بعد قرار ترحيله.. من هو محمود خليل الذي أصبح رمزًا لمعركة حرية التعبير في أميركا؟

بعد قرار ترحيله.. من هو محمود خليل الذي أصبح رمزًا لمعركة حرية التعبير في أميركا؟

بعد قرار ترحيله.. من هو محمود خليل الذي أصبح رمزًا لمعركة حرية التعبير في أميركا؟
محمود خليل

في مشهد يجمع بين أروقة المحاكم وصدى السياسة الدولية، يتصدر اسم محمود خليل، الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا والناشط البارز في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، عناوين الأخبار مجددًا، فقد أصدر قاضي هجرة أميركي قرارًا بترحيله إلى الجزائر أو سوريا، بدعوى تضليله لسلطات الهجرة عند تقدمه بطلب الإقامة الدائمة، لكن القضية، التي تحولت إلى محور جدل واسع، لم تعد محصورة بمسألة إدارية بحتة، بل أصبحت ساحة اختبار لمبادئ حرية التعبير في الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل سياسة إدارة ترامب المتشددة تجاه الأصوات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

 وبينما يستعد محاموه لخوض جولة استئناف جديدة أمام المحاكم الفيدرالية، يرى أنصاره أن استهدافه يمثل محاولة ممنهجة لإسكات الأصوات الداعمة لفلسطين تحت ذريعة "مكافحة التطرف".

هذه القضية، بما تحمله من أبعاد سياسية وقانونية، تكشف حجم التوتر بين أمن الدولة والحق في التعبير الحر في أميركا.

انتقامًا غير قانوني


أعادت قضية محمود خليل، الناشط الفلسطيني الحاصل على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، فتح النقاش حول التوازن بين القوانين الفيدرالية المتعلقة بالهجرة وحرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي. 

فقد قضى القاضي جيمي كومانز بترحيله إلى الجزائر أو سوريا، مشيرًا أنه "تعمد تحريف حقائق مادية بغرض التحايل على إجراءات الهجرة".

وأفاد محامو خليل لـ موقع "بوليتيكو" الأمريكي، بأنهم يعتزمون استئناف القرار، معربين عن خشيتهم من أن تكون عملية الاستئناف سريعة وغير مواتية.

ويأتي هذا القرار رغم صدور أمر قضائي منفصل في قضية خليل الاتحادية في نيوجيرسي يمنع ترحيله مؤقتا، بينما تنظر المحكمة في حججه القانونية بأن توقيفه وترحيله يشكلان انتقامًا غير قانوني لممارسته النشاط السياسي المؤيد للفلسطينيين.

من هو محمود خليل؟


يُعدّ محمود خليل واحدًا من أبرز الأصوات الفلسطينية الشابة في الولايات المتحدة، إذ وُلد في سوريا لأبوين لاجئين فلسطينيين قبل أن يكمل دراسته في علوم الكمبيوتر في الجامعة اللبنانية الأميركية، ويبدأ مسيرته المهنية في العمل الإنساني عبر منظمة "جسور" السورية الأميركية غير الربحية. لاحقًا، أدار برنامج "تشيفنينج" السوري لصالح السفارة البريطانية في بيروت، مقدمًا منحًا دراسية لعشرات الطلاب الراغبين في الدراسة في المملكة المتحدة، قبل أن يتوقف عن العمل هناك قبل أكثر من عامين، بحسب وزارة الخارجية البريطانية.

انتقل خليل إلى الولايات المتحدة عام 2022، حيث التحق ببرنامج الماجستير في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وهناك انخرط بقوة في النشاط الطلابي والسياسي. 

ذاع صيته عام 2024 حين برز كأحد الوجوه البارزة في احتجاجات جامعة كولومبيا المطالبة بسحب استثمارات الجامعة من الشركات الداعمة لإسرائيل ووقف إطلاق النار في غزة. 

