جولة ترامب الآسيوية: من كوالالمبور إلى سيول.. صفقات كبرى وسباق لتهدئة الحرب التجارية
جولة ترامب الآسيوية: من كوالالمبور إلى سيول.. صفقات كبرى وسباق لتهدئة الحرب التجارية
في أولى جولاته الآسيوية منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، يطل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مشهد إقليمي متشابك، يحمل في جعبته ملفات متفجرة تتراوح بين التجارة والطاقة والسلام، من كوالالمبور إلى سيول، يسعى ترامب لإعادة رسم خريطة النفوذ الأميركي في آسيا، ملوّحًا بصفقات ضخمة وشراكات طويلة الأمد، بينما يتهيأ لمواجهة وجهًا لوجه مع نظيره الصيني شي جينبينغ في محاولة لتبريد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
الجولة، التي تجمع بين الطابع الاقتصادي والرمزية السياسية، تأتي في لحظة حساسة تشهد فيها المنطقة سباقًا محمومًا على النفوذ ومخاوف متزايدة من تحوّل الحرب التجارية إلى أزمة اقتصادية عالمية، وبينما يعلو صوت الموسيقى التقليدية في استقبال الرئيس الأميركي في ماليزيا، تتأهب العواصم الآسيوية لمتابعة ما إذا كان ترامب سيخرج من هذه الجولة بصيغة جديدة لعلاقات أميركا مع الشرق الآسيوي أم بمجرد استعراض دبلوماسي آخر.
أولى المحطات
وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كوالالمبور في مستهل جولة آسيوية تستمر عدة أيام، تشمل ماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان، في زيارة تهدف إلى توطيد العلاقات الاقتصادية وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في منطقة تشهد تحولات متسارعة.
استُقبل ترامب في العاصمة الماليزية بحفاوة لافتة، إذ رافقت مقاتلتان من طراز "إف-18" طائرته الرئاسية لدى اقترابها من الهبوط، قبل أن يُستقبل على السجادة الحمراء من رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، وسط عرض راقص تقليدي تجاوب معه ترامب بابتسامة ورقصة قصيرة استمرت عشر ثوانٍ، ما أثار ضحك الحضور وعدسات المصورين.
في كلمته أمام قمة "الولايات المتحدة وآسيان"، قال ترامب: إن بلاده "ستكون شريكًا قويًا للمنطقة لأجيال عديدة"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "تعيش عصرها الذهبي" وأنها مستعدة لتعميق شراكاتها التجارية والأمنية مع دول جنوب شرق آسيا.
وقد أعلن خلال القمة توقيع "اتفاقية تجارية كبرى" مع ماليزيا، مشيرًا إلى أن المزيد من الاتفاقيات قيد التفاوض مع دول أخرى في المنطقة.
لقاء التنين الصيني
لكن الأضواء كلها تتجه إلى اللقاء المرتقب بين ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ في سيول، المقرر عقده يوم الخميس المقبل، والذي يوصف بأنه "الاختبار الحقيقي" للجولة.
فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، كثّف ترامب محاولاته لاحتواء الخلاف التجاري مع بكين، بعدما فرضت واشنطن عقوبات على كبرى الشركات النفطية الروسية، وهو ما دفع الصين إلى تقليص وارداتها من النفط الروسي بشكل حاد.
وفي تصريحات أدلى بها على متن الطائرة الرئاسية، أشار ترامب إلى أنه يعتزم مناقشة "ملفات معقدة" مع نظيره الصيني، من بينها تجارة الطاقة ومكافحة تهريب الفنتانيل الذي يفاقم أزمة الإدمان في الولايات المتحدة.
وأضاف: "لدينا فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق شامل، يضمن مصالح مزارعينا ويعيد التوازن التجاري مع الصين".
وتزامنت الجولة مع استئناف محادثات التجارة بين واشنطن وبكين في كوالالمبور، حيث أكد متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية أن الاجتماعات بدأت في وقت مبكر من صباح الأحد، وسط أجواء وُصفت بـ"الإيجابية والحذرة".

وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند
وخلال توقف فني في الدوحة لتزويد الطائرة بالوقود، التقى ترامب بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على متن الطائرة الرئاسية.
وأشاد الرئيس الأميركي بجهود الدوحة في "جلب السلام إلى الشرق الأوسط"، في إشارة إلى وساطتها الأخيرة في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، إلى جانب مصر وعدة دول أخرى، واصفًا قطر بأنها "حليف عظيم وشريك استراتيجي موثوق".
وفي ماليزيا، شارك ترامب لاحقًا في مراسم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند، بعد مواجهات دامية على الحدود المتنازع عليها بين البلدين في يوليو الماضي.
وقد ساهمت الإدارة الأميركية في التوسط بين الطرفين عبر قنوات دبلوماسية مكثفة.
محللون في واشنطن يرون أن الجولة الآسيوية تمثل اختبارًا مزدوجًا للرئيس ترامب، داخليًا، لإثبات قدرته على استعادة المبادرة الاقتصادية بعد عام مضطرب؛ وخارجيًا، لإقناع شركاء آسيا بأن "الولايات المتحدة عادت إلى المسرح الدولي بثوب جديد"، فبعد سنوات من الانكفاء النسبي، تسعى واشنطن الآن إلى بناء شبكة من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية توازن النفوذ الصيني المتنامي، وتمنح حلفاءها شعورًا بالاستقرار وسط التوترات الإقليمية.
إعادة تثبيت للدور الأمريكي
في هذا السياق، يرى الدكتور طارق فهمي، أن جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آسيا تحمل أبعادًا تتجاوز الطابع البروتوكولي أو الاقتصادي الظاهر، إذ تمثل في جوهرها محاولة لإعادة تثبيت الدور الأميركي في قلب المشهد الآسيوي بعد سنوات من التراجع النسبي لصالح الصين.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ترامب يسعى من خلال هذه الجولة إلى تحقيق ثلاثة أهداف متوازية: أولها، ترميم الثقة مع حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا بعد فترة من الغموض في السياسة الأميركية؛ وثانيها، التمهيد لتفاهمات اقتصادية جديدة تُعيد رسم قواعد التجارة مع الصين بما يضمن مصالح الولايات المتحدة الزراعية والصناعية؛ وثالثها، تعزيز صورة واشنطن كوسيط سلام قادر على التدخل في النزاعات الإقليمية، كما حدث في ملف كمبوديا وتايلاند.
ويشير فهمي إلى أن ترامب يعتمد في خطابه السياسي على مزيج من الحضور الشخصي القوي والدبلوماسية الاستعراضية، كما ظهر في رقصه الرمزي بكوالالمبور، في محاولة لتقديم صورة مختلفة للرئيس الأميركي الذي يمزج الصلابة بالمرونة.
ومع ذلك، يحذّر الخبير من أن نجاح الجولة سيظل مرهونًا بمدى استعداد بكين لتقديم تنازلات حقيقية في ملف التجارة والطاقة، وبقدرة واشنطن على تحويل وعودها الاقتصادية إلى التزامات ملموسة في نظر العواصم الآسيوية التي تتعامل بحذر مع العودة الأميركية المفاجئة إلى المنطقة.

العرب مباشر
الكلمات