات الدولة، يظل حزب الله أحد أكثر التنظيمات ثباتًا على الصعيد المالي، رغم انكساراته العسكرية الأخيرة.

يقول مصدر مطلع لـ"العرب مباشر": إن الحزب الذي خسر العديد من مقاتليه وقادته الميدانيين في المواجهة مع إسرائيل نهاية 2024 ما زال قادرًا على دفع رواتب تتراوح بين 500 و700 دولار لمقاتليه، وهي مبالغ تفوق الحد الأدنى للأجور في لبنان.

مؤكدًا أن هذا الأمر يعكس ليس فقط حجم الموارد المالية التي ما زالت متدفقة، بل أيضًا مرونة منظومته الاقتصادية التي صُممت لتقاوم العقوبات والرقابة.

وتابع المصدر: إحدى أبرز علامات هذا الصمود تتجلى في قدرة الحزب على دفع تعويضات ضخمة لعشرات آلاف العائلات المتضررة من الحرب. وفق المصدر، بلغت قيمة المساعدات أكثر من مليار دولار منذ وقف إطلاق النار، شملت تغطية إيجارات منازل وتعويضات لترميم الأضرار.

هذه الأرقام تشير إلى أن الحزب ما زال يمتلك قدرة على ضخ سيولة مالية بحجم مؤسسات كبرى.

لكن بخلاف ما حدث بعد حرب 2006، امتنع هذه المرة عن إعادة بناء المنازل المدمرة، ملقيًا بالمسؤولية على الحكومة اللبنانية، في مؤشر على تغير أولوياته المالية أو ضيق هامش حركته.

إلى جانب ذلك، يستمر حزب الله في تشغيل شبكة واسعة من المؤسسات الخدمية – مدارس، مستشفيات، جمعيات – ما يجعله أحد أكبر المشغلين في لبنان.

 هذه المؤسسات ليست مجرد أدوات خدمية، بل ركيزة لبسط النفوذ الاجتماعي وتعزيز الولاء السياسي، وهو ما يجعل أي مساس بها تهديدًا مباشرًا لمكانة الحزب في بيئته الحاضنة.

ضغوط متزايدة


لكن في المقابل، تتزايد الضغوط على شبكات التمويل، فقد شددت الحكومة اللبنانية الجديدة، بدعم من واشنطن، الرقابة على تدفقات الأموال من الخارج، لا سيما من إيران التي كانت لعقود الممول الأساسي للحزب.

كما أصدر المصرف المركزي قرارًا بحظر التعامل مع مؤسسة "القرض الحسن"، التي طالما شكّلت متنفسًا ماليًا للآلاف من اللبنانيين. 

ورغم هذه القيود، ما زالت المؤسسة تعمل بشكل شبه طبيعي، وتمنح قروضًا بالدولار مقابل الذهب، في نموذج أثبت مرونته حتى في ظل العقوبات والغارات الإسرائيلية التي استهدفت بعض مقارها.

أما عن مصادر التمويل فيقول المصدر لـ"العرب مباشر"، أنها لا تقتصر على الدعم الخارجي، فالحزب يعتمد أيضًا على شبكة رجال أعمال ومشاريع تجارية داخل لبنان وخارجه، مضيفًا أن بعضها قانوني بالكامل لا سيما في العراق ولبنان، بينما يرتبط بعضها الآخر بأنشطة أكثر تعقيدًا مثل تجارة السلع، والتحويلات النقدية، وحتى العملات المشفرة.

يذكر، أن الحكومة الكندية ذكرت مؤخرًا أن الحزب يتلقى أموالًا من كندا عبر قنوات متعددة تشمل الأعمال الخيرية والتحويلات المصرفية.

رغم ما سبق فالأضرار كانت غير مسبوقة أيضًا، وفقًا للمصدر، وبالتحديد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية 2024 الذي كان بمثابة الضربة الأكبر لشريان تمويل مهم.

 فخلال سنوات حكمه، شكّلت الحدود السورية اللبنانية منفذًا رئيسيًا لإدخال الأموال والسلع وحتى الأسلحة، ما وفّر للحزب مصادر متجددة لرأس المال، ومع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، فقد الحزب إحدى أهم بواباته المالية.

تهديدات أكبر


يقول المصدر: إن قدرة حزب الله على الصمود المالي تأتي نتيجة تراكم خبرات تنظيمية واقتصادية على مدى عقود، ويشير إلى أن الحزب أسس ما يمكن وصفه بـ"الاقتصاد الموازي" الذي يعمل جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد الرسمي في لبنان، مستفيدًا من انهيار القطاع المصرفي لتحويل التعاملات إلى النقد.

ويضيف المصدر لـ"العرب مباشر"، هذه المنظومة توفر مرونة كبيرة، إذ يمكن للحزب إعادة توجيه الأموال بسرعة، والاعتماد على شبكات رجال أعمال ومغتربين في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، ما يمنحه تنوعًا في مصادر التمويل يقيه من شح الدعم في حالة حدوث أي اضطرابات إقليمية".

لكن كشف في الوقت نفسه، أن هذا النموذج ليس بلا ثغرات، فمع تشديد الرقابة الدولية والإقليمية على التحويلات المالية، تزداد كلفة تمرير الأموال، وهو ما قد ينعكس لاحقًا على قدرة الحزب على دفع الرواتب وتقديم الخدمات.

كما لفت إلى أن استمرار الحزب في الحفاظ على شعبيته يتطلب ضخ أموال ضخمة في بيئته الحاضنة، وإذا تعثرت هذه الدورة المالية، قد يواجه الحزب تحديات اجتماعية أكبر من التهديدات العسكرية.