اجتماع استراتيجي لبحث مستقبل سوريا.. هل تنجح الجهود الدولية؟

اجتماع استراتيجي لبحث مستقبل سوريا.. هل تنجح الجهود الدولية؟

اجتماع استراتيجي لبحث مستقبل سوريا.. هل تنجح الجهود الدولية؟
سقوط بشار الأسد

تُظهر الأزمة السورية وجهها الجديد في مرحلة مليئة بالتحديات والتطورات السريعة، فبعد سنوات من الحرب والدمار، يجد العالم نفسه أمام مشهد سياسي غير مسبوق، يتصدره اجتماع دولي مرتقب بين وزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، يعقد لبحث التحولات المتسارعة في سوريا بعد سقوط النظام السوري.

 يأتي هذا اللقاء في وقت تكثّف فيه الدول الغربية اتصالاتها مع الحكومة المؤقتة بقيادة المعارضة السورية، وبينما تسعى القوى الدولية لفهم أبعاد المرحلة المقبلة، تتكشف حقائق جديدة عن ممارسات النظام السوري السابقة، بما في ذلك تحويل أموال ضخمة إلى روسيا وتعزيز شبكات النفوذ وسط أزمة اقتصادية خانقة. 

*اجتماع استراتيجي.. ماذا بعد سقوط النظام؟*


ينعقد اجتماع افتراضي الثلاثاء المقبل، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لبحث مستقبل سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد. 

هذا اللقاء الذي يأتي في وقت حرج يعكس رغبة غربية جادة في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية في البلاد، خاصة مع تعاظم دور المعارضة السورية.

ويأمل المجتمع الدولي أن تُترجم الإشارات الإيجابية إلى خطوات عملية لدعم الاستقرار وإعادة الإعمار بعد سنوات من الدمار. 

بحسب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، فإن التحركات الحالية تُظهر تفاؤلاً حذرًا بتحول الأحداث نحو مسار إيجابي، حيث صرّح قائلاً: "نأمل أن تتحول الإشارات الإيجابية الأولى إلى أشياء ملموسة".

الاجتماع يأتي بالتزامن مع زيارة مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى دمشق، وهي خطوة تسعى لإعادة بناء جسور التواصل مع السلطات الجديدة التي تقودها المعارضة السورية. هذه التحركات السياسية تمثل فرصة لإيجاد حلول دبلوماسية تُخرج البلاد من أزمتها المستمرة منذ أكثر من عقد.

التحركات الأوروبية والأميركية تضع إطاراً جديداً للعلاقة مع سوريا، حيث إن النظام السابق فقد شرعيته تماماً في أعين العالم، وأصبح التركيز الآن منصباً على دعم المؤسسات المؤقتة في البلاد، بما في ذلك الحكومة الانتقالية التي أعلنت المعارضة تشكيلها برئاسة محمد البشير.

 هذه الحكومة تواجه تحديات هائلة، من إدارة المناطق المحررة إلى إعادة بناء الاقتصاد الذي انهار بسبب سنوات من الحرب والعقوبات. 

من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ الأقتصاد والعلوم السياسية: إن المرحلة المقبلة لسوريا ستكون بمثابة اختبار حقيقي للمجتمع الدولي لإثبات جديته في دعم التحول السياسي وإعادة الإعمار.

 وأضاف - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، الاجتماع المرتقب بين القوى الغربية يعكس إدراكًا واضحًا بضرورة التحرك السريع لملء الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه سقوط النظام السوري، موضحًا أن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين دعم المعارضة السورية والحد من التدخلات الخارجية التي قد تزيد من تعقيد المشهد.

وأشار المنجي، أن الموارد التي هُرّبت للخارج طوال سنوات الحرب، خاصة إلى روسيا، تشكل عقبة رئيسية أمام أي عملية إعادة إعمار شاملة.

وأضاف: "دعم الحكومة المؤقتة ليس مجرد التزام سياسي، بل يتطلب خططًا اقتصادية مدروسة لاستعادة الأصول المهربة وإعادة توجيهها نحو إعادة بناء البنية التحتية". 

