لماذا حوّل "أردوغان" السوريين لـ"وقود" يشعل معاركه

لماذا حوّل
صورة أرشيفية

على مدار السنوات الماضية حوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السوريين إلى مجرد "وقود" لحروبه مستهينًا بالدم العربي الذي يراق مقابل حفنة من الدولارات، مستغلًا الجماعات الإرهابية والفقر وشدة احتياج السوريين إلى المال، ومعتمدًا على جيل من الصبية نشؤوا في حرب أهلية وإرهاب متفشٍّ وتسميم لأفكارهم، فأصبح مرتزقة أردوغان في سوريا سلاحًا رئيسيًّا ضمن الجيش التركي فيستخدمهم لتحقيق أهدافه في سوريا نفسها، وينقلهم بكل بساطة إلى الجبهة الليبية ليدفعوا أرواحهم مقابل حفنة دولارات، نجاح فكرة الميليشيات المسلحة الموالية لتركيا شجعت الطاغية التركي على فتح عدة جبهات كانت قادرة في الظروف الطبيعية على استنزاف الجيش التركي بالكامل، ولكن لاعتماده على السوريين وجد في نفسه القدرة على إشعال الأزمات في مختلف البقاع بداية بسوريا نفسها حتى وصل المرتزقة إلى أذربيجان لتأجيج الوضع المتوتر بينها وبين أرمينيا.

أردوغان جعل السوريين وقودًا لحروبه هربًا من العقوبات الدولية

دور السوريين في حروب أردوغان أصبح أمرًا يعلمه الجميع، وهو ما كشفت عنه تقارير إعلامية واستخباراتية عديدة، كشفت استغلال أردوغان للسوريين كوقود لحروبه المتعددة، وخاصة في ليبيا بهدف الاستيلاء على مصادر الطاقة والنفط والغاز الليبي، وهربًا من العقوبات الدولية التي كانت ستطبق على تركيا إذا ما أرسلت قواتها العسكرية لبلدان أخرى، فاعتمد أردوغان على إنكار معرفته بالميليشيات المسلحة الموالية له ونسب أنشطتهم لجماعات إرهابية تجتمع قياداتهم دائمًا في إسطنبول.

واستغل أردوغان حالة الفقر المدقع في سوريا، مقدمًا إغراءات مالية ضخمة ليضم شبانًا سوريين نشؤوا في بيئة من الصراعات والاشتباكات المسلحة بين عدة فصائل، وحسب تقرير إعلامية فإن طلائع المقاتلين السوريين وصلت أواخر العام الماضي بعد خضوع البعض منهم للتدريب لفترة قصيرة في معسكرات داخل تركيا إلى أكثر من 30 ألف مرتزق.

أحد المرتزقة السوريين في حديثه لـ"فورين بوليسي الأميركية"، تشابهت قصته مع غالبية المقاتلين السوريين، حيث قال المقاتل الموجود حاليًا في ليبيا إنه من أبناء مدينة حمص وسط سوريا وانتقل إلى مدينة حلب بعد خروج مقاتلي المعارضة من حمص عام 2014.

وأضاف: أنا وزوجتي وأطفالي الأربعة نعيش في خيمة وليس بمقدوري بناء غرفة لنا تقينا من البرد والحر، عندما أنجبت زوجتي مولوداً لم أكن أملك ثمن الحليب، وفي عام 2018 قاتلت مع الجيش التركي للسيطرة على منطقة عفرين الكردية وكان الأتراك يقدمون لي 450 ليرة تركية شهرياً ( 70 دولارًا أميركيًّا تقريبًا)، أما في ليبيا فقد كسبت خلال أربعة أشهر أكثر مما كسبته خلال كل الفترة التي قاتلت فيها بسوريا، فأنا أحصل على ألفي دولار شهرياً".

المرتزقة أصبحوا "أهم أفرع" الجيش التركي ولا غنى عنهم

لم يكتفِ أردوغان بدماء السوريين التي أغرق بها الشمال السوري، فمع احتياجه لقوات عسكرية في ليبيا سارع بحشد عشرات الآلاف من المرتزقة السوريين وشحنهم جوًّا إلى الجبهة الليبية، وهو ما كشفته اعترافات المرتزقة السوريين حول طريقة تجنيدهم وتدريبهم سواء في الأراضي التركية، مؤكدين أن الضباط الأتراك الذين يتولون مسؤولية تدريباتهم أكدوا لهم أنهم –المرتزقة- أصبحوا أحد أهم أفرع الجيش التركي وأن عملهم مع تركيا لن ينتهي سريعًا وستظل تركيا في احتياج لهم دائمًا.

