لماذا تبقى حركة الشباب العقبة الأصعب أمام أمن الصومال رغم الدعم الدولي؟

لماذا تبقى حركة الشباب العقبة الأصعب أمام أمن الصومال رغم الدعم الدولي؟

لماذا تبقى حركة الشباب العقبة الأصعب أمام أمن الصومال رغم الدعم الدولي؟
حركة الشباب

في بلد يتأرجح بين هشاشة الاستقرار وضغوط الإرهاب، تبدو الصومال اليوم أمام اختبار أمني بالغ التعقيد، فمن جهة، تخوض القوات المحلية معارك طاحنة في جبال بونتلاند الشمالية ضد فلول تنظيم "داعش" الذي وجد في التضاريس الوعرة ملاذًا مؤقتًا لإعادة ترتيب صفوفه، ومن جهة أخرى، تواصل العاصمة مقديشو مواجهة هجمات متكررة لحركة "الشباب" التي ما تزال تمثل التهديد الأبرز لسلطة الدولة ومؤسساتها.

 هذه المعادلة المزدوجة تكشف أن الحرب ضد الجماعات المتطرفة ليست مجرد صراع عسكري، بل معركة سياسية واجتماعية تتطلب بناء مؤسسات راسخة وشراكات دولية فعّالة.

 وبينما تعلن السلطات المحلية عن "إنجازات حاسمة" في الشمال، تتكثف الجهود الدبلوماسية في قلب العاصمة لتعزيز قدرات الشرطة ورفع جاهزية الأجهزة الأمنية، في المشهد الصومالي الراهن، يلتقي البعدان العسكري والسياسي في نقطة واحدة: منع البلاد من الانزلاق مجددًا نحو فوضى تعيد إنتاج دوامة العنف.

معارك بونتلاند.. تفكيك معاقل داعش

تشهد ولاية بونتلاند في شمال شرق الصومال عمليات عسكرية متواصلة تستهدف اجتثاث عناصر تنظيم "داعش" من الجبال الممتدة في إقليم بري.

 الرئيس سعيد عبدالله دني وصف الحملة الأخيرة بأنها "حاسمة"، مؤكدًا أن قواته تمكنت من تقليص قدرات التنظيم إلى حد كبير، لا سيما في مجالي التجنيد والتمويل. 

وأوضح، أن العديد من المقاتلين الأجانب، الذين تسللوا عبر قنوات مشبوهة تحت غطاء التجارة أو السياحة، قد لقوا مصرعهم خلال المواجهات الأخيرة.

رغم هذه النجاحات، تبقى المعركة غير مكتملة. تقارير ميدانية أشارت إلى أن مقاتلي داعش ما يزالون يحتفظون بجيوب في بعض المناطق الجبلية النائية، ويستغلون الطبيعة الصعبة لتلك التضاريس في إقامة معسكرات تدريب متنقلة ومخابئ آمنة.

 وتبذل قوات بونتلاند جهدًا كبيرًا لإحكام الطوق ومنع أي محاولة للتنظيم لإعادة التمركز أو استقطاب مقاتلين جدد، في وقت يشكل فيه الانتصار العسكري مجرد خطوة أولى على طريق طويل يتطلب معالجة فكرية وتنموية لحرمان التنظيم من بيئة حاضنة.

مقديشو.. قلب السياسة والأمن

بينما تتركز الجهود العسكرية في الشمال، تظل العاصمة مقديشو في قلب المشهد الأمني والسياسي، فهي ليست فقط مركز القرار الوطني، بل أيضًا الهدف الأول لهجمات حركة "الشباب" التي تتبنى استراتيجيات عنيفة تراوح بين التفجيرات الانتحارية والهجمات المباشرة على المقار الحكومية.

ورغم تعزيز الإجراءات الأمنية في محيط المؤسسات، فإن الهجمات المتقطعة تظل مصدر قلق يومي للسكان، ما يعكس الحاجة إلى بناء جهاز أمني أكثر فعالية وتماسكًا.

