اللبنانيون يتحدّون آثار الحرب ويعودون إلى الجنوب رغم المخاطر

اللبنانيون يتحدّون آثار الحرب ويعودون إلى الجنوب رغم المخاطر

اللبنانيون يتحدّون آثار الحرب ويعودون إلى الجنوب رغم المخاطر
حرب لبنان

مع انبلاج فجر جديد للبنان بعد عام من القتال المدمّر بين حزب الله وإسرائيل، تسابق اللبنانيون إلى العودة إلى منازلهم في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، حالمين باستعادة تفاصيل حياتهم اليومية. لكن رحلة العودة محفوفة بالمخاطر؛ إذ لا تزال مخلفات الحرب تشكّل تهديدًا لحياتهم، في الوقت ذاته، بدأت الحكومة اللبنانية وفرق الطوارئ تحركات مكثفة لإعادة الحياة إلى المناطق المتضررة، وسط دعوات من الجيش بالتريث في العودة، يأتي ذلك في أعقاب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار الذي شكّل بصيص أمل، لكنه يترك تساؤلات بشأن المرحلة المقبلة وإمكان تحقيق سلام مستدام في المنطقة. 

*عودةٌ مفعمة بالأمل والمخاطر*


منذ الساعات الأولى لوقف إطلاق النار، اندفع آلاف اللبنانيين بسياراتهم عائدين إلى الجنوب والضاحية الجنوبية، متجاوزين جسر الحازمية، المدخل الرئيس للمناطق المتضررة مثل حارة حريك والشياح وبرج البراجنة. هذه العودة الجماعية تجسد رغبة قوية في استعادة الروتين اليومي بعد أشهر من النزوح والتشريد. 


ورغم مشاهد الأمل، حذّر الجيش اللبناني من خطورة التسرّع في العودة، مشيرًا إلى وجود ذخائر غير منفجرة وأجسام مشبوهة خلّفتها العمليات العسكرية.


وأصدر الجيش بيانًا دعا فيه المواطنين إلى الالتزام بتوجيهات الوحدات المنتشرة في الجنوب، وأكد ضرورة الإبلاغ عن أي أجسام مشبوهة فورًا لتجنب وقوع كارثة. 

*جهود إعادة الإعمار تدخل حيّز التنفيذ*


على الأرض، باشرت فرق الطوارئ والورش الفنية العمل فورًا لرفع الركام وفتح الطرق في الضاحية الجنوبية.


شارك وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، في جهود التقييم الأولي للأضرار، وأعلنت الوزارة بدء ترميم البنى التحتية المتضررة، خاصة طريق المصنع الحدودي المؤدي إلى سوريا، الذي يُعتبر شريانًا حيويًا للتجارة والنقل.


وبحسب وكالة الإعلام الوطنية، شملت الجهود إزالة الركام في المناطق السكنية وإعادة إصلاح الجسور والمعابر.


أما في مدينة صيدا، فقد اصطفّ المواطنون في طوابير طويلة استعدادًا للانطلاق نحو مناطقهم في الجنوب والبقاع.

*وقف إطلاق النار: بصيص أمل أم هدنة هشة؟* 


اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ فجراً يُعدّ تتويجًا لمساعٍ دولية استمرت أشهر، وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نجاح التوصل إليه، مشيرًا إلى أن الاتفاق يمثل فرصة لوقف نزيف الدماء بين الطرفين.


لكن هذا الاتفاق يطرح تساؤلات حول قدرته على الصمود في ظل توتر متصاعد وعلاقات متشابكة بين أطراف النزاع.


ووفقًا لدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، فالاتفاق جاء بعد ضغوط دولية مكثفة على إسرائيل وحزب الله، وسط مخاوف من أن يتوسع النزاع ليشمل أطرافًا إقليمية أخرى.


وتابع المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر" - رغم الترحيب الواسع بالاتفاق، هناك عوائق كبرى تقف أمام إمكانية تحقيق هدنة طويلة الأمد، خاصة مع وجود ملفات شائكة، مثل ترسيم الحدود البحرية والخلافات بشأن القرار 1701 الذي ينظم عمل قوات اليونيفيل. 


وأضاف المنجي، أن لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق؛ فالعودة إلى الحياة الطبيعية لا تعني نهاية المعاناة، بل بداية رحلة طويلة لإعادة البناء وطي صفحة الحرب، مضيفًا، وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودًا على جهود محلية ودولية لإرساء سلام مستدام يُبعد شبح الحروب عن المنطقة. 



*تحدٍ إضافي* 


من أكبر التحديات التي تواجه العائدين إلى منازلهم، الذخائر غير المنفجرة التي خلّفتها العمليات العسكرية. ووفقًا لتقارير أممية، تحتاج عملية إزالة هذه المخلفات إلى شهور من العمل المكثف والتنسيق بين الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. 


ودعت الأمم المتحدة إلى دعم لبنان ماليًا وتقنيًا لتسريع جهود إزالة الألغام والمخلفات الحربية. كما ناشدت المجتمع الدولي بتقديم مساعدات عاجلة للمتضررين الذين يعانون من أزمات معيشية متفاقمة نتيجة الحرب والحصار الاقتصادي.

*مشاهد من العودة*


وسط هذه التحديات، حملت مشاهد العودة أبعادًا إنسانية مؤثرة؛ فقد شوهدت أسر تحمل معها ذكريات الحرب، أطفال يركضون نحو بيوت تعرضت للقصف، وآخرون يحاولون معاينة حجم الضرر الذي لحق بمنازلهم، هذه الصور تختزل معاناة اللبنانيين، لكنها تعكس أيضًا صمودهم في مواجهة الأزمات.


من جانبها، تقول هند، أم لثلاثة أطفال، عندما عدت إلى منزلي لأول مرة بعد القصف، لم أستطع تمالك دموعي. المشهد كان مؤلمًا للغاية؛ الجدران متصدعة، الأثاث محطم، وكل ركن في البيت يحمل ذكرى خاصة لنا أصبح الآن كومة من الحطام.


وتابعت، أولادي سألوني: 'متى سنرجع غرفتنا؟' لم أجد إجابة، حاولت التظاهر بالقوة أمامهم، لكن داخلي كان محطمًا، رغم ذلك، شعرت أن العودة خطوة لا بد منها، لن نترك بيتنا، مهما كان حاله، لأن العودة تعني الأمل وإعادة البناء، نعرف أن الطريق طويل، لكننا سنبدأ من هنا، وسط ذكرياتنا، لنخلق مستقبلاً جديدًا.

في السياق ذاته، يقول الحاج أبو علي، سبعيني عاش أغلب حياته في الضاحية، كنت أقول لأولادي إن الإنسان بلا أرض كالشجرة بلا جذور، ولهذا السبب أصررت على العودة رغم أنني أعرف أن منزلي قد تضرر بشدة.


عندما وصلت، وجدت الركام في كل مكان، لكنني شعرت بالارتياح لأنني عدت إلى مكاني، هذا الحي يعني لي الكثير، هنا كبرت، وهنا بنيت عائلتي.


صحيح أننا فقدنا أشياء مادية، لكن ما لم نفقده هو إرادتنا، اليوم، نجلس مع الجيران نتحدث عن إعادة إعمار ما دمر، ونعرف أن ذلك ليس سهلًا، لكنه ضروري، لا يمكن للحرب أن تأخذ منا ما هو أغلى من الحجر، وهو انتماؤنا لهذا المكان.