الاعترافات نفسها أوضحت أن المرتزقة تقودهم ميدانيًّا عناصر إرهابية معروفة دوليًّا من ميليشيات ما يعرف (الجيش السوري الوطني- الحمزات- فيلق الشام- وسليمان شاه العمشات- السلطان مراد- أحرار الشرقية- المعتصم)، وغيرها من الفصائل والميليشيات الموالية لأنقرة والذين استخدمهم أردوغان في تدمير واحتلال شمال سوريا.

وتدير الميليشيات الموالية لأردوغان في غرب ليبيا قيادات عسكرية تركية تختفي في غرف عمليات داخل طرابلس ومصراتة وتزج بالمرتزقة في صدارة المواجهات مع الجيش الوطني الذي يحاول تحرير العاصمة من الإرهابيين.

وتجاهر تركيا بتدخلها في الشأن الليبي بإرسال السلاح والمرتزقة والعناصر الإرهابية لطرابلس لقتال الشعب الليبي وجيشه الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، واعترف النظام التركي وأردوغان نفسه بأن قوام قواته الرئيسي يتكون من ميليشيات سوريا.

شحن المرتزقة إلى أذربيجان.. حلقة جديدة في مسلسل إهدار الدم السوري

مع محاولات أردوغان لتأجيج الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، قرر إرسال عدة آلاف من السوريين إلى أذربيجان لدعمها في الصراع الحدودي مع أرمينيا، فهدوء الوضع نسبيًّا في ليبيا يهدد بتفجر أزمة المرتزقة الذين لن يبقوا هادئين إذا هدأت الأوضاع في ظل احتياجهم للأجور التي يدفعها النظام التركي، فقرر أردوغان شحنهم إلى أذربيجان في إهدار جديد للدم السوري في معارك لا يدرك سببها وليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

حيث تتخذ تركيا من المرتزقة من جنسيات مختلفة لاسيما السورية وقودًا في حروبها التي تكاد لا تنتهي، في ظل صمت دولي هو أقرب "للتخاذل"، ويأتي إرسال مقاتلين سوريين إلى أذربيجان بعد أن وجهت الآلاف منهم للقتال إلى جانب حكومة الوفاق في طرابلس الليبية.   

وبدأت تركيا رحلتها في توظيف المقاتلين الأجانب من الجارة سوريا، حينما فتحت منافذها الحدودية  أمام تدفق الآلاف من "الجهاديين" قدموا من مختلف أنحاء العالم للقتال.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الحكومة التركية قامت بنقل أكثر من 4000 مقاتل من الفصائل السورية الموالية لها، غالبيتهم العظمى من فصيلي "السلطان مراد والعمشات"، من بلدات وقرى بمنطقة عفرين شمال غربي حلب، حيث قالوا لهم إن الوجهة ستكون إلى أذربيجان لحماية المواقع الحدودية.

وقال المرصد: إن أنقرة خصصت مقابل ذلك مبلغاً مادياً يتراوح بين الـ1500 إلى 2000 دولار أميركي، ومنذ اندلاع المواجهات بين أذربيجان وأرمينيا التي شهدت اشتباكات حدودية قتل فيها 16 شخصاً سارعت تركيا لإعلان الاصطفاف إلى جانب أذربيجان وأعربت عن استعدادها لدعمها عسكريًّا.

"مرتزقة أردوغان".. سلاح ذو حدين وسينفجر في وجهه قريبًا

من جانبه، يقول رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي، إن سياسات أردوغان واستغلاله لأزمات دول الجوار وحشده للمرتزقة كمعادلة مهمة في مخططاته سلاح ذو حدين قد ينفجر في وجهه في أي وقت.

وأضاف: تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا وتجفيف منابع حلفاء أردوغان سيجبره في النهاية على وقف تمويل المرتزقة الذين يحملون خزائن تركيا وحلفائها مليارات الدولارات، خاصة مع تساؤل المعارضة التركية عن جدوى سياسات أردوغان الخارجية الصدامية التي انتهكت الاقتصاد التركي داخليًّا وحمَّلته ديونًا ضخمة غير مسبوقة.

وتابع يعقوب: تركيا بدأت تخفيض رواتب المرتزقة حسب رواياتهم بالفصائل الموالية لأردوغان في ليبيا انخفضت أجورهم من 2000 دولار أميركي شهريًّا إلى 600 دولار فقط،  بالإضافة إلى عودة أكثر من 8000 مقاتل سوري إلى سوريا بعد انتهاء عقودهم في ليبيا، فأعداد المرتزقة أصبح ضخمًا للغاية حيث تؤكد إحصائيات المرصد السوري أن تعداد من ذهب فقط إلى ليبيا تجاوز الـ18 ألف مرتزق، وكان أردوغان يأمل في نجاحه من خلاله في السيطرة على الجزء الأكبر من ثروات ليبيا ونفطها والإنفاق منه على هؤلاء المرتزقة إلا أن طموحاته اصطدمت بصمود الجيش الوطني الليبي.