تَفَشِّي "كورونا" زاد عزلتهم.. مزارعو تونس ومعاناة العثور على الغذاء والدواء

تَفَشِّي
صورة أرشيفية

منذ وصول فيروس "كورونا" إلى الأراضي التونسية وزادت معاناة الفلاحين وأهالي المحافظات الزراعية، هؤلاء الذين وصفوا بأنهم لا يحتاجوا لقانون يجبرهم على التباعد الاجتماعي حيث يعيشون في مساكن متفرقة أو تجمعات سكانية صغيرة متباعدة لا تربط بينها سوى طرق وعرة لا يمكن السير فيها إلا وحيدًا على ظهر إحدى الدواب، فيعيشون في حجر صحي وتباعد اجتماعي إجباري بحكم المهنة والطبيعة الجغرافية لبلادهم والقرى التي يعيشون بها، ورغم حسد الكثيرين لهم بسبب بعدهم عن مسببات الإصابة بفيروس "كورونا" إلا أن الفيروس زاد من معاناتهم بشكل كبير وزادهم عزلة وقطع صلتهم مع العالم الخارجي محليًا ودوليًا، هؤلاء الذين يطعمون سكان تونس بأكملها خضروات ومزروعات من أفضل ما يكون يعانون أشد المعاناة للحصول على منتجات ضرورية كالزيت والدقيق وبعض المواد الغذائية الأساسية، ويقطعون مسافات طويلة يوميًا للتزود بحاجتهم فهم لا يملكون مطاحن أو مخابز تؤمن لهم رغيف الخبز رغم أن أراضيهم وعملهم هو ما يغذي المطاحن والمخابر في طول البلاد وعرضها.
 

الأسعار تضاعفت ونزرع القمح ولا نجد رغيف الخبز
خالد بن محمد، فلاح 55 عاماً، يقول: الأسعار تضاعفت بسبب الاحتكار واستغلال الظروف، نحن ننتج معظم ما يأكله الشعب التونسي ورغم ذلك لا نجد رغيف الخبز بسهولة، لم نطالب الدولة بتوفيره لنا، نأتي بالطحين ونخبز رغيفنا بأنفسنا، ولكن حتى هذا أصبح رفاهية فلا نجد الطحين رغم إنتاجنا الكثيف من القمح.


وتابع، لا نبخل على الدولة في شيء، فأغلب الفلاحين يبيعون ما لديهم من قمح وشعير بعد موسم الحصاد ولا نبقى إلا على بعض البذور التي تكفي لإعادة الزراعة في العام التالي، مضيفًا، فجميع الفلاحين لا يخزنون قمحا وشعيرا من إنتاجهم بسبب توفر الطحين والسميد وصعوبة استخدام المطاحن البدائية فنعتمد على الدولة، وها نحن في وقت الأزمات لا نجد الدولة بجانبنا.


والمسافات دائمًا طويلة، ولكن كنا نجد المواصلات متوفرة، والمنتجات كذلك، أما الآن ومنذ تفشي فيروس "كورونا"، لا نجد مواصلات وعندما نأخذ دوابنا لاستخدامها لا نجد العلف الكافي لها، وعندما نعثر على ما نريد نجده يتجاوز 3 أضعاف السعر العادي، فهل نزيد نحن أيضًا الأسعار ونتسبب في زيادة سعر رغيف الخبز في عموم البلاد.

 
نشعر بالدهشة لـ"تهافت" المواطنين على شراء الدقيق رغم توفر المخابز بجانبهم


في السياق ذاته، يقول عبد العزيز بن علي، 34 عاما، فلاح من ولاية "جندوبة" التي تقع في أقصى الشمال الغربي لتونس، أنا ورثت مهنة الزراعة أبًا عن جد، فأنهيت تعليمي الجامعي وعدت للاعتناء بأرض آبائي، وأشعر بالدهشة الشديدة عندما أتابع مواقع التواصل الاجتماعي وأرى المواطنين في المدن يتزاحمون بشدة لشراء الطحين والسميد رغم انتشار المخابز في كل مكان حولهم على خلاف المناطق الريفية التي يخبز فيها الناس داخل بيوتهم احتياجاتهم من الخبز.


وأضاف، احتياجاتنا للخبز تفوق احتياجات المدن بكثير، حيث لا نعثر على الأرز والمكرونة والمنتجات الأخرى بسهولة بسبب عدم وصولها إلى الأماكن النائية ونستبدل كل هذا برغيف الخبز الذي أصبحنا لا نجده الآن فهل من العدل أن نطعم الشعب ولا نأكل.


وتابع بن علي، أنا وجميع جيراني نعاني من نقص شديد في مواد غذائية شديدة الضرورة، ولا نملك القدرة على التنقل بسهولة لشراء تلك الاحتياجات من المدن بسبب عدم وجود طرق ممهدة فأصبحنا أكثر عزلة وأقل قدرة على التنقل بسبب ندرة وسائل النقل منذ تفشي فيروس كورونا. 
 
نعاني من عجز في الغذاء والدواء.. وإذا هلكنا سيهلك الشعب بالكامل


الصعوبات لا ترتبط فقط بالخبز والاحتياجات الغذائية، فالمعاناة متصلة وممتدة وتصل لاحتياجات لا غنى عنها، على رأسها الدواء، فصعوبة العثور على الدواء أصبحت تمثل كابوسا للمزارعين الذين لا يملكون شراء كميات كبيرة من الدواء لتخزينها.


ويقول، صابر بن حسن، 36 عام، لم نعثر على دواء لوالدي، فهو لا يتحرك من المنزل ولا يستطيع الحياة يومين فقط بدون أدويته، ونتيجة قلة الدواء تعرض لوعكة صحية شديدة وحاولت نقله لإنقاذ حياته إلا أن الحجر الصحي وصعوبة التنقل زادا الأمر صعوبة، شعرت أن الزمن عاد بنا ألف عام إلى الخلف بسبب اضطراري لنقل أبي على ظهر دابة، مما زاد من تدهور صحة أبي ووصلت إلى أحد المراكز الصحية وكان أبي أقرب للموت منه إلى الحياة.


وأضاف بن حسن، أصبحنا معزولين تمامًا أكثر من الماضي، ونعاني من نقص كبير في كل احتياجات الحياة سواء كانت غذاء أو دواء أو غير ذلك، توقف الرحلات والحظر زاد من المعاناة ولا نعرف إلى من نشكو، فأصحاب السيارات ممنوعون من الحركة، والمتاجر المحدودة أصبحت فارغة، نحن نمثل أهمية بالغة لكل الشعب فإذا هلكنا سيهلك الشعب بالكامل، ونطالب الدولة بالتدخل بشكل سريع لإنقاذ الوضع غير الإنساني.