ما بين العدوان الإسرائيلي وهجمات حزب الله.. قصة قرية لبنانية صامدة أمام الحرب
ما بين العدوان الإسرائيلي وهجمات حزب الله.. قصة قرية لبنانية صامدة أمام الحرب
مع حلول الغسق كل ليلة، تبدأ دوريات المتطوعين في بلدة حاصبيا بجنوب لبنان، وسط دوي المدفعية الإسرائيلية الذي يتردد صداها عبر التلال البعيدة، حيث يقوم بعض الكشافة بالتمركز في مواقع مخفية على أطراف البلدة، مراقبين الطرق المؤدية إليها بدقة، فيما يطوف آخرون على دراجاتهم النارية في الشوارع، للإبلاغ عن أي سيارات أو أشخاص مشبوهين للشرطة، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
خط الدفاع الأول
وبحسب الصحيفة، فإن فريق المتطوعين يصف نفسه بأنه "الخط الأول للدفاع" عن حاصبيا، وهي بلدة ذات غالبية درزية ومسيحية قرب الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لكن المتطوعين لا يراقبون فقط جنود الجيش الإسرائيلي الذين اجتاحوا جنوب لبنان الشهر الماضي مع تصاعد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؛ بل يسعون أيضًا لمنع مقاتلي حزب الله من دخول البلدة، ومحاولة تجنب جرها إلى أتون الحرب المتصاعدة.
كان الصراع بين إسرائيل وحزب الله محصورًا في السابق ضمن المنطقة الحدودية، ولكنه بات يمتد الآن ليشمل مناطق شاسعة من جنوب وشرق لبنان، حيث دمرت الضربات الجوية الإسرائيلية المنازل الحجرية، وحولت قرى بأكملها إلى أنقاض، بينما قام مقاتلو حزب الله بإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل واشتباكهم مع القوات الإسرائيلية المتوغلة.
وأضافت: أن الحملة العسكرية الإسرائيلية لم تترك منطقة في الجنوب بمنأى عن الدمار. فقد تم تسوية القرى ذات الغالبية الشيعية، التي تدعم حزب الله المدعوم من إيران، بالأرض، كما أصابت القرى ذات الغالبية المسيحية والسنية والدرزية، التي لا تدعم الحزب، أضرارًا جسيمة.
انقسامات طائفية
وأضافت الصحيفة، أن لبنان عانى منذ زمن طويل من انقسامات طائفية حادة بين المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين. ويعد حزب الله الجماعة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذًا في البلاد، ممثلًا للعديد من الشيعة اللبنانيين.
وبينما يوحد الاستياء ضد الهجمات الإسرائيلية معظم اللبنانيين، فإن سكان البلدات الجنوبية غير الداعمة لحزب الله يشعرون بأنهم محاصرون بين نيران الجيش الإسرائيلي ومقاتلي الحزب، لذا، تحاول بعض تلك البلدات تشكيل دفاعات محلية غير رسمية.
في حاصبيا، أنشأ السكان مجموعة لمراقبة الأحياء، فيما تفاوض بعض القادة المحليين مع حزب الله لمنع مقاتليه من إطلاق الصواريخ من داخل البلدة.
اتخذ مسؤولو حاصبيا أيضًا خطوة مثيرة للجدل، حيث رفضوا استقبال العائلات الشيعية المهجرة من القرى المجاورة التي يهيمن عليها حزب الله، خشية أن يكون بينهم مقاتلون قد يستهدفون البلدة بالغارات الإسرائيلية.
وأكدت الصحيفة أنه على الرغم من أن سكان البلدة يدركون أن حزب الله بقوته العسكرية يمكن أن يتراجع عن التزامه تجاه حاصبيا في أي وقت، وأن البلدة ستكون عاجزة عن التصدي له، إلا أن الحزب حتى الآن يحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع الطوائف الأخرى، وفي الوقت نفسه، يعمل سكان حاصبيا على ردع محاولات الحزب للدخول.
وقال غسان الحلبي، نائب رئيس بلدية حاصبيا: "نحن لا نريد الغرباء أو أي شخص مرتبط بحزب الله هنا، استغرقنا سنوات لبناء هذه البلدة، ويمكن أن يتم تدميرها في دقائق، ولن نسمح بحدوث ذلك."
مخاوف من الحرب
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن حاصبيا، التي تبعد ستة أميال فقط عن الحدود الإسرائيلية، تقع على سفوح جبل حرمون، تتصل منازل البلدة بالطرق المتعرجة التي تمر عبر بساتين الزيتون والصنوبر والأطلال القديمة التي تعود إلى حقبة الصليبيين، ويقطنها حوالي 30,000 نسمة، أغلبهم دروز إلى جانب مسيحيين وبعض المسلمين السنة.
اليوم، تعج حاصبيا بأصوات الحرب المتأججة حولها: دوي المدافع، وأزيز الطائرات المسيرة، وصوت المقاتلات الإسرائيلية في السماء. عند وقوع الغارات الجوية في المناطق البعيدة، ترتفع أعمدة الدخان فوق منحدرات الجبال الخضراء.
مع تصاعد الأزمة، لجأ قادة البلدة الدروز والمسيحيون والسنة إلى التواصل مع مسؤولي حزب الله، وطلبوا منهم تجنب إطلاق الصواريخ من داخل البلدة.
ويقول الشيخ الدرزي وسام سلقا: "طلبنا منهم الحفاظ على سلامة السكان والسماح لهم بالبقاء في منازلهم وعدم الهروب شمالاً".
لكن مع تزايد الهجمات الإسرائيلية على البلدات المحيطة، دب الذعر بين السكان، وبدأ العشرات منهم التطوع مع شرطة البلدية للمشاركة في دوريات ليلية ضمن مجموعة مراقبة.
كما أنشأوا مجموعة على تطبيق واتساب للتبليغ عن أي شيء مشبوه في القرى المجاورة. وفرضت البلدية حظر تجول عند الساعة الثامنة مساءً، يمنع خلاله السكان من التجول في الشوارع، وبعد منتصف الليل، يُمنع دخول السيارات إلى البلدة.
ورغم أن هذه الجهود المحلية غير قادرة على حماية البلدة تمامًا من أي هجوم إسرائيلي، إلا أنها تهدف إلى منع حزب الله من اتخاذ مواقع داخلها وإبلاغ السكان بالتحركات الخطيرة في حال اقتراب القوات الإسرائيلية.