جنود وجواسيس.. كيف فشلت مساعي أردوغان العثمانية في العالم
فشل كبير أصاب لعبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العظيمة لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البالية، فاعتماده على الجنود والجواسيس في أوروبا وإفريقيا لم يكن كافيا، فكانت هناك العقوبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة وخطاباته العدائية مع دول الجوار جعلت تركيا من دون حلفاء حقيقيين، وبدلا من السيطرة على العالم سقط أردوغان في فخ العزلة والانهيار الاقتصادي.
طموحات غير مشروعة
لدى أردوغان طموحات عثمانية غير محدودة تمتد من إفريقيا وحتى أطراف أوروبا؛ ما أدى إلى توتر العلاقات بينه وبين الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط.
على مدى السنوات الخمس الماضية، شن أردوغان توغلات عسكرية في سوريا وشمال العراق، وأرسل قوات إلى ليبيا وشارك في مواجهات بحرية مع اليونان وهي تدخلات أثارت غضب حلفاء تركيا في الناتو، وأعادت إشعال الخصومات القديمة وولدت أعداء جددا.
وفي الأسابيع الأخيرة، بينما يحاول أردوغان التعامل مع هزيمة صديقه دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية والحاجة إلى جذب رأس المال الأجنبي مرة أخرى لمعالجة المشاكل الاقتصادية المتزايدة لتركيا، قال إنه يود "فتح صفحة جديدة" مع الغرب.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان أردوغان مستعدًا أو قادرًا على أي حل وسط بشأن القضايا التي ابتليت بها علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، أو ما إذا كانت اللغة التصالحية المكتشفة حديثًا ستفسح المجال قريبًا لتجديد حدة التوتر.
وقال دبلوماسي أوروبي: "هناك أشياء صغيرة فعلتها تركيا يمكن اعتبارها غصن زيتون، لكن لا شيء جوهري".
وتابع: "إذا نظرت إلى القضايا التي نختلف فيها بشكل أساسي، فإن كلا الجانبين لديه وجهة نظر مفادها أن الكرة في ملعب الطرف الآخر، لذلك من الصعب جدا الذهاب إلى أي مكان".
صفر حلفاء
لطالما سعى الرئيس التركي البالغ من العمر 66 عامًا، والذي وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002، إلى تصوير نفسه على أنه صاحب رؤية "يجعل تركيا عظيمة مرة أخرى" في الداخل والخارج.
لكنَّ المحللين يقولون إن محاولة الانقلاب الدموية التي قامت بها بعض الفصائل العسكرية في عام 2016 شكلت قطيعة في تعاملات تركيا مع بقية العالم.
وفي خطاب ألقاه بعد ٣ أشهر من محاولة الانقلاب، قال أردوغان: إن البلاد لن تنتظر بعد الآن المشاكل أو الخصوم "ليطرقوا بابنا"، وقال إن تركيا بدلاً من ذلك "ستذهب وتجدهم أينما وجدوا وطنهم وتنزل عليهم بشدة".
أدوات أردوغان
في بعض الأحيان، يلعب أردوغان على قاعدته الدينية المحافظة من خلال تصوير نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، ولكنه يعتمد أيضًا بشكل كبير على الصور واللغة القومية.
دبلوماسيون ومحللون يحذرون من أن الإستراتيجية تنطوي على مخاطر كبيرة، ستؤثر على الاقتصاد والعلاقات مع القوى الإقليمية والعالمية.
وقبل 10 سنوات، كان المبدأ التوجيهي للسياسة الخارجية التركية هو "صفر مشاكل مع الجيران"، يمزح المحللون الأتراك الآن بأن الشعار الجديد هو "صفر جيران بلا مشاكل".
ويصف منتقدوه سياسة أردوغان الخارجية بأنها "عثمانية جديدة"، في إشارة إلى الإمبراطورية التي امتدت إلى جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال إفريقيا وسبقت الجمهورية الحديثة.
وقال سينم أدار، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: "لا أعتقد أن تركيا كانت منعزلة إلى هذا الحد في تاريخها".
سمحت محاولة الانقلاب عام 2016، والتطهير الذي أعقبها، لأردوغان بالسيطرة بشكل أكبر على القوات المسلحة.
كما قام بتشكيل تحالف انتخابي مع الحزب القومي المتطرف MHP، معتمداً على نظرته اليمينية المتشددة بشأن الأمن القومي، خاصة الانفصالية الكردية.
في الوقت نفسه، أدى الانتقال في عام 2018 إلى نظام رئاسي إلى إضعاف دور وزارة الخارجية في البلاد.
جنود وجواسيس
وينتقد الكثيرون ما يسميه سفير سابق بالاعتماد على "الجنود والجواسيس" بدلاً من الدبلوماسية، ففي الرحلات الخارجية، نادرًا ما يُرى أردوغان دون رئيس المخابرات هاكان فيدان ووزير الدفاع خلوصي آكار إلى جانبه.
كما أن المغامرة في الخارج لم تحظَ بصدى كبير من الخصوم السياسيين، بينما انتقد حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه الأب المؤسس لتركيا مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان شعاره "السلام في الوطن، السلام في العالم" – "اللغة غير الدبلوماسية".
أما أردوغان، الذي يعتقد معظم المحللين أنه يريد البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، فقد استخدم السياسة الخارجية لتحقيق مكاسب سياسية محلية، وذهب إلى أبعد من ذلك لمقارنة الحكومة الألمانية بالنازيين وإهانة الرئيس الفرنسي، لكن هذا الموقف لم يسر على ما يرام في العواصم الأوروبية.
انهيار اقتصادي
أدت السياسة الخارجية المضطربة إلى ردع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تمس الحاجة إليه، وإلى جانب المخاوف بشأن إدارة أردوغان للاقتصاد، كانت مصدر ضغط على الليرة التركية.
وألغت شركة فولكس فاجن الألمانية لصناعة السيارات خطة لبناء مصنع جديد بعد احتجاج دولي على هجوم تركي على القوات الكردية السورية في عام 2019.
ويقول المنتقدون: إنه رغم الخطاب المتفجر، فإن العلاقات الخارجية العدائية لتركيا تضر بمصالحها. وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز إيدام الفكري في إسطنبول: "الطريقة التي سأحكم بها على نجاح السياسة الخارجية هي ما إذا كانت تساعد تركيا على حماية مصالحها الوطنية بشكل أفضل، وما إذا كانت تساعد تركيا على ضمان اقتصاد أكثر استدامة، ووفقًا لهذه المعايير، لم يكن هناك نجاح كبير".
وتسببت الحالة المحفوفة بالمخاطر لاقتصاد البلاد البالغ 750 مليار دولار -والتي تفاقمت بسبب أزمة فيروس كورونا- في حدوث هزة في نوفمبر أدت إلى رحيل صهر أردوغان بيرات البيرق من منصب وزير المالية.
ومنذ ذلك الحين، ومع انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، قدم أردوغان مبادرات إلى الغرب.