سباق مع الوقت.. مهلة واشنطن لنزع سلاح حزب الله تقترب من نهايتها

سباق مع الوقت.. مهلة واشنطن لنزع سلاح حزب الله تقترب من نهايتها

سباق مع الوقت.. مهلة واشنطن لنزع سلاح حزب الله تقترب من نهايتها
حزب الله

في تطوّر لافت يعكس إعادة رسم أولويات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، بدأت واشنطن في توجيه رسائل أكثر صرامة لحليفها الإسرائيلي بشأن ضرورة خفض مستوى العمليات العسكرية وفتح الباب أمام مسار دبلوماسي أوسع في كل من غزة ولبنان وسوريا، الحوار المتصاعد بين البيت الأبيض وتل أبيب لا يتوقف عند حدود العمليات الميدانية، بل يتجاوزها نحو رؤية أميركية متكاملة تربط بين إعادة إعمار غزة، وتثبيت تهدئة طويلة الأمد، وتفادي توسّع المواجهة مع حزب الله، وفي الخلفية، تسري مهلة صامتة حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تطلب من لبنان اتخاذ خطوات جوهرية نحو تجريد حزب الله من سلاحه قبل نهاية ديسمبر، في خطوة قد تشكّل منعطفًا حساسًا في التوازنات الإقليمية، ومع انخراط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في نقاشات داخلية حول إعادة بناء القدرات بعد عامين من العمليات المتواصلة، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة انتقالية معقدة تبحث فيها الأطراف عن صيغة مشتركة لتثبيت الاستقرار دون التخلي عن حساباتها الأمنية والسياسية.

المهلة الأميركية.. موعد حاسم للبنان

تتزايد الإشارات إلى تحوّل تدريجي في مقاربة واشنطن لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط، حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الانتقال من "لغة القنابل" إلى "لغة السياسة"، خصوصًا في ملفات غزة ولبنان وسوريا.

وبحسب يديعوت أحرونوت، فقد جاءت توصيات ترامب نتيجة تقييم أميركي مفاده أن استمرار العمليات الهجومية لن يؤدي إلى مكاسب استراتيجية إضافية، بل يعرقل تنفيذ المرحلة المدنية من الخطة الأميركية المتعلقة بغزة، والتي تقوم على عشرين بندًا تشمل إعادة الإعمار، وترتيبات أمنية جديدة، وتوسيع دائرة التطبيع الإقليمي.

وتشير التسريبات إلى أن مكالمة ترامب لم تكن مجرّد عتاب أو نصيحة ودّية، بل جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى إلزام إسرائيل بهدنة طويلة تتيح للولايات المتحدة استعادة نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، وتعزيز محورها الإقليمي في مواجهة روسيا والصين وإيران.

في السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، أن المؤسسة العسكرية تدعم هذا الاتجاه، حيث أوصى كبار الضباط نتنياهو بضرورة إنهاء القتال والتركيز على إعادة بناء الجيش، لا سيما بعد عامين من العمليات الممتدة في غزة وعلى الحدود الشمالية.

اختبار صعب


أما في ملف لبنان، فأوضحت الصحيفة، أن مهلة ترامب المتعلقة بتجريد حزب الله من سلاحه تنتهي في 31 ديسمبر، وهي مهلة تحمل في طياتها رسائل متعددة: فمن جهة تعكس رغبة واشنطن في تجنّب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، ومن جهة أخرى تضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار صعب يتعلق بقدرتها على فرض سيادتها جنوب البلاد.

ووفقًا للمصادر الإسرائيلية، فإن تل أبيب أبلغت بيروت بأن الفشل في اتخاذ خطوات عملية سيقود إلى تصعيد ميداني، رغم أن الجيش اللبناني نجح في إبعاد الجزء الأكبر من انتشار حزب الله جنوبًا خلال الأسابيع الأخيرة، في إطار تفاهمات أمنية غير معلنة.

ورغم ذلك، يبقى نزع سلاح حزب الله هدفًا غير واقعي في المدى المنظور، وفق تقديرات أغلب الخبراء، إذ يملك الحزب بنية عسكرية راسخة يصعب تفكيكها دون تسوية سياسية إقليمية تشمل إيران، لكن واشنطن، عبر مهلة ترامب، تسعى إلى تحقيق "تقدم جزئي" على الأقل، سواء من خلال تقليص وجود الحزب قرب الحدود أو فرض ترتيبات أمنية جديدة برعاية دولية.

إعادة بناء الجيش الإسرائيلي

على الضفة الأخرى، يعيش الجيش الإسرائيلي تحوّلًا داخليًا عميقًا بعد أكثر من عامين من الاستنزاف العملياتي. فبحسب يديعوت أحرونوت، يركّز رئيس الأركان إيال زامير على إعادة بناء قدرات الجيش، تجديد مخزوناته، وتشكيل وحدات رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى دمج آلاف المجندين من اليهود المتشددين لتخفيف الضغط عن قوات الاحتياط.

ويستند هذا المسار إلى عقيدة أمنية جديدة تقوم على منع التهديدات قبل انفجارها، وتحسين الدفاع المتقدم عبر انتشار فعلي بالقرب من التجمعات المدنية، والاستعداد لهجمات مفاجئة دون الاعتماد على إنذارات استخباراتية مسبقة.

لكن هذه الأولويات العسكرية تصطدم بعقبتين أساسيتين: العبء المالي الذي يفرضه إعادة بناء الجيش وسط أزمة ميزانية قائمة، والانقسام الداخلي حول مشروع قانون الإعفاء العسكري لليهود المتشددين، ومع غياب مخرج سياسي واضح يضع حدًا للقتال في غزة والحدود الشمالية، يجد الجيش نفسه في سباق مع الزمن لاستعادة جاهزيته قبل أي جولة قادمة.

أزمة الانتقال لمرحلة ما بعد الحرب


تسلط الصحيفة الضوء على أن الانتقال من العمليات العسكرية إلى إعادة الإعمار يتطلب تنسيقًا كاملًا مع واشنطن، التي لم تحسم بعد جميع تفاصيل خطتها المدنية الخاصة بغزة. وهنا تبرز معضلة أساسية: فالجيش لا يستطيع تحمّل استمرار المعارك دون رؤية سياسية متماسكة، والحكومة الإسرائيلية تواجه ضغوطًا داخلية حادة تمنعها من تقديم تنازلات سريعة، في حين تزداد الشروط الأميركية صرامة كلما اقترب موعد المهلة الخاصة بلبنان.

وفي ظل هذه اللوحة المعقدة، يبدو أن إدارة ترامب تحاول رسم إطار جديد يربط بين وقف إطلاق النار في غزة، واستقرار الحدود الشمالية، وضمان أمن إسرائيل ضمن ترتيبات تتجاوز "اليوم التالي للحرب" إلى هندسة توازنات سياسية جديدة في المشرق.

 ومع أن الطريق ما يزال طويلاً، فإن الأسبوعين الأخيرين من ديسمبر قد يحددان ما إذا كانت المنطقة ستتجه نحو تهدئة طويلة أم نحو جولة أخرى من التصعيد.

خطورة سلاح حزب الله


من جهته، يرى المحلل السياسي فادي عاكوم، أن تمسّك حزب الله بسلاحه يمثّل جوهر الأزمة اللبنانية، ليس فقط لأنه يخلق حالة من عدم التكافؤ بين مؤسسات الدولة والقوة العسكرية للحزب، بل لأنه يُبقي لبنان على حافة صراع دائم في ظل تحولات إقليمية شديدة الحساسية. 

ويشير عاكوم في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن سلاح الحزب لم يعد يُستخدم فقط كأداة "ردع" في مواجهة إسرائيل، بل أصبح عاملًا مؤثرًا في الحسابات السياسية الداخلية، يقيّد عمل الحكومة ويفرض خطوطًا حمراء تحول دون تنفيذ إصلاحات ضرورية أو تحسين العلاقة مع المجتمع الدولي.

ويؤكد عاكوم، أن المهلة الأميركية لا يمكن قراءتها بمعزل عن هذا الواقع، إذ تدرك واشنطن أن شروط نزع سلاح الحزب شبه مستحيلة، لكنها تهدف إلى دفع بيروت لاتخاذ خطوات تُظهر نيّة حقيقية لاستعادة القرار السيادي، سواء عبر تعزيز دور الجيش اللبناني في الجنوب، أو تطبيقًا أكثر صرامة للقرار 1701. 

وبرأي عاكوم، فإن خطورة تمسك الحزب بسلاحه تكمن في أنه يضع لبنان في مواجهة محتملة مع إسرائيل في أي لحظة، ويجعل كل تهديد أو تصعيد خاضعًا لمعادلات إقليمية تتجاوز قدرة الدولة اللبنانية على التحكم بها. 

ويختتم بالإشارة إلى أن مستقبل الاستقرار في لبنان لن يكون ممكنًا ما لم تُطرح معادلة أمنية جديدة تُخضع السلاح لسلطة الدولة وتمنع «الازدواجية» التي أنهكت البلاد لعقود.