تجارة الدم .. عراقيون يبيعون البلازما لمواجهة الجوع والفقر
" لا يمكن أن تُفقِر الشعب ولا تنتظر أن يخرج أسوأ ما فيه".. فالحالة الاقتصادية المتدهورة التي يمر بها العراق جعلت مواطنيه يبحثون عن مصادر مختلفة لتوفير الأموال حتى ولو عن طرق مشبوهة، خاصة بعدما تسببت جائحة وباء "كورونا" في مزيد من المتاعب والانهيارات للبلد المتضرر بفعل الحروب والميليشيات الإيرانية.
وظهر في العراق تجارة جديدة انطلاقًا من تفشي الوباء تحت عنوان "تجارة البلازما"، حيث ظهر سوق لبيع أكياس بلازما المتعافين من كورونا، وبلغ سعر الكيس الواحد به نحو ألفي دولار، وذلك بعد زيادة الدعوات للمتعافين بالتبرع بالدم لإنقاذ مرضى آخرين على أَسِرّة الرعاية.
الأطباء والممرضون يتحولون إلى سماسرة بيع البلازما
وعلى الرغم من أن فيروس "كورونا" كان في بدايته وباءً الجميعُ يهرب منه ويخشى على فقدان حياته بسببه، ولكن الوضع في العراق بات مختلفًا، فاتجه الشباب العاطل بسبب انتشار البطالة في البلاد، يسعى لوظيفة من خلال إصابته بفيروس كورونا، لكي يجد دخلاً مناسبًا له ومبلغًا يكفي لمساعدته في الظروف الطاحنة التي تمر بها البلاد.
يقول طبيب شاب، يدعى (عصام.ش) إنه يجد طوابير من الشباب أمام المستشفيات بشكل شِبه يومي يبحثون عن وسيلة للإصابة بها بالفيروس، لافتًا أن هؤلاء الشباب لا يستوعبون أن المرض شديد الخطورة ويعتقدون أنه لا يلقى حتفه به سوى كبار السن.
وأضاف عصام لـ"العرب مباشر": "المصابون فور علاجهم يتساءلون عن مرضى آخرين يبحثون عن البلازما، لكي يقوموا بالتعاقد معهم على بيع أكياس الدم بعد مرور 14 يومًا على التعافي"، مشيرًا أن هناك بعض الأطباء والممرضين يعملون كسماسرة في إيصال المتعافين بالمصابين.
الفقر السبب الرئيسي في تجارة البلازما
فيما يقول الشاب العراقي محمد الشليمي، 35 عامًا، إن الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة السبب الرئيسي في ظهور أي آفة مجتمعية، لافتًا أن مسألة بيع البلازما على الرغم من قسوتها ولكنها تنطلق من الظروف التي يمر بها الشعب وسرقة الميليشيات الإيرانية واستيلائها على مقدرات الشعب العراقي.
وأضاف الشليمي لـ"العرب مباشر":" ولكن لا يمكن أن نركز على السلبيات فقط، فهناك عدد كبير من الشباب والأطباء المتعافين كانوا يحرصون على التبرع بالبلازما الخاصة بهم للمرضى دون أي مقابل"، مؤكدا أن الحكومة العراقية أوقفت هذا التصرف من خلال ملاحقة كل مَن يتورط في سوق البلازما بالعراق.
فتوى بحرمة بيع بلازما الدم والامتناع عن التبرع به
فيما أفتى المجمع الفقهي لأهل السُّنة في العراق، بحرمة بيع بلازما الدم، وحرمة الامتناع عن التبرع بها من قِبل المتعافين من فيروس "كورونا" إلى المصابين به.
وقال المجمع الفقهي (مؤسسة دينية تتولى إصدار الفتاوى)، في بيان صدر الأحد: إن "التبرع ببلازما الدم من قبل المتعافين من فيروس كورونا، والذي تتركز فيه الأجسام المضادة للفيروس، يندرج ضمن مسألة التبرع بالدم لإنقاذ حياة الآخرين".
وأضاف البيان: "حكمه الشرعي أنه واجب على الكفاية، وإن لم تحصل الكفاية، وجب على جميع المتعافين من المرض التبرع لإنقاذ حياة المصابين".
وتابع البيان: "يحرم الامتناع عن التبرع به، ويأثم الممتنع من غير عذر، لأن التبرع سعي لإنقاذ الأنفس الأخرى وإحيائها، لذا لا يجوز بيع الدم بإجماع العلماء، كذلك لا يجوز بيع بلازما الدم للقاعدة الفقهية (التابع تابع في الحكم)".
وعلى مدى الأيام الماضية، تناقلت وسائل إعلام محلية ومواقع التواصل الاجتماعي أزمة بلازما الدم في المشافي العراقية، حيث وصل سعر اللتر الواحد من دم المتعافين من "كورونا" إلى ألفي دولار.
ملاحقة أمنية لعصابات تجارة البلازما
من جانبه كشف الدكتور "رائد العزاوي"، المحلل السياسي العراقي البارز، أن الأمن العراقي قام بملاحقة العصابات التي تتحكم في بيع بلازما المتعافين من كورونا، لافتاً أنه تم ضبط مجموعة "بغداد الجديدة" التي كانت تنقسم إلى عصابتين مسؤولتين عن بيع البلازما، وتم اكتشاف أنهم عصابات منظمة ليس لهم علاقة بالتحركات السياسية في البلاد.
وأضاف "العزاوي" في تصريحات لـ"العرب مباشر": "أنه بسبب الفقر والجوع قامت العصابات باستدراج البسطاء المتعافين من كورونا ويسحبون منهم البلازما ويبيعونها"، موضحاً أنه كان هناك ناس متواطئون داخل وزارة الصحة قاموا بعملية تزوير مرضى مصابين بكورونا، لأنه يتم إنفاق مبالغ طائلة عليهم في العراق.
تابع: "المتواطئون في وزارة الصحة كانوا يُدخلون الناس إلى المشافى على أساس أنهم مصابون بكورونا في إطار تنفيذ عمليات فساد مالي وفساد إداري".
الشعب العراقي لا يملك ثقافة التبرع
ونوه المحلل السياسي العراقي البارز إلى أن في بلاده لا توجد ثقافة التبرع، قائلاً: "إن العراق عدد شعبه قليل وفي السابق لم يكن الشعب بظروفه الاقتصادية بحاجة إلى التبرع مما جعل هذه الثقافة ليست قائمة بالمجتمع العراقي"، مشيراً أنه بسبب الفقر والجوع الذي شهده العراق بسبب الأوضاع خلال السنوات الماضية أدت إلى قيام العديد بالذهاب للتبرع بأعضائهم ودمائهم لمساعدة الغير.
أردف العزاوي: "ولكن من ناحية أخرى فإن بسبب الفقر والبطالة كان هناك الكثير يذهبون إلى المستشفيات لبيع أعضائهم من أجل لقمة العيش"، لافتاً أن هذا الوضع ينتشر في جنوبي العراق الذي ينتشر فيه الفقر بسبب سياسات الحكومات حتى وقتنا الحالي.
العزاوي من ناحية أخرى أشار إلى أن هناك نماذج مشرفة في العراق خصوصا في فترة تفشي الكورونا، لافتاً إلى حالة التكافل التي انتشرت بين الناس بعضهم البعض وتقاسمهم الغذاء والسلع.
قال: "هناك شاب سافر 400 كيلومتر حتى يتبرع لسيدة عراقية من أهل كركوك وهو من النجف، مع العلم أنه شاب شيعي وهي سيدة سنية".