الضفة الغربية تشهد أعلى معدلات للعنف من المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين منذ 2006

الضفة الغربية تشهد أعلى معدلات للعنف من المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين منذ 2006

الضفة الغربية تشهد أعلى معدلات للعنف من المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين منذ 2006
الضفة الغربية

تشهد الضفة الغربية المحتلة موجة غير مسبوقة من العنف بقيادة مستوطنين إسرائيليين متطرفين، حيث سجلت هجماتهم ضد القرى الفلسطينية أعلى معدل لها منذ بدء الأمم المتحدة في تتبع هذه الأحداث عام 2006. 
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تأتي هذه الهجمات، التي تتضمن الحرق العمد والاستيلاء على الأراضي، في وقت يتركز فيه اهتمام العالم على الحرب في غزة، مما يتيح للمستوطنين المتطرفين تنفيذ حملاتهم العنيفة بفعالية أكبر.

هجمات ليلية وتخريب متعمد في قرية برقة


وفي قرية برقة الفلسطينية الواقعة على تلة في الضفة الغربية المحتلة، تسلل مجموعة من المستوطنين الملثمين بعد منتصف الليل إلى ساحة لتخزين السيارات المستعملة على مشارف القرية. 


ووفقًا لتسجيلات كاميرات المراقبة، قام المهاجمون برش مادة قابلة للاشتعال على عدة سيارات قبل إضرام النار فيها. 


كما كتب أحدهم كلمة "الانتقام" بالعبرية على جدار إحدى الحظائر، مع ذكر اسم مستوطنة إسرائيلية قريبة. 


وكانت هذه الهجمة الثالثة في تلك الليلة من يوليو الماضي في هذه المنطقة الوسطى من الضفة الغربية، والسابعة التي تستهدف ساحة السيارات هذه منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، وفقًا لمالك الساحة، محمد صبر عسالية، البالغ من العمر 56 عامًا. 


وقال عسالية: "قبل الحرب، كانوا يضايقوننا، لكن ليس بهذا الشكل، الآن، يُحاولون طرد أكبر عدد ممكن من السكان والاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي".

أرقام وإحصائيات مقلقة


وفقًا لسجلات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نفذ المستوطنون أكثر من 750 هجومًا على الفلسطينيين وممتلكاتهم خلال النصف الأول من عام 2025، بمعدل يقارب 130 هجومًا شهريًا، وهو أعلى معدل شهري منذ بدء تتبع هذه الحوادث. في المقابل، سجل الجيش الإسرائيلي، الذي يمثل السلطة السيادية في الأراضي المحتلة، 440 هجومًا خلال الفترة ذاتها، وفقًا لسجلات داخلية غير منشورة اطلعت عليها صحيفة "نيويورك تايمز". 


وتابعت الصحيفة أنه على الرغم من تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه يسعى لمنع هذه الهجمات، إلا أن تحقيقًا أجرته "نيويورك تايمز" العام الماضي كشف عن فشل السلطات الإسرائيلية على مدى عقود في فرض قيود صارمة على المستوطنين المتورطين في أعمال إجرامية، بينما يُحاكم الفلسطينيون عادةً بموجب القانون العسكري، يخضع المستوطنون للقانون المدني، وغالبًا لا يتم محاكمتهم أصلًا.

شهادات من القرى المتضررة


زار مراسلو "نيويورك تايمز" خمس قرى فلسطينية تعرضت لهجمات حديثًا، واطلعوا على تسجيلات كاميرات المراقبة ومقاطع فيديو من هواتف السكان، وأجروا مقابلات مع سكان القرى المتضررة، وضباط في الجيش الإسرائيلي، وقادة من المستوطنين. 


وكشفت التحقيقات أن المستوطنين الملثمين يتسللون عادةً إلى القرى الفلسطينية في ساعات الليل المتأخرة، حيث يضرمون النار في المركبات والمباني. 


وفي بعض الحالات، يهاجمون خلال النهار، مما يؤدي إلى مواجهات مع السكان، وأحيانًا مع الجيش الإسرائيلي، ما أسفر عن مقتل فلسطينيين عدة، بما في ذلك فلسطيني أمريكي.
وفي إحدى الحوادث، ألقى مستوطنون قنبلة حارقة داخل غرفة نوم طفل، وفقًا لعائلته.

