100 يومٍ في البيت الأبيض.. هل يقود ترامب العالم إلى اتفاق نووي أم إلى حرب مع إيران؟
100 يومٍ في البيت الأبيض.. هل يقود ترامب العالم إلى اتفاق نووي أم إلى حرب مع إيران؟

بينما تتواصل المحادثات النووية بين واشنطن وطهران بهدف منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيمضي قدمًا في تنفيذ تهديده بقصف إيران، كما تعهد في أكثر من مناسبة، حسبما نقلت شبكة "إيران إنترناشونال".
وجاءت عودة ترامب المدوية إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، بعد فوزه المفاجئ في الانتخابات، لتفتح فصلاً جديداً من النهج الترامبي في التعامل مع الملف الإيراني، تتسم فيه السياسة الأمريكية تجاه طهران بتقلبات شديدة، وحراك دبلوماسي متسارع، وتهديدات عسكرية غير مسبوقة. وبعد مرور مئة يوم على بدء ولايته الثانية، ما تزال نتائج هذا النهج غير واضحة.
حملة ضغط قصوى متجددة
وتابعت الشبكة، أنه مع بداية ولايته الجديدة، أعاد ترامب تفعيل حملته المعروفة بـ"الضغط الأقصى"، ولكن بوتيرة أكثر شراسة، حيث استهدفت الإجراءات الأمريكية قطاعات الطاقة والنفط الإيرانية بشكل مباشر، بما في ذلك الشركات الصينية المستوردة للنفط الإيراني، والمصافي المستقلة التي تكرّر الخام الإيراني.
وقد أدى هذا الضغط الاقتصادي إلى تدهور حاد في سعر صرف الريال الإيراني، إذ تراجع في بداية الأمر بواقع 80 ألف ريال مقابل الدولار الأمريكي. إلا أن العملة الإيرانية استعادت بعضًا من قيمتها مؤخرًا، نتيجة لما يُنظر إليه كتزايد التفاؤل في الأوساط الإيرانية بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع واشنطن.
الدبلوماسية تترافق مع التهديدات العسكرية
ويترافق المسار التفاوضي مع استعدادات عسكرية أمريكية ملموسة. فالرئيس ترامب كرر في أكثر من مناسبة، أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن الرد سيكون قصفًا عسكريًا لا مثيل له.
ففي مقابلة مع شبكة NBC الأمريكية في مارس الماضي، قال ترامب: إن الهجوم سيكون من النوع الذي لم تشهده إيران من قبل.
وتؤكد التحركات العسكرية الأمريكية هذه التهديدات، إذ تم نشر قاذفات استراتيجية قرب إيران في قاعدة دييغو غارسيا، كما شهدت قاعدة الدوحة الجوية تعزيزات كبيرة للطيران الأمريكي، إلى جانب تصعيد في الهجمات الأمريكية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ما يعكس محيطاً عسكرياً ضاغطاً على طهران خلال المفاوضات الجارية.
نهج متعجل ومتضارب
يرى محللون عسكريون، أن سياسة ترامب تجاه إيران حتى الآن تتسم بالقوة الظاهرية، لكنها تفتقر إلى التناسق. الجنرال المتقاعد أندرو فوكس، في مقابلة مع قناة "إيران إنترناشيونال"، وصف نهج ترامب بأنه متسرع ومتناقض، موضحًا أن الرئيس الأمريكي يستعرض القوة العسكرية دون أن يستخدم كل أدوات الضغط المتاحة.
وأشار فوكس، أن التوقيت لم يكن في صالح إيران، إذ كانت اقتصادياً في وضع هش، وكان بالإمكان استغلال هذا الوضع بشكل أفضل.
وأضاف أن الإعلان عن المحادثات أدى مباشرة إلى ارتفاع قيمة الريال الإيراني بنسبة 20 في المئة، ما يشير أن ورقة ضغط تفاوضية ثمينة تم التفريط بها دون مقابل كافٍ.
ورغم هذه الانتقادات، يؤكد فوكس أن ترامب بطبيعته يسعى لإبرام اتفاقات، وهو لا يحبذ استخدام القوة العسكرية كوسيلة للحكم أو فرض السياسات، مشيراً أن هدفه الأساسي هو التوصل إلى صفقة، وليس الدخول في حروب.
