تتركهم بلا مأوى أو غذاء أو دواء.. "ميليشيا الوفاق" لا ترحم النازحين
في كل مأساة إنسانية يعاني منها أي مواطن عربي تجد النظام التركي وعلى رأسه رجب طيب أردوغان حاضرًا وبقوة، هروبًا من أماكن الصراع لجأ الليبيون للنزوح بعيدًا عن مناطق الخطر، بعضهم فقد منزله في الحرب والبعض الآخر أخرجته الميليشيا المتطرفة التابعة للسراج وأردوغان من بيته لتلغيم البيت لإسقاط أكبر عدد من جنود الجيش الليبي، والبعض فضل الهروب بعيدًا عن المعارك الطاحنة التي لا تصلح معها الحياة بشكل طبيعي.
طول سنوات الحرب أرهق الليبيين وعدد النازحين يزداد يوميًّا
معاناة النازحين والمهجرين في ليبيا بعد سنوات من الحرب التي تطحن بلادهم لا تزال مستمرة حتى ساعة كتابه هذه السطور، بلغ عدد العائلات النازحة حسب إحصائية للأمم المتحدة أكثر من 65 ألف عائلة خلال العام الماضي فقط، ويزيد عدد النازحين يومًا بعد يوم.
مراقبون أكدوا أن أكبر المشاكل التي تواجه المسؤولين في ليبيا هي توفير مأوى للنازحين فأعدادهم تتضاعف منذ عام 2011 حتى الآن وأصبح لا يوجد مكان يكفي لإيواء المزيد بعد أن تجاوز عدد النازحين النصف مليون ليبي وذلك وفقًا لبيانات جديدة جمعتها المنظمة الدولية للهجرة التي نبهت على خطورة الوضع الإنساني في البلاد جراء استمرار الصراع.
من جانبها قالت منظمة الهجرة: إن الأعمال العدائية للميليشيات المسلحة والخارجة عن القانون حولت حياة الليبيين إلى جحيم، وكذلك قصف الطائرات التركية ومدفعية السراج قد ألحقت ضررًا هائلًا بالبنية التحتية وأكثر المتضررين هو مرفق الصحة الذي لم يصمد هو الآخر أمام تفشي وباء كورونا.
وقال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا: إنّ الوضعية الإنسانية في ليبيا لم تشهد حالة أسوأ من هذه منذ أن بدأ النزاع السنة المنقضية. لم تكن الاحتياجات في يوم من الأيام أكبر مما هي عليه اليوم، ولم تكن الظروف محفوفة بالمخاطر كحالها اليوم.
وأضاف: أنه رغم نداءات وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، إلا أن المعارك ما زالت محتدمة وسط مخاوف جدية من تفشي "كوفيد-19".
"كورونا" يهدد حياة النازحين واللاجئين.. ولا مهرب منه
أكثر ما يخيف النازحين في ليبيا هو غياب الرعاية الصحية بشكل كامل، مضطرون للاختلاط ببعضهم البعض ولا يوجد مجال لتطبيق التباعد الاجتماعي، وفي الوقت نفسه لا توجد مستشفيات مجهزة لهم ولا دواء في الصيدليات لعلاجهم، موضحة أن تدهور الوضع الأمني أدى إلى منع عشرات الآلاف من الأشخاص الذين سبق لهم الفرار إلى أماكن آمنة، من العودة لمناطقهم الأصلية.
وهو ما أكدته المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول تدهور الوضع الإنساني في ليبيا في ظل استمرار النزاع المسلح وانتشار فيروس كورونا المستجد، حيث أكدت المفوضية أن الحياة اليومية للمدنيين من نازحين ولاجئين تزداد صعوبة في كل ساعة تمر بسبب اضطرارهم للعيش في أماكن ضيقة وبأعداد كبيرة وغياب وسائل الوقاية الصحية وكذلك عدم وجود مستشفيات مؤهلة لاستقبالهم.
وحذرت المفوضية من كارثة إنسانية وشيكة الحدوث إذا لم يتم احتواء هذا الفيروس في ظل ضعف الخدمات الصحية في ليبيا، محذرة من أن الصراع الليبي وجرائم أردوغان وميليشيات السراج تتعمد تدمير البنية التحتية لليبيا بالكامل بما فيها القطاع الصحي المتهالك منذ البداية، الأمر الذي يجعل فيروس كورونا يشكل تهديدًا واضحًا ومباشرًا على حياة النازحين واللاجئين الليبيين.
