أبناء الثورة الإيرانية يدفعون نحو تحول جذري في علاقة طهران بالعالم

أبناء الثورة الإيرانية يدفعون نحو تحول جذري في علاقة طهران بالعالم

أبناء الثورة الإيرانية يدفعون نحو تحول جذري في علاقة طهران بالعالم
إيران

تشهد الساحة السياسية في إيران نقاشات غير مسبوقة، تقودها شخصيات تنحدر من صلب المؤسسة الحاكمة، للمطالبة بإعادة تقييم شاملة لسياسات البلاد الخارجية، وخصوصًا في تعاملها مع الغرب والدول العربية، حسبما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.


وتأتي هذه الدعوات في أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران في يونيو الماضي، والتي استمرت 12 يومًا وتركت تداعيات عميقة على الداخل الإيراني.

أبناء قادة النظام في صدارة المطالبين بالتغيير


ومن أبرز الأصوات الجديدة التي تطالب بمراجعة استراتيجية، حمزة صفوي، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران، وابن اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى علي خامنئي والقائد السابق للحرس الثوري. ورغم انتمائه العائلي العميق إلى المؤسسة العسكرية، يدعو صفوي إلى تحول جذري في توجهات إيران الإقليمية والدولية.


يرى صفوي أن النظام بات أمام خيار أساسي: إما الاستمرار كقوة صدامية في المنطقة، أو التحول إلى طرف داعم للاستقرار الإقليمي والدولي. ويستشهد بالتجربة الصينية التي تجمع بين انتقاد السياسات الأمريكية وبين العمل ضمن أطر معترف بها دوليًا.

اتجاه يتجاوز الإصلاحيين التقليديين


تتجاوز هذه الرؤى مواقف الإصلاحيين الرسميين مثل الرئيس مسعود بزشكيان، الذي يطالب بإعادة فتح قنوات التفاوض النووي مع واشنطن، مع حفاظه على الخطاب التقليدي حول إسرائيل. لكن النقاشات الجديدة أكثر جرأة، إذ تطرح مراجعات لمفاهيم مركزية في سياسة الجمهورية الإسلامية.


من بين الأصوات التي تدعو إلى تغييرات جوهرية أيضًا، فائزة هاشمي، النائبة السابقة وابنة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، التي تدعو صراحة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وتؤكد أن التفاوض على الخلافات يجب أن يتم من موقع المصالح الوطنية كبقية دول العالم. وترى أن إيران يجب أن تتجه في النهاية نحو نموذج سياسي أكثر علمانية، وإن كان تحقيق ذلك غير ممكن في الوقت الراهن.


مقترحات مثيرة للجدل داخل المؤسسة


أكثر الآراء إثارة للجدل تتمثل في دعوات بعض الشخصيات لقبول مبدأ حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو توجه يمس أحد ثوابت النظام.


ويرى صفوي أنه لو كان صاحب قرار لانضم إلى المبادرة التي طرحتها السعودية، والقائمة على الاعتراف بإسرائيل مقابل موافقتها على حل الدولتين وفق حدود 1967.


ويؤكد أن إسرائيل لن توافق على ذلك عملياً، لكن تبني إيران لهذه الرؤية سيبرز رغبتها في الالتزام بالنظام الدولي دون المساس بموقفها العقائدي الحالي.


ورغم ذلك، يشير صفوي إلى أن الاعتراف بإسرائيل ليس مطروحًا في المدى القصير، لأنه مرتبط بهوية النظام، وأن أي تغيير من هذا النوع غير ممكن في ظل قيادة المرشد علي خامنئي.

العلاقات الإقليمية ودور الوكلاء


يتناول صفوي كذلك مسألة دعم إيران لقواتها الحليفة في المنطقة مثل حزب الله، معتبراً أن جوهر هذه السياسة ليس خاطئاً، لكن الإشكالية تكمن في انطباع الدول العربية بأن هذا الدور يمثل نوعًا من الهيمنة الشيعية. ويؤكد ضرورة فتح حوار مباشر مع الدول العربية لشرح أن هذه القوى تشكل أداة ردع في مواجهة إسرائيل وليست تهديدًا لمصالح المنطقة.

مجتمع سياسي مضطرب


تعكس هذه الآراء حالة حراك فكري وسياسي داخل المجتمع الإيراني رغم القيود الصارمة. فعدد من أبناء رموز النظام، من بينهم أحفاد الخميني نفسه، يعبرون عن مواقف إصلاحية أو ناقدة. كما يحذر حسن يونسي، ابن وزير الاستخبارات السابق، من أن البلاد قد تنزلق نحو نمط حكم يشبه الأنظمة الشمولية التي عرفتها الدول الشيوعية سابقًا.


لكن سقف التعبير لا يزال مقيدًا، إذ سبق أن تعرضت فائزة هاشمي للسجن مرتين بسبب آرائها، ولا توجد مؤشرات على استعداد المؤسسة الحاكمة لتبني هذه الدعوات.


يرى مراقبون أن هذه النقاشات تستبق مرحلة بالغة الحساسية: مرحلة ما بعد المرشد علي خامنئي البالغ من العمر 86 عاماً. وتشير تحليلات إلى أن كل القوى السياسية في إيران تستعد لمعركة النفوذ القادمة، وأن الأفكار المطروحة اليوم موجهة فعليًا لليوم التالي لغياب المرشد وليس لواقع اللحظة.

دعوات إلى إصلاح داخلي


يرفع دعاة التغيير أيضًا مطالب بتحسين الحوكمة ومكافحة الفساد والتخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية.


ويشددون على ضرورة توسيع قاعدة الحكم لتشمل شرائح أوسع من المجتمع السياسي. وفي المقابل، يزداد القلق الشعبي إزاء استمرار المواجهة الأيديولوجية مع الغرب والدول الإقليمية، وما يترتب عليها من أزمات اقتصادية خانقة في بلد يتجاوز عدد سكانه 90 مليون نسمة.


تؤكد فائزة هاشمي أن غالبية المجتمع تتطلع إلى رؤية إيران دولة طبيعية مندمجة في النظام العالمي، وتقول إن كثيرًا من الشخصيات داخل النظام تشاركها هذه الرؤية في السر لكنها تخشى الإعلان عنها.