الشارع يرفض التقشف.. احتجاجات مليونية في فرنسا واعتقال العشرات

الشارع يرفض التقشف.. احتجاجات مليونية في فرنسا واعتقال العشرات

الشارع يرفض التقشف.. احتجاجات مليونية في فرنسا واعتقال العشرات
احتجاجات فرنسا

تعيش فرنسا على وقع يوم استثنائي إذ تحولت شوارع المدن الكبرى إلى ساحات غضب شعبية رافضة لسياسات التقشف الجديدة، فمن باريس إلى مرسيليا وتولوز، خرج مئات الآلاف في مظاهرات حاشدة استجابت لدعوات النقابات العمالية التي طالبت بـ"شلّ كامل للحياة العامة" حتى تتراجع الحكومة عن خطتها الاقتصادية المثيرة للجدل.

المواجهات لم تتأخر في الاندلاع، حيث اشتبك المتظاهرون مع قوات الأمن التي انتشرت بكثافة غير مسبوقة بلغت 80 ألف عنصر مدعومين بمركبات مدرعة وطائرات مسيرة، في محاولة لضبط المشهد، ومع تزايد الاعتقالات – التي تجاوزت 90 حالة – وتحذيرات وزارة الداخلية من احتمالات وقوع أعمال عنف وتخريب، باتت فرنسا أمام اختبار جديد يهدد استقرارها الاجتماعي، ويعيد إلى الأذهان مشاهد "السترات الصفراء" التي هزّت البلاد قبل سنوات.

لنغلق كل شيء


تتصاعد حدة الغضب الشعبي في فرنسا مع دخول خطة التقشف الحكومية حيز التنفيذ، وهي خطة تسعى لتوفير نحو 44 مليار يورو عبر خفض الإنفاق العام وإلغاء عطلتين رسميتين، في محاولة لاحتواء الدين العام الذي بلغ مستوى قياسيًا يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لـ"فرانس برس".

النقابات العمالية، التي ترى في هذه الإجراءات تهديدًا مباشرًا لحقوق العمال والموظفين، دعت منذ أسابيع إلى يوم تعبئة شامل تحت شعار "لنغلق كل شيء"، وهو ما ترجمته الأعداد الضخمة التي احتشدت اليوم في مختلف المدن الفرنسية.

باريس، العاصمة، كانت مركز الثقل لهذه المظاهرات، حيث أغلقت الشوارع الرئيسية وتوقفت حركة المترو في عشرات الخطوط، فيما شهدت ضواحيها محاولات لإغلاق محطات الحافلات تم إحباطها من قبل قوات الأمن.

في مرسيليا وتولوز، لم يخلُ المشهد من مواجهات محدودة بين الشرطة ومتظاهرين أطلقوا قنابل دخانية ردًا على استخدام قوات الأمن للغاز المسيل للدموع.

السلطات الفرنسية نشرت أكثر من 80 ألف شرطي ودركي لضبط الأوضاع، وهو انتشار اعتبره محللون "غير مسبوق" منذ الاحتجاجات ضد قانون التقاعد قبل عامين، ويقول القائم بأعمال وزير الداخلية برونو ريتايو إن التعبئة الواسعة للقوات جاءت كإجراء استباقي لتفادي أي أعمال تخريب واسعة، محذرًا من أن "المجموعات الراديكالية قد تستغل المظاهرات لإثارة الفوضى، بحسب رويترز.

خسائر ضخمة


اقتصاديًا، من المتوقع أن تكلف الإضرابات الاقتصاد الفرنسي مئات الملايين من اليورو في يوم واحد، إذ أُلغيت عشرات الرحلات بين المدن وتعطلت خدمات القطارات الدولية، فيما أغلقت آلاف المدارس والصيدليات أبوابها. وعلى الرغم من ذلك، ظلّت حركة الطيران شبه طبيعية مع تسجيل بعض التأخيرات في المطارات الإقليمية.

سياسيًا، يشكّل هذا اليوم اختبارًا حاسمًا للرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته الانتقالية بعد سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو إثر رفض البرلمان لمشروع موازنة العام المقبل.

مراقبون يرون أن ماكرون يواجه واحدة من أعقد أزماته الداخلية، إذ لم تعد المظاهرات تقتصر على النقابيين أو موظفي القطاع العام، بل امتدت إلى شرائح أوسع من المجتمع بما في ذلك الطلاب وأصحاب الأعمال الصغيرة.

الاحتجاجات الحالية تعيد إلى الواجهة النقاش حول مدى عدالة السياسات الاقتصادية الأوروبية التي تلزم الحكومات بخفض العجز المالي مهما كانت التكلفة الاجتماعية.

ويرى خبراء، أن الإجراءات التقشفية قد تؤدي إلى تقليص القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم التفاوت الاجتماعي، ما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاضطرابات السياسية وربما تعزيز فرص اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة.

في هذا السياق، يحذر المحللون من أن استمرار المواجهة المفتوحة بين الشارع والحكومة قد يترك آثارًا عميقة على الاستقرار السياسي، ويؤثر على قدرة فرنسا على لعب دور قيادي في الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الأزمات المتعددة التي تواجه القارة.