مهلة ذاتية للوصول إلى اتفاق
وتابعت الشبكة الأمريكية، أن أحد أسباب السرعة التي تطبع هذا المسار، بحسب تقرير نشره موقع "أكسيوس"، هو المهلة الزمنية التي فرضها ترامب على نفسه، والمتمثلة في 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق نووي مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
ووفق التقرير، فإن هذه المهلة تم تضمينها في رسالة وجهها ترامب إلى القيادة الإيرانية بعد تسلمه منصبه مباشرة.
وأعربت الخبيرة بالشأن الإيراني هولي داغرس، مؤسسة نشرة "ذا إيرانست" وزميلة في معهد واشنطن، عن خشيتها من أن تؤدي السرعة التي يعتمدها ترامب إلى تجاوز قضايا محورية، مثل حقوق الإنسان، التي من المفترض أن تكون جزءاً من أي اتفاق مستدام.
وحذرت داغرس، من أن الاستعجال لتحقيق إنجاز دبلوماسي في غضون 60 يوماً، ربما ينجح على المستوى الشكلي، لكنه سيغفل مسائل أساسية تحتاج إلى مفاوضات معمّقة.
كما دعت إلى ربط تخفيف العقوبات بتحقيق معايير حقوق الإنسان داخل إيران، مشيدة بدور الحائزة على نوبل نرجس محمدي، وآخرين من النشطاء الإيرانيين الذين يطالبون بربط الملف الحقوقي بالمفاوضات النووية.
تناقضات داخل الفريق الأمريكي
تتجلى جوانب إضافية من التناقض في تصريحات المسؤولين الأمريكيين أنفسهم. ففي 14 أبريل، صرح ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، لشبكة "فوكس نيوز"، بأن الولايات المتحدة قد تقبل استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم ضمن حدود الاتفاق النووي لعام 2015، أي بنسبة 3.67%، شريطة وجود رقابة صارمة.
غير أنه عاد في اليوم التالي ليؤكد على وسائل التواصل الاجتماعي أن صفقة ترامب يجب أن تتضمن وقفاً كاملاً ونهائياً لبرنامج التخصيب الإيراني.
ويعتقد بعض المحللين، أن هذا التناقض قد يكون مقصودًا. بهنام بن طالبلو، الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، يرى أن ترامب يتعمد زرع الغموض في سياساته، بهدف الحفاظ على عنصر المفاجأة والمرونة التكتيكية. وأكد أن من المبكر جداً إصدار حكم نهائي على سياسة ترامب تجاه إيران، أو التنبؤ بمآلاتها.
وأشار بن طالبلو أن أحد أبرز النجاحات غير المعترف بها حتى الآن هو أن إدارة ترامب استطاعت دفع الجمهورية الإسلامية، بقيادة علي خامنئي، إلى الدخول في مفاوضات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو أمر لم يكن متوقعاً لدى كثير من المراقبين.
ملامح استراتيجية تعود إلى الولاية الأولى
من جهته، يرى كاميرون خنصرينيا، مدير السياسات في الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية في إيران (NUFDI)، أن الوقت ما يزال مبكراً للحكم على نتائج سياسة ترامب الجديدة.
ومع ذلك، اعتبر أن نهجه في الولاية الأولى كان الأنجع في مواجهة النظام الإيراني، ويبدو أن الإدارة الحالية تعيد استنساخ نفس الملامح الاستراتيجية.
وأوضح أن ترامب بالفعل يمتلك رؤية استراتيجية، لكنها لم تجد الوقت الكافي بعد لتظهر نتائجها على الأرض. وأضاف أن العودة إلى سياسات ولايته الأولى ستكون كفيلة بتحقيق تقدم حقيقي في الملف الإيراني.
مفاوضات تحت ضغط الغموض والتهديد
يرى محللون، أن نمط ترامب الفريد وغير المتوقع قد يكون العامل الرئيسي الذي دفع إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يمكن اعتباره نجاحاً أو خطأ استراتيجياً، حسب التوجهات السياسية للمراقب.
وأوضحت الشبكة الإيرانية، أنه بالرغم من أن سياسة ترامب الجديدة حيال إيران تجمع بين الدبلوماسية والتهديد الصريح باستخدام القوة، فإن مدى فاعلية هذا النهج ما يزال موضع شك، وقد تكون الأيام القادمة حاسمة في رسم معالم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه طهران.