الحكومة السورية تصدر أرقاماً غير واقعية.. والموجة الثانية لـ«كورونا» تهدد بكارثة إنسانية
تثير الأرقام الرسمية في سوريا عن حصيلة المصابين بفيروس كورونا المستجد منذ بداية التفشي جدلًا كبيرا، فالبيانات الرسمية تؤكد أن إجمالي الحالات لم يصل إلى حاجز الـ6 آلاف حالة، وأن حالات الشفاء تخطت الألفي حالة ببضع عشرات، أما حالات الوفيات فلم تكسر حاجز الـ300 حالة حتى الآن، رغم أن الظروف المأساوية التي تعيشها سوريا تؤكد أن البلاد تعتبر بيئة خصبة لتفشي فيروس كورونا في ظل ضعف القطاع الصحي وانعدام الخدمات وصعوبة الحصول على الدواء والحروب التي لا تتوقف ليلًا ونهارًا.. فأين الحقيقة؟
الصحة العالمية: الأرقام الحقيقية للإصابات بـ«كورونا» في سوريا أعلى بكثير من المعلنة
في بداية الشهور الأولى لتفشي فيروس كورونا لم تعترض منظمة الصحة العالمية على الإحصاءات الحكومية في سوريا، إلا أنها في النهاية وجدت نفسها مجبرة على التصريح بأن ضعف الإمكانيات الخاصة بالفحص تسبب في إخفاء حجم الأزمة الحقيقية في سوريا خاصة مع الأعداد الضخمة التي تم تسجيلها في الدول المجاورة لسوريا.
مؤكدين أن سوريا واحدة من أكبر البلدان المعرضة بشكل كبير لتفشي الفيروس بشكل شديد الخطورة في ظل الانهيار التام في المنظومة الصحية كنتيجة طبيعية لحرب تستمر منذ ما يقرب من العقد الكامل وزيادة معدلات الفقر والتشريد والتهجير.
وقالت أكجيمال ماجتيموفا، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، نقلا عن بيانات رصد وتحليل وبائي وتقارير وزارة الصحة، "لا تزال حالات كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها، والعدد الحقيقي لحالات "كوفيد-19" أعلى بكثير.. دمشق وريف دمشق هما الأكثر تضررا".
أبرزها «الأطباء والمحامين».. النقابات تستغيث من ضخامة أعداد المصابين
في السياق ذاته كشفت مصادر مطلعة أن عدد الوفيات هائل في سوريا ووصل إلى 120 حالة يوميًا في يوليو الماضي وانخفض تدريجيًا ليصل إلى ما يقرب من 70 حالة يوميًا خلال شهري 9 و10، وهي أعداد كارثية ليس لها علاقة بما تعلن عنه الحكومة.
ومن جانبها أعلنت نقابة أطباء سوريا خلال الشهور الماضية عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء عشرات الأطباء الذين خسرتهم سوريا في حربها ضد جائحة كورونا.
وأكد مصدر مسؤول في النقابة أن هناك ما لا يقل عن 131 حالة وفاة مؤكدة بسبب الإصابة بفيروس كورونا في صفوف العاملين بالقطاع الطبي، بالإضافة إلى عشرات الحالات المشتبه في إصابتها ولا تتوفر الإمكانيات للكشف عن حقيقة إصابتهم أو علاجهم منها.
في السياق ذاته، حذر نقيب المحامين في سوريا الفراس فارس زملاءه في رسالة من "انتشار الوباء بشكل كبير في الدوائر والمحاكم التابعة لوزارة العدل ووفاة عدد كبير من زملائنا المحامين"، مؤكدًا أن أعداد الإصابة بين المحامين والعاملين في المحاكم ووزارة العدل كبير للغاية دون وجود وسيلة لتقديم المساعدة لهم، مشددًا على خطورة دعم مسؤولي قطاع الصحة لتحويل بعض المنازل إلى مراكز للعلاج وهو الأمر الذي يعرض الكثيرين لخطر الإصابة.
إحصاء الدولة لتصاريح الدفن ومقارنتها بالفترة نفسها من العام الماضي سيكتشف الكارثة
يقول، خالد ميداني، 34 عاما، الظروف في سوريا سيئة للغاية وتعتبر بيئة خصبة للغاية لانتشار الفيروس؛ فالإمكانيات معدومة والوعي كذلك معدوم والفقر الشديد يمنع المواطنين من تطبيق وسائل الحماية اللازمة من مطهرات وكمامات وغيرها.
وأضاف ميداني: أعرف أكثر من 100 شخص فقدوا حياتهم بسبب الإصابة بفيروس كورونا، ورغم هذا تصر الدولة على أن عدد الوفيات لم يتجاوز الـ300 شخص وهو أمر غير منطقي بالمرة، فنحن نعيش بجانب منطقة بها إحدى المقابر وأشهد يوميًا عشرات الجنازات بشكل لافت للنظر.
وتابع ميداني: كنت أرى يوميًا ما لا يزيد عن 10 : 15 جنازة، وخلال الشهور الماضية زادت الجنازات لتصل لأكثر من 50 جنازة يوميًا، موضحًا أن الدولة إذا قررت إحصاء عدد تصاريح الدفن التي تخرجها يوميًا مقارنة بعدد التصاريح التي تم إصدارها في الفترة نفسها من العام الماضي ستدرك أن تفشي الوباء يفوق أبشع كوابيسها.
الأعداد الحقيقية مفزعة.. وتختلف من مكان لآخر في سوريا باختلاف الإمكانيات
في السياق ذاته، يقول باسل حميد، 44 عاما، محامٍ سوري، الدولة عاجزة عن اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاصرة كورونا، فالفقر والحرب تحاصر الجميع بما فيهم المسؤولين وتستهلك طاقة الجميع، الأعداد ضخمة بالفعل وبناء على ما أراه في عملي يوميًا فالوعي غائب تمامًا والمحاكم والمؤسسات الخدمية تمتلئ بالمرضى دون أي إجراءات احترازية لتقليل العدوى.
وتابع حميد: أعداد المصابين في الشمال غير الجنوب غير الغرب، والحقيقة الواضحة أن الأعداد الرسمية ليس لها علاقة على الإطلاق بالأعداد الفعلية للمصابين، وتختلف فقط باختلاف الإمكانيات في كل مكان عن غيره، ولكن إذا عدنا لأعداد الوفيات الزائدة عن الأعداد الطبيعية سنكتشف حقيقة الأعداد الفعلية للمصابين في ظل عجز القطاع الصحي عن التصدي للجائحة.
وأضاف: البعض حوّل منازله إلى أماكن لتقديم الخدمة الصحية والقطاع الصحي ومسؤولوه وافقوا على ذلك رغم ما يحمله من مخاطر جمة بسبب ضعف الخبرات وعدم صلاحية الأماكن لاحتواء الفيروس، فتلك المنازل رغم الخدمة الإنسانية التي تقدمها إلا أنها تحولت تدريجيًا لبؤر لانتشار الفيروس على نطاق أوسع، مشددًا على أن سوريا تحتاج مساعدة دولية عاجلة وفحص لأكبر عدد ممكن من المواطنين لحصار الفيروس قبل تحوله لكارثة إنسانية غير مسبوقة مع دخول الموجة الثانية لتفشي فيروس كورونا.