زيارة غير تقليدية: ترامب يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي من بوابة أبوظبي

زيارة غير تقليدية: ترامب يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي من بوابة أبوظبي

زيارة غير تقليدية: ترامب يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي من بوابة أبوظبي
ترامب والشيخ محمد بن زايد

في لحظة بالغة الدلالة، حطّت طائرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مستهلة جولة خليجية تعيد رسم خطوط العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين، ليست هذه الزيارة مجرد مجاملة دبلوماسية أو محطة بروتوكولية، بل تحمل في طياتها رسالة سياسية واضحة، واشنطن ترى في أبوظبي شريكًا موثوقًا في شرق أوسط يتغير بسرعة، فمن أمن الطاقة إلى الذكاء الاصطناعي، ومن استكشاف الفضاء إلى العمل المناخي، يتسع نطاق الشراكة بين البلدين بما يتجاوز المفهوم الكلاسيكي للتحالف، وتأتي هذه الزيارة لتكرّس نهجًا جديدًا في السياسة الخارجية الأميركية، حيث تلعب التكنولوجيا والاقتصاد دورًا موازيًا للسياسة والأمن، وبينما تستعد المنطقة لمتغيرات حادة في الجغرافيا السياسية والاقتصادية، تبرز الإمارات كقوة إقليمية صاعدة تعيد توجيه بوصلتها نحو المستقبل، في وقت تستثمر فيه واشنطن هذا التوجه لتحقيق توازن جديد في الشرق الأوسط، خارج حسابات النفط وحده.

*رؤية جديدة لتحالف قديم*


زيارة ترامب إلى الإمارات تعكس انتقال العلاقة بين البلدين من الشراكة التقليدية إلى تحالف استراتيجي متعدد الأبعاد.


فمنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية في مطلع السبعينيات، حافظت الولايات المتحدة والإمارات على روابط سياسية واقتصادية وثيقة، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا نوعيًا في طبيعة هذا التعاون، مدفوعًا بالتحديات العالمية المتزايدة مثل تغير المناخ، أمن الطاقة، والثورة الرقمية.


في هذا السياق، تعتبر زيارة ترامب خطوة استباقية لترسيخ هذه العلاقة في وجه التغيرات الدولية، خاصة مع تصاعد التنافس مع الصين وروسيا في المنطقة.

*الاقتصاد أولًا: استثمارات تتجاوز التريليون*


الأرقام تتحدث عن نفسها. الولايات المتحدة تُعد سادس أكبر شريك تجاري للإمارات، وتستحوذ على نسبة معتبرة من تجارتها غير النفطية، حيث بلغت قيمة التبادل بين البلدين أكثر من 32 مليار دولار في 2024 وحده.


غير أن الأهم هو تدفّق الاستثمارات الإماراتية إلى الداخل الأميركي، التي تجاوزت تريليون دولار في مجالات حيوية مثل التصنيع، الطيران، الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي. هذا العمق الاقتصادي يجعل من العلاقة بين البلدين واحدة من أكثر الشراكات مرونة في وجه الأزمات، ويعكس تحوّل الإمارات من مجرد مستورد للأسواق الأمريكية إلى شريك استثماري فاعل.

*الذكاء الاصطناعي: محور الجيل الجديد من التعاون*


ربما لا يوجد ملف يجسّد هذا التحول بقدر ما يفعل الذكاء الاصطناعي. فخلال العام الماضي فقط، وقّع البلدان مجموعة من الاتفاقيات التي ترسخ الإمارات كمركز إقليمي للابتكار التكنولوجي.


من استثمارات مايكروسوفت في شركة G42، إلى تدشين أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر، ثم إطلاق "مؤسسة الذكاء الاصطناعي المسؤول"، يبدو أن أبوظبي وواشنطن تعملان على تأسيس بنية تحتية رقمية مشتركة. اللافت أيضًا هو الطابع الأخلاقي لهذا التعاون، حيث تسعى المؤسسات المشاركة إلى وضع معايير مسؤولة لاستخدام هذه التكنولوجيا الحساسة، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من انحرافات الذكاء الاصطناعي عالميًا.

*الفضاء: من المريخ إلى القمر.. بأيدٍ إماراتية*


بعيدًا عن الأرض، تتسع الشراكة نحو الفضاء، الإمارات التي أطلقت مسبار الأمل إلى المريخ قبل سنوات، أصبحت اليوم شريكًا رئيسًا في مشروع "بوابة القمر" التابع لناسا. ومن خلال التعاون مع جامعة كولورادو، وتطوير وحدة خاصة للهواء ضمن محطة القمر، تستعد الإمارات لإرسال رائد فضاء إلى مدار القمر بحلول عام 2030.
هذه المشاركة العلمية ترسّخ صورة الإمارات ليس فقط كدولة ذات طموحات فضائية، بل كحليف علمي وعالمي لأمريكا في السباق نحو خارج الغلاف الجوي.

*المناخ والطاقة: من الوقود إلى المستقبل*


واحدة من أبرز ثمار هذا التحالف هي الشراكة من أجل تسريع الطاقة النظيفة (PACE)، التي تهدف إلى إنتاج 100 جيجاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2035، عبر تعبئة استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار.


الإمارات، التي قطعت شوطًا كبيرًا في مشاريع الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، تعتبر شريكًا مثاليًا للولايات المتحدة في هذه الرؤية.


كذلك، فإن التعاون في مبادرة AIM for Climate يعكس التزامًا مشتركًا بتحويل الزراعة إلى قطاع مستدام يواجه تحديات الجفاف وندرة المياه.

*البعد السياسي والأمني*


رغم الطابع الاقتصادي والتكنولوجي للزيارة، لا يمكن إغفال البعد السياسي. فاختيار الخليج، وتحديدًا الإمارات، كمحطة أولى لجولة ترامب، يشير إلى رغبته في إعادة ضبط البوصلة الأمريكية في الشرق الأوسط.

فمع اهتزاز تحالفات واشنطن في مناطق أخرى من العالم، تعوّل الإدارة الأمريكية على استقرار الخليج كمركز نفوذ استراتيجي.
كما أن التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين يبقى ركيزة أساسية، لا سيما في ظل التحديات المتزايدة من إيران والحرب المستمرة في اليمن، وتطورات البحر الأحمر.