بين الدبلوماسية والسياسة.. هل تنجح سوريا في تجاوز أزمتها؟.. خبراء يجيبون
بين الدبلوماسية والسياسة.. هل تنجح سوريا في تجاوز أزمتها؟.. خبراء يجيبون
في وقت يحلم فيه السوريون بخروج بلادهم من دوامة الحرب والدمار نحو مرحلة انتقالية سياسية تُرسِّخ للديمقراطية والمواطنة، تبرز تحديات كبيرة تُلقي بظلالها على هذا الطموح، يُثير قرار زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، بتكليف محمد البشير بتشكيل حكومة مؤقتة في إدلب، جدلاً واسعاً، هذه الخطوة، التي جاءت دون تنسيق مع المعارضة السورية الأوسع، فجَّرت تساؤلات حول مدى جدية الالتزام بالمشاركة السياسية والتنوع، وسط هذه الظروف، تتباين آراء الخبراء بين التفاؤل بإمكانية تجاوز المرحلة الحالية نحو مستقبل أكثر استقرارًا، وبين القلق من أن تتحول سوريا إلى ساحة صراع جديد بين القوى الإقليمية والدولية.
*مخاوف متزايدة*
مع دخول سوريا مرحلة جديدة من النقاشات حول انتقال سياسي محتمل، تتزايد المخاوف من أن تتسبب خطوات غير مدروسة في تعقيد المشهد.
قرار أحمد الشرع، المعروف بأبو محمد الجولاني، بتكليف محمد البشير برئاسة حكومة مؤقتة في إدلب أثار انتقادات واسعة بسبب غياب التوافق الوطني.
يرى مراقبون، أن هذه الخطوة قد تُضعف الثقة في المرحلة الانتقالية، خاصة إذا استمرت في تجاهل تطلعات مكونات الشعب السوري.
*غياب التشاركية*
من جانبه، يرى المحلل السياسي السوري، عمر كوش، أن المرحلة الراهنة تفتح نافذة مهمة لتحقيق تحول سلمي في سوريا، لكنها تتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.
وأشار كوش، أن هذه الفرصة لن تُستثمر بشكل فعال ما لم تُبنى على أسس من الشراكة الوطنية العادلة والمتوازنة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية، محذرًا من أن محاولات أي طرف للهيمنة على المشهد قد تؤدي إلى إفشال هذا التحول.
وأوضح كوش في حديثه لـ"العرب مباشر"، لا يمكن تحقيق انتقال ناجح إذا هيمن طرف واحد على المشهد، لأن ذلك سيعيد إنتاج الأزمات السابقة ويفاقم حالة الاستقطاب".
وأضاف، المحلل السياسي السوري، أن الأولوية يجب أن تكون لتعزيز الوحدة الوطنية عبر وضع مصلحة سوريا فوق أي انتماءات حزبية أو أيديولوجية، مشددًا على أن الانقسامات الفكرية أو السياسية قد تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق أهداف المرحلة الانتقالية ومسارها الديمقراطي.
*دروس من التاريخ*
من جانبه، شدد أستاذ العلوم السياسية، الدكتور محمد المنجي، على أهمية الاستفادة من التجارب الناجحة لدول أخرى في تجاوز الأزمات وإعادة البناء، مشيرًا إلى تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كمثال واضح على قدرة الأمم على النهوض من بين الركام وتحقيق التعافي الشامل.
وأوضح المنجي، أن مثل هذه التجارب يمكن أن توفر دروسًا ملهمة لسوريا في هذه المرحلة الحرجة.
وقال المنجي - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، إعادة بناء سوريا ليست مجرد مسألة مادية أو اقتصادية، بل تتطلب قبل كل شيء رؤية مشتركة تجمع مختلف الأطراف وإرادة سياسية قوية ترتكز على احترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية".
وأضاف: أن تحقيق هذه الرؤية يستلزم وضع استراتيجية شاملة تعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة، مع التركيز على إشراك جميع مكونات المجتمع السوري في عملية صنع القرار لضمان استدامة التحول الديمقراطي.
*الدور الإقليمي والدولي*
تتداخل الأزمات الداخلية في سوريا مع صراعات إقليمية ودولية، مما يجعل الانتقال السياسي مسألة بالغة التعقيد. د. محمد المنجي، حذَّر من أن استمرار الانقسامات سيُبقي البلاد عرضة للضغوط الخارجية.
وأكد أن أي محاولة لتهميش المعارضة أو فرض أجندة معينة ستُضعف فرص تحقيق الاستقرار، مضيفًا، أن الولايات المتحدة تراقب الوضع بحذر شديد.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، هناك مخاوف من أن يؤدي غياب التوافق إلى زيادة نفوذ المقاتلين الأجانب، وهو ما يُنذر بمزيد من التوترات في المنطقة.
*الطريق إلى دولة القانون*
في السياق ذاته، أوضح المحلل السياسي السوري، عمر كوش، أن الانتقال إلى دولة قانون ديمقراطية يتطلب بناء مؤسسات قوية تُعزز من حقوق الإنسان وتُحافظ على التعددية، مشددًا على أهمية هذا النهج قائلاً: "لا بد أن تكون كرامة الإنسان الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل سوريا".
ويضيف أن إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي بحاجة إلى دعم دولي وإقليمي، لكنه مشروط بوجود قيادة وطنية تُعبر عن مصالح جميع السوريين.
وأشار كوش، أن اجتماعات أحمد الشرع "الجولاني" الأخيرة مع عدد من السفراء تعكس رغبة في فتح قنوات اتصال مع المجتمع الدولي، لكن هذه الجهود ستبقى غير كافية ما لم تُترجم إلى خطوات عملية تضمن إشراك الجميع في صناعة القرار.