طالبان باكستان تعود بكمائن دامية.. تصعيد يعيد شبح ما بعد 2001

طالبان باكستان تعود بكمائن دامية.. تصعيد يعيد شبح ما بعد 2001

طالبان باكستان تعود بكمائن دامية.. تصعيد يعيد شبح ما بعد 2001
حركة طالبان

في تصعيد جديد يهدد استقرار شمال غرب باكستان، تعرضت قافلة عسكرية لهجوم معقد شنّه مسلحون من حركة طالبان باكستان؛ ما أسفر عن مقتل 12 جنديًا على الأقل والاستيلاء على أسلحة تابعة للقوات الباكستانية.

يأتي هذا الحادث الدامي ليعيد إلى الأذهان سنوات العنف التي عصفت بالبلاد عقب انخراطها في "الحرب على الإرهاب" قبل أكثر من عقدين، سكان ولاية خيبر بختونخوا يعيشون منذ أسابيع حالة من الترقب، إذ باتت شعارات الحركة تملأ الجدران وازدادت وتيرة الهجمات المسلحة على الجيش وقوات حرس الحدود، ومع اتهامات متبادلة بين إسلام آباد وكابول حول إيواء المتمردين، يخشى محللون من أن تعيد المنطقة إنتاج مشهد دموي مماثل لما حدث بعد 2001، حين تحولت مناطق القبائل إلى ساحة مفتوحة للصراع.

هجوم شديد التعقيد


أعلنت السلطات الباكستانية، صباح السبت، أن قافلة تابعة للجيش وحرس الحدود وقعت في كمين محكم قرب الحدود الأفغانية في ولاية خيبر بختونخوا، حين هاجم مسلحون مجهزون بأسلحة ثقيلة مركباتها عند الساعة الرابعة فجرًا.

وأكد مسؤول أمني محلي لوكالة "فرانس برس"، أن الهجوم أدى إلى مقتل 12 جنديًا على الفور، في حين استولى المهاجمون على عشرة أسلحة رشاشة وطائرة مسيّرة من نوع مراقبة كانت ضمن معدات القافلة.

حركة طالبان الباكستانية سارعت إلى تبنّي العملية ووصفتها بأنها "هجوم شديد التعقيد"، في إشارة إلى أنه تم التخطيط له مسبقًا واستخدام تكتيكات عسكرية دقيقة. 

الهجوم الأخير يعدّ من أكثر العمليات دموية منذ أشهر، ويعكس تصعيدًا ممنهجًا تشهده المنطقة منذ منتصف 2021، أي منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان.

فمع تراجع سلطة الحكومة الأفغانية السابقة وانسحاب القوات الأمريكية، وجدت الحركة الباكستانية مساحة أوسع لإعادة تنظيم صفوفها وتنفيذ هجمات نوعية ضد قوات الأمن.

اتهامات ونفي


تتّهم إسلام آباد منذ أشهر جارتها كابول بالتقاعس عن طرد مقاتلي طالبان الباكستانية الذين يتخذون من المناطق الحدودية ملاذًا آمنًا لهم، بل وتذهب بعض الدوائر الأمنية إلى حد اتهام الحكومة الأفغانية بغض الطرف عن نشاطاتهم لأسباب سياسية.

لكن حكومة طالبان في كابول ترفض هذه الاتهامات وتؤكد أنها لا تسمح باستخدام أراضيها للاعتداء على أي دولة مجاورة.

سكان المنطقة الذين عانوا طويلاً من ويلات الحرب بدؤوا يلاحظون عودة مظاهر التوتر إلى حياتهم اليومية، من بينها ظهور شعارات الحركة على جدران القرى والأسواق، وانتشار الأخبار عن اختطافات واغتيالات تستهدف متعاونين مع الحكومة.

ويخشى هؤلاء أن تتكرر مشاهد العقد الأول من الألفية حين شهدت باكستان موجة عنف غير مسبوقة بعد أن تحولت إلى خط دفاع أول ضد تنظيم القاعدة وحلفائه.

تحدي أمني


بحسب إحصاءات مستقلة، تجاوز عدد ضحايا العنف المسلح في باكستان منذ مطلع 2024 أكثر من 1600 قتيل، معظمهم من عناصر الجيش والشرطة، وهي الحصيلة الأكبر منذ ما يقرب من عقد. 

ويشير مراقبون، أن هذا التصعيد ليس معزولًا، بل يأتي ضمن سياق أوسع من تزايد نشاط الجماعات المتشددة على جانبي الحدود، وتوتر العلاقات الباكستانية الأفغانية، واتهامات إسلام آباد للهند بدعم بعض هذه المجموعات لزعزعة استقرارها.

الجيش الباكستاني كان قد أعلن في يوليو الماضي إحباط محاولة تسلل كبيرة عبر الحدود وقتل 30 مسلحًا، بعد أيام من هجوم انتحاري أودى بحياة 16 جنديًا في نفس المنطقة.

 مثل هذه العمليات، وإن كانت تعكس قدرة الجيش على الرد، إلا أنها تكشف في الوقت نفسه عن حجم التحدي الأمني المتصاعد في المناطق القبلية.

يرى خبراء أمنيون، أن هذا التصعيد يضع حكومة إسلام آباد أمام خيارات صعبة، فإما أن تطلق عملية عسكرية واسعة النطاق على غرار العمليات التي نفذتها بين 2014 و2017 والتي نجحت مؤقتًا في تحجيم نفوذ الحركة، أو أن تبحث عن مسار تفاوضي يضمن هدنة طويلة الأمد، وهو خيار لا يحظى بقبول شعبي واسع بسبب فشل المفاوضات السابقة.

المعالجة الأمنية لا تكفي


من جانبه، قال إبراهيم ربيع، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية: إن الهجوم الأخير يمثل "تحولًا نوعيًا في استراتيجية طالبان باكستان" ويعكس قدرتها على استعادة المبادرة الميدانية بعد فترة من الانحسار.

وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر": أن اختيار الحركة تنفيذ كمين محكم على قافلة عسكرية واستخدام أسلحة ثقيلة يشير إلى مستوى عالٍ من التخطيط والجرأة، ما يعني أن الجماعة باتت تمتلك شبكات دعم ولوجستيات أكثر قوة مما كان يُعتقد.

وحذّر ربيع من أن استمرار هذا التصعيد قد يخلق بيئة شديدة الخطورة على أمن باكستان الداخلي، مشيرًا أن الحركة تسعى لإرسال رسالة مزدوجة، الأولى للجيش الباكستاني بأنها قادرة على استنزافه في المناطق الحدودية، والثانية للحكومة في كابول بأنها ما تزال لاعبًا مؤثرًا في المعادلة الإقليمية.

وأكد أن المعالجة الأمنية وحدها لن تكفي، وأنه على الحكومة الباكستانية أن تتبنى مقاربة شاملة تشمل التنمية الاقتصادية، وتعزيز الحضور الإداري في المناطق القبلية، وتطوير أدوات المواجهة الفكرية مع الخطاب المتطرف. 

وختم بالقول: "إذا لم يتم كسر الحلقة المفرغة من الفقر والتهميش والتجنيد المسلح، فستظل باكستان تدفع ثمن هذا العنف لعقود قادمة".