في هذا السياق، عقد وزير الأمن الداخلي، عبد الله شيخ إسماعيل (فرتاج)، اجتماعًا مع الممثل الخاص للأمم المتحدة جيمس سوان، بحثا خلاله آليات دعم قدرات قوات الأمن، ولا سيما الشرطة، وإطلاق المرحلة الثانية من خطة الشرطة المشتركة.

كما تم التطرق إلى ملف تجنيد الأطفال، وهو أحد أخطر التحديات التي تستغلها الجماعات المسلحة لإطالة أمد نفوذها.

الشراكة الدولية.. رافعة ضرورية

الحكومة الصومالية تدرك أن المواجهة مع الإرهاب لا يمكن أن تُخاض وحدها، ولهذا جاء الاجتماع مع الأمم المتحدة ليؤكد على عمق الشراكة الدولية في الملفات الأمنية. 

الممثل الأممي جيمس سوان شدد على التزام المنظمة بمواصلة تقديم الدعم الفني واللوجستي، معتبرًا أن نجاح الصومال في تعزيز الاستقرار يمثل ركيزة أساسية لأمن القرن الأفريقي ككل.

هذا التعاون الدولي لا يقتصر على التدريب والتسليح، بل يشمل أيضًا إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وتوفير برامج تنموية بديلة تسهم في تجفيف منابع التجنيد، فالمعادلة الصومالية باتت أوضح من أي وقت مضى: لا أمن بلا تنمية، ولا تنمية بلا استقرار سياسي.

هجمات الشباب.. التحدي المستمر

رغم ما تحقق في جبهات عدة، تواصل حركة الشباب فرض تهديدها على العاصمة والمدن الكبرى، تقارير أمنية كشفت أن الحركة طورت تكتيكاتها لتفادي الحملات الأمنية المكثفة، معتمدة على خلايا صغيرة وعمليات سريعة تستهدف إرباك الدولة واستنزاف مواردها، وفقًا لـ"رويترز".

وقد أدى ذلك إلى سقوط عشرات القتلى من المدنيين والعسكريين خلال الأشهر الماضية، وهو ما يعكس أن المعركة مع الحركة لن تُحسم بسهولة، وتزداد التحديات تعقيدًا عندما يُنظر إلى الصومال من زاوية إقليمية، فالموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد على خليج عدن والمحيط الهندي يجعله ساحة اهتمام دولي، ويمنح التنظيمات المتطرفة فرصة لاستغلال طرق التهريب البحرية لتمويل أنشطتها.

تهديد حركة الشباب أكثر تعقيدًا

 من جانبه، يرى الباحث في شؤون القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس سليمان، أن المعركة التي تخوضها الصومال اليوم تتجاوز كونها مواجهة عسكرية مع جماعات مسلحة إلى كونها معركة هوية ومؤسسات.

ويشير سليمان في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ما يجري في جبال بونتلاند يكشف عن قدرة الدولة الصومالية على شن عمليات نوعية قادرة على تفكيك بنية تنظيم داعش، لكن التحدي الأكبر يكمن في استدامة هذه الانتصارات ومنع عودة المقاتلين الأجانب عبر الحدود المفتوحة.

أما في العاصمة مقديشو، فيعتبر سليمان أن التهديد الذي تمثله حركة الشباب أكثر تعقيدًا لأنه مرتبط مباشرة بغياب التنمية وضعف الخدمات الأساسية، ما يجعل الحركة قادرة على استغلال الإحباط الشعبي.

ويضيف: أن تعزيز الشراكة مع الأمم المتحدة والداعمين الدوليين يشكل خطوة مهمة، لكنه لا يغني عن الحاجة إلى مشروع وطني متكامل يعيد الثقة بين المواطن والدولة.

ويخلص الباحث إلى أن استقرار الصومال لن يتحقق بالحلول الأمنية وحدها، بل عبر صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة أوسع للمجتمعات المحلية في إدارة شؤونها، ويضع حدًا لاستخدام الدين كأداة للتعبئة العنيفة، فبدون هذه المقاربة الشاملة، ستظل التنظيمات الإرهابية تجد في هشاشة الدولة تربة خصبة لإعادة إنتاج نفسها.