ورغم اتهامه من ناشطين مؤيدين لإسرائيل بأنه يقود المجموعة الطلابية المحتجة، نفى خليل ذلك مؤكدًا أنه لعب دور الوسيط والمتحدث باسم المعتصمين لا أكثر.

أُلقي القبض عليه في 8 مارس الماضي، ووجهت إليه وزارة الأمن الداخلي اتهامات غامضة بـ"قيادة أنشطة مرتبطة بحماس"، وهي اتهامات لم تدعمها بأدلة، وفق ما أكده فريق الدفاع. 

كما تم تعليق دراسته لفترة وجيزة بعد اقتحام الشرطة للحرم الجامعي. ويؤكد محاموه أن اعتقاله ومنع حضوره ولادة طفله الأول كانا جزءًا من حملة سياسية تستهدف نشاطه السلمي المؤيد لفلسطين.

قيود على الحركات الطلابية


القضية تتجاوز شخص خليل لتلامس واقعًا أوسع يعيشه الناشطون المؤيدون لفلسطين في الولايات المتحدة، فمنذ وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، تصاعدت القيود على الحركات الطلابية والمنظمات التي تدعو لمقاطعة إسرائيل أو تنتقد سياساتها في غزة والضفة الغربية، فقد اتُّهم العديد من النشطاء والطلاب بمعاداة السامية، في حين يرون أن ما يقومون به لا يتعدى ممارسة حقهم في التعبير السلمي عن آرائهم السياسية.

ويرى مراقبون، أن استهداف خليل يحمل دلالات سياسية واضحة، إذ يتزامن مع تصاعد الحملة الإعلامية ضد المنتقدين لسياسات تل أبيب، ويذهب بعض الخبراء إلى أن قرار الترحيل، حتى وإن كان قائمًا على حجج قانونية، يعكس توظيف القانون كأداة لتصفية الحسابات مع الأصوات المعارضة.

أما خليل نفسه، فقد اعتبر القرار "محاولة جديدة لإسكاته"، مؤكدًا أن السلطات لجأت إلى "تلفيق اتهامات واهية" بعدما فشلت مساعيها السابقة لترحيله. وأضاف في بيان نشره محاموه: "لن أتوقف عن المطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين، وسأواصل معركتي القانونية حتى النهاية".

من جهتها، لم تصدر وزارة الأمن الداخلي الأميركية تعليقًا رسميًا على القرار الأخير، مكتفية بالقول: إن القضية ما تزال قيد النظر أمام القضاء، ويعتقد بعض الحقوقيين أن هذه المعركة القانونية قد تستمر لأشهر، وربما تصل إلى المحكمة العليا إذا أصر الدفاع على المضي حتى آخر درجات التقاضي.

البعد الدولي للقضية لا يقل أهمية، إذ ينظر إليها كثيرون في العالم العربي على أنها مؤشر على مدى قدرة الجاليات الفلسطينية على الدفاع عن قضاياها في الخارج. 

ويعتبر البعض أن ترحيل ناشط بارز مثل خليل سيكون سابقة خطيرة، قد تدفع آخرين إلى الصمت خشية الملاحقة أو فقدان إقامتهم.

في الوقت ذاته، يشير خبراء في القانون الدستوري، أن هذه القضية قد تعيد إحياء النقاش داخل الولايات المتحدة حول حدود حرية التعبير في زمن الاستقطاب السياسي الحاد.

 فبينما يرى مؤيدو القرار أنه تطبيق صارم للقانون، يرى معارضوه أنه يفتح الباب أمام قمع أي صوت لا يتماشى مع توجهات الحكومة في السياسة الخارجية.

ومع اقتراب موعد جلسات الاستئناف، تبدو القضية مرشحة لتكون اختبارًا حقيقيًا ليس فقط لحقوق المهاجرين، بل أيضًا لمدى التزام الولايات المتحدة بمبادئها المعلنة حول حرية الرأي والتعبير.