قتلى وجرحى وثكالى.. نساء اليمن يدفعن فاتورة الحرب المستعرة
تدفع النساء في اليمن فاتورة الحرب المستعرة والتي تشنها ميلشيا الحوثي الإرهابية
في ظل تداعيات