المغرب.. معاناة 18 ألف عالق بالخارج بسبب كورونا في ظل تجاهل الحكومة

المغرب.. معاناة 18 ألف عالق بالخارج بسبب كورونا في ظل تجاهل الحكومة
صورة أرشيفية

تجاهلت إجراءات المملكة المغربية الاحترازية لمحاصرة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أزمة المواطنين العالقين في الخارج، حتى باتوا يشبهون مأساتهم حول طريقة تعامل الحكومة مع العالقين في عدد من الدول، والذين ترفض، إعادتهم إلى المغرب، بأنهم يتامى لا يشعر بهم أحد وتخلت عنهم حكومتهم.

من ناحيتها، تفسر الحكومة المغربية رفضها أكثر من 18 ألف شخص، بعجزها في توفير المراقبة الطبية لهم فور عودتهم إلى البلاد، خوفاً من احتمالات نقلهم لعدوى فيروس "كورونا"، وهو الأمر الذي يعتبره العالقون غير منطقي، مؤكدين أن الحكومة قادرة على إعادتهم بشكل تدريجي، ووضعهم أفواجاً في الحجر الصحي بالفنادق إلى حين التأكد من عدم إصابتهم.

حكومتنا تخلت عنا 

اعتبرت أسماء سعيد خلال حديث لـ"العرب مباشر"، وهي متواجدة في بلجيكا، أن حكومة بلادها لم تتخذ أي إجراءات خاصة بالمواطنين العالقين بالخارج، وركزت جهودها على محاصرة الفيروس في الداخل فقط، متسائلة: "أليس المواطنون بالخارج أنفسهم المواطنين بالداخل أبناء المغرب".

وأضافت سعيد: "شعور تخلي بلدنا عنا في الأزمة العالمية يزيد من الحسرة والانكسار داخل قلوبنا، لا نعرف أين يمكن أن نلجأ، ولاسيَّما أن جميع أموالنا نفدت وبات من الصعب أن نوفر احتياجاتنا الغذائية".

وحول مبررات الحكومة، تقول: "الحكومة بررت تخوفها من إعادتنا بعدم قدرتها من متابعة حالتنا جميعا، ولكن ما المانع من وضعنا بالفنادق الفارغة وتركنا لمدة 15 يوماً حتى التأكد من خلونا من الفيروس"، مبدية تعجبها من مبرر الحكومة المغربية، ولاسيَّما أن بلدان العالم كافة أعادوا مواطنيهم إلى بلدانهم، حتى العالقين الذين كانوا في بلدان يتفشى بها الوباء.

إضراب عن الطعام بسبب إجراءات الحكومة 

حاول المغاربة العالقون بالخارج، التصعيد ضد إجراءات الحكومة وتجاهلها لمطالبهم، خاصة عقب توجيه رسالة لها، الشهر الماضي، موقعة من طرف مئات الأشخاص المعنيين بمطلب الإعادة إلى المغرب، نددوا فيها بغياب أي طرح لدى الحكومة لإعادتهم إلى المملكة، حيث لم تعبر الحكومة عن أي استعداد لتلبية مطلبهم؛ ما دفع بعضهم إلى الانخراط في أشكال احتجاجية على تعاطي الحكومة مع ملفهم، كما هو حال منصف السعيد، وهو محام عالق بمدينة سبتة، حيث دخل في إضراب مفتوح عن الطعام منذ ثلاثة أيام.

يقول السعيد، من سبتة: "دخلت في إضراب عن الطعام بسبب إهمال السلطات المغربية للمغاربة العالقين بسبتة ومليلية، وعدم محاولة التواصل معهم ودعمهم، ولو بطرق غير مباشرة، زيادة على ضبابية موقف الحكومة من مسألة إعادتنا بعد أزيد من شهر من المعاناة".

ويَعتبر السعيد أن دخوله فيما سمّاها "معركة الأمعاء الخاوية"، رغم مخاطرها على صحته، "هي تضحية في سبيل الكل، ولإسماع صوتنا بعد أن طرقنا كل الأبواب دون أي تفاعل بصفة نهائية".

صعوبات مادية خانقة.. وضغوط نفسية وعصبية لا يمكن تجاوزها 

ووفقاً للرسالة المبعوثة إلى الحكومة المغربية، فإن المغاربة العالقين في الخارج يعيشون ضغوطاً نفسية كبيرة، ذلك أن منهم أشخاصا مسنّين، ومرضى مصابين بأمراض مزمنة يحتاجون إلى متابعة طبية مستمرة، ومنهم من ترك أطفاله الصغار في المغرب، ومنهم من ترك عمله ويخشى أن يجد نفسه بلا عمل بعد العودة إلى المغرب.

يقول رشيد بلقاسم في حديثه لـ"العرب مباشر": علقت بفرنسا رفقة والدي المسن، الذي يعاني منذ أسبوعين من انهيار عصبي، حيث جاءنا إلى هنا في شهر يناير لإجراء عملية جراحية له، وتركت ابنتيّ الصغيرتين اللتين لا يتجاوز عمرهما سبع وثلاث سنوات، رفقة أمهما في المغرب لوحدهن، علما أن زوجتي صيدلانية وواجبها الوطني والمهني يقتضي استمرارها في عملها، دون أن يخفى ما لذلك من مخاطر التقاط عدوى فيروس كورونا، فمن سيرعى مَن، لو قدر الله انتقل لديها الوباء".

وتابع بلقاسم: "حالياً أنا ووالدي غير قادرين على العودة إلى بلادنا ولا نعرف من سيعتني بأسرتي الصغيرة، وبات يتنامى لدي شعور بأنني يمكن أن أموت هنا دون أن أرى ابنتي".

تجاهُل لا يمكن الصمت عنه

فيما توضح نجاة ربيعي عالقة بـ"فرنسا" أيضاً، في حديث لـ"العرب مباشر"، أن في البداية شكل قرار إغلاق المغرب لحدوده صدمة لجميع المتواجدين بالخارج، ولكن قرر العالقون الصبر والانتظار أسبوعاً، أو أسبوعين، بينما أثار غضبهم صمت الحكومة حول مصيرهم ومطالبهم، مردفة: "نواجه هنا أزمات مادية واجتماعية وصحية وحتى نفسية؛ إذ من الصعب أن يجد الإنسان نفسه محاصراً في بلد بعيد عن أهله وأرضه وناسه خاصة في ظروف مثل التي يعيشها العالم، لقد تفهمنا الوضع، لكن مع مرور الوقت كان هناك ضغط نفسي، لأننا تركنا أبناءنا وأسرنا في المغرب على أمل العودة بعد أيام قليلة، وهناك من ترك والديه الكبار في السن أو أطفاله الصغار".

وتشير المتحدثة إلى أن هناك أشخاصاً كباراً في السن يعانون الأمرين، رغم وضعهم في الفنادق، لأن منهم من يحتاج إلى متابعة طبية، ومنهم من يفرض عليه وضعه الصحي أن يخضع للحمية، مثل مرضى السكري، وهو ما لا يمكن تحقيقه، مضيفة: "القنصليات حاولت أن توفر قدر الإمكان الأدوية والمأكل والمبيت، ولكن إلى متى، علماً أن هناك مغاربة لم يتم التكفل بهم، لأن القنصليات لا تتوفر على الإمكانات المادية لإيواء الجميع".

ارتباك العثماني.. غياب لنية حكومته في إعادة المواطنين العالقين

بدا الارتباك واضحاً في كلام رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، عند سؤاله في حوار صحفي عن مصير المغاربة العالقين بالخارج الذين انقطعت بهم السبل وأغلقت عليهم الحدود، ليجدوا أنفسهم تائهين بين مناشدتهم العودة إلى وطنهم وانقضاء أموالهم وغياب سكن ونفسيات متعبة.

رئيس الحكومة قال: إنه يواكب وضعيه المغاربة العالقين بالخارج، مؤكداً أنه يتوصل بشكاياتهم ورسائلهم باستمرار، مضيفاً أن الحكومة اتخذت السيناريوهات كاملة وتشتغل عليها، دون أن يوضح طبيعة هذه السيناريوهات للتخفيف عن العالقين أو بصيغة أخرى المشردين خارج وطنهم، وفي جملة مثيرة للانتباه قال إنه بمجرد اتخاذ قرار فتح الحدود سيدخلون إلى وطنهم، وهو ما يضيع آمال المواطنين بالعودة قريباً إلى حضن أهاليهم وعائلاتهم.