وفي تغريدة على موقع "تويتر"، ذكَّر المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، حول وجوب وقف الصراعات، وقال: إن "احتواء الوباء الناتج عن تفشي فيروس كورونا سوف يكون مستحيلًا في البلدان التي تمزقها الحروب مثل ليبيا، إذا لم تتفق الأطراف المتحاربة على وقف القتال، مضيفًا أن السلام أصبح الآن عاملاً حيوياً في ضمان صحة جميع البشر، والحرب تعرضنا جميعاً للوباء.
ميليشيا السراج تنكّل بالمدنيين لزرع الخوف داخل الجميع من مقاومتهم
يقول طارق الهادي، 43 عامًا، أحد النازحين بعد اقتحام ميليشيات السراج المدعومة من أردوغان طرابلس، هربنا بأعجوبة خوفًا من الميليشيات المتطرفة، فالجميع هنا يدرك أن المدنيين أول من يدفعون الثمن بعد سقوط أي بلدة في يد ميليشيات السراج، فأول ما يفعلون هو التنكيل بالمدنيين لزرع الفزع في نفوس الناس من فكرة مقاومتهم أو دعم الجيش الليبي.
وأضاف الهادي: لم ينجح الجميع في الهرب، رغم أن الجميع يتمنى ذلك بسبب ما نسمعه عن ممارسات تلك الميليشيات التي ملأت ليبيا بالمقابر الجماعية للمدنيين، وقتلها للمصابين في المستشفيات وتمثيلها بجثث الجنود، مؤكداً أن عددًا هائلًا من العائلات نزح بعيدًا عن مناطق الصراع أملًا في نجاح قوات الجيش الوطني الليبي في استعادة السيطرة مرة أخرى متمنين سيطرته على طول ليبيا وعرضها ليستطيعوا العيش بأمن وأمان.
وتابع الهادي: عشنا فترات طويلة في ظل الاشتباكات العنيفة والغارات الجوية الكثيفة والطائرات المسيرة التركية التي تتعمد تحويل حياتنا لجحيم، وشعرنا باليأس فقررنا الهروب لحماية أطفالنا من تلك القذائف العشوائية التي لا تفرق بين كبير ولا صغير؛ لذلك قررنا النزوح بعيدًا عن يد تلك الميليشيات المتطرفة، بدأنا نلحظ -مع زيادة أعدادنا- النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية والدواء رغم المساعدات التي تنهال علينا إلا أن حكومة السراج دائمًا ما تحتفظ بـ90% من تلك المساعدات من أجل ميليشياتها وكأن ليس لنا الحق في الحياة.
نعلم أن العودة لمنازلنا أمر صعب.. ولكن نحلم بانتصار جيشنا كل يوم
في السياق نفسه يقول وليد الناصري، 38 عامًا، نازح ليبي، أعداد الليبيين النازحين تفوق الأعداد المعلنة بثلاثة أضعاف على الأقل، فالكثير من العائلات النازحة لم تتواصل أو تسجل بياناتها كنازحين، مضيفًا نعلم أن زيادة عدد النازحين أمر طبيعي لاستمرار القتال ومحاولة وقف جرائم ميليشيا الوفاق.
وأضاف الناصري: نحلم بالعودة إلى منازلنا من جديد، ولكن نعلم أن بعد انتصار الجيش الليبي من الصعب أن نجد منازلنا مثلما تركناها، فجميع الليبيين يدركون أن ميليشيا الوفاق تقوم بتلغيم المنازل في حالة شعورها باقتراب الهزيمة وهو ما يجعل العودة إليها أمرًا مستحيلًا، ولكن رغم ذلك لا نستطيع أن نفقد الأمل، ونحلم كل يوم بأن ينتصر الجيش الليبي ويستطيع تأمين حياتنا وعودتنا بشكل طبيعي.
وتابع: عدد من المنظمات الإنسانية الدولية تحاول مساعدتنا بالفعل بإرسال قوافل إغاثة ولكن حتى تلك القوافل تتعرض للسلب والنهب من المرتزقة الذين أرسلهم أردوغان فهذه سياستهم وطريقتهم في سوريا وفي ليبيا وفي أي مكان يذهبون إليه.
واختتم حديثه قائلًا: الأزمات تتكالب علينا وأصبحنا نعاني لإيجاد أموال للطعام والعلاج، وحتى في حالة وجود المال ليس دائمًا نجد ما نحتاج بسبب استمرار الصراع المسلح الذي يبتعد عنه الجميع.