أهداف سياسية وأيديولوجية


في حين أن غالبية الـ700 ألف إسرائيلي يهودي الذين استقروا في الضفة الغربية وشرق القدس منذ عام 1967 لا يشاركون في هذا العنف، فإن قادة المستوطنين الرئيسيين يؤكدون أن لهم الحق في الأرض، لكنهم يعارضون مهاجمة الفلسطينيين. 


ومع ذلك، يعترف قادة متشددون، مثل أرييل دانينو، الناشط البارز بين المستوطنين، بأن هدفهم هو ترهيب الفلسطينيين لإجبارهم على مغادرة مناطق استراتيجية يأمل الفلسطينيون أن تشكل يومًا ما العمود الفقري لدولتهم. 


وقال دانينو في مقابلة عام 2023: "إجلاء السكان ليس أمرًا لطيفًا، لكننا نتحدث عن حرب على الأرض، وهذا ما يُفعل في أوقات الحرب".

استهداف مجتمعات الرعاة والقرى الكبرى


على مدى سنوات، ركز المستوطنون هجماتهم على مجتمعات الرعاة الصغيرة شبه البدوية في سلسلة من التلال النائية شمال شرق رام الله. 


وقد نجحت هذه الحملة إلى حد كبير، حيث أُجبرت 38 مجتمعًا على مغادرة قراهم ومعسكراتهم منذ عام 2023، وفقًا لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان. 


هذا التراجع أضعف الوجود الفلسطيني في تلك المناطق، مما سمح للمستوطنين بإقامة بؤر استيطانية جديدة.


ومنذ بداية عام 2023، أقام المستوطنون أكثر من 130 بؤرة استيطانية غير مصرح بها في مناطق ريفية بالضفة الغربية، وهو عدد يفوق ما تم إنشاؤه خلال العقدين السابقين مجتمعين، وفقًا لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية التي تدعم إقامة دولة فلسطينية.

هجمات على قرى أكبر وأكثر ثراءً


وفي الآونة الأخيرة، وسّع المستوطنون نطاق هجماتهم لتشمل قرى فلسطينية أكبر وأكثر ثراءً واتصالًا، مثل برقة وبيتين القريبتين من رام الله. في بيتين، استيقظ عبدالله عباس، معلم متقاعد، بعد منتصف الليل على صوت سيارته وهي تحترق، واكتشف نجمة داوود مرسومة على جدار حديقته. 


بعد ساعة تقريبًا، تسلل ملثمون إلى فناء منزل ليلى جرابا، 28 عامًا، ورشوا مادة قابلة للاشتعال على سيارتها قبل إضرام النار فيها. 
وقالت جرابا، التي كانت مختبئة داخل منزلها مع زوجها وطفليها: "كنا نعلم أن دورنا سيأتي. إنهم يريدون أخذ هذه الأرض وطردنا منها".

دور الحكومة الإسرائيلية


تتزامن هذه الهجمات مع جهود الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها جزئيًا نشطاء استيطانيون، لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية. ومنذ تولي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصبه أواخر عام 2022، سمحت حكومته بتشريع أكثر من 30 مستوطنة، بعضها كان قد أُقيم سابقًا دون تصريح رسمي. 


كما قامت القوات العسكرية الإسرائيلية بهدم أحياء حضرية رئيسية في شمال الضفة الغربية، ونصبت مئات الحواجز والنقاط العسكرية، مما زاد من تعقيد حياة الفلسطينيين وأضر بالاقتصاد المحلي.

خسائر مادية وإنسانية


في قرية برقة، تسببت هجمات الحرق المتكررة في أضرار جسيمة لعشرات السيارات المستعملة التي كان عسالية يخطط لإصلاحها وبيعها. 


وقد خسر مخزونًا بقيمة عشرات الآلاف من الدولارات، مما جعل استمرار عمله في القرية أمرًا شبه مستحيل. 


وقال: "الحياة لم تصبح غير محتملة تدريجيًا، بل هي بالفعل غير محتملة. نحن محاصرون، لا نستطيع حتى رعي مواشينا، نحن محبوسون".

غياب العدالة


وأكدت الصحيفة أنه لم يتم القبض على أي من المهاجمين في هذه الحوادث، على الرغم من فتح الشرطة الإسرائيلية تحقيقات. 
وقالت الشرطة في بيان إن بعض المشتبه بهم تم توقيفهم لفترة وجيزة، لكن تم إطلاق سراحهم لاحقًا بسبب نقص الأدلة.


ويظل السكان الفلسطينيون في هذه القرى يعيشون تحت وطأة الخوف من هجمات مستقبلية، في ظل غياب الحماية الكافية والعدالة.