كما نوّه أن إشارات التفاؤل التي أطلقها المجتمع الدولي يجب أن تُترجم إلى آليات تنفيذية واضحة، مع توفير ضمانات للمعارضة السورية لتمكينها من إدارة المناطق المحررة بفعالية.

*تصريحات الأسد.. تفاصيل مغادرة مشروطة*


نفى بشار الأسد، الرئيس السوري المخلوع، في بيان منسوب إليه، مغادرته دمشق بشكل مُخطط له، موضحاً أنه انتقل إلى قاعدة حميميم بتنسيق روسي قبل سقوط الدولة بيد المعارضة. البيان الذي نُشر على حسابات تابعة للرئاسة السورية، يعكس محاولة لتبرير خروجه وسط انتقادات حادة من المعارضة التي تعتبره المسؤول الأول عن انهيار البلاد. 

وأوضح الأسد - في البيان-، أنه بقي في دمشق حتى صباح يوم الأحد 8 ديسمبر، حيث غادر "بتنسيق مع الأصدقاء الروس" بعد تمدد المعارضة داخل العاصمة.

وأضاف أنه فور وصوله إلى قاعدة حميميم، تبيّن انهيار خطوط القتال كافة وسقوط المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري. ومع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة على القاعدة، طلبت موسكو تأمين إخلائه إلى روسيا بشكل فوري.
 
تصريحات الأسد تضمنت أيضًا اعترافات مثيرة، منها قوله: "مع سقوط الدولة بيد الإرهاب، وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغاً لا معنى له".

هذه الكلمات تسلط الضوء على حالة اليأس التي وصل إليها النظام في أيامه الأخيرة، كما أشار إلى أنه لم يكن يسعى للمناصب الشخصية، بل كان يعتبر نفسه صاحب مشروع وطني استمد دعمه من الشعب.
روسيا بدورها لم تنكر الدور الذي لعبته في تأمين خروج الأسد، حيث أكّد الكرملين، أن الأسد وعائلته وصلوا إلى موسكو، وتم منحهم اللجوء لدواعٍ إنسانية.

هذه التحركات الروسية تعكس رغبة في الحفاظ على توازن دقيق في علاقتها مع سوريا الجديدة، خاصة مع استمرار دورها كحليف رئيسي في المنطقة. 

*أموال النظام السوري في موسكو*


في سياق متصل، كشفت تقارير دولية عن استغلال النظام السوري للأزمات الاقتصادية الطاحنة التي كانت تعصف بسوريا بشكل فاضح، حيث كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز عن فضيحة مالية كبيرة تمثلت في تحويل النظام السوري، بإشراف بشار الأسد، نحو 250 مليون دولار إلى روسيا بين عامي 2018 و2019. هذه الأموال تم شحنها نقداً في عمليات سرية إلى بنوك روسية خاضعة للعقوبات الدولية.

بحسب السجلات التي استندت إليها الصحيفة، فإن التحويلات شملت شحنات ضخمة من أوراق نقدية تزن حوالي طنّين من فئة 100 دولار و500 يورو. هذه الأموال كانت تُستخدم لتعزيز نفوذ النظام في الداخل السوري، وسط أزمة خانقة في العملات الأجنبية تفاقمت بسبب العقوبات الغربية المفروضة منذ 2011. 

التقارير تشير أن روسيا كانت الوجهة الرئيسية لهذه الأموال، حيث أصبحت ملاذاً آمناً لنظام الأسد للتهرب من العقوبات الدولية.

في الوقت ذاته، استغلت عائلة الأسد هذه التحويلات لشراء عقارات فاخرة في موسكو، بما في ذلك عشرات الشقق الفارهة التي تم تسجيلها بأسماء شركات وهمية ووسطاء مقربين من العائلة. 

وقد أثارت هذه التحويلات المالية استياءً واسعاً في الأوساط السياسية الدولية.

حيث اعتبرها مراقبون جزءاً من فساد النظام السوري الذي استغل الموارد العامة لتمويل بقائه في السلطة. ديفيد شينكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، وصف هذه التحويلات بأنها جزء من استراتيجية طويلة الأمد للنظام لتأمين مكاسب غير مشروعة، سواء داخل سوريا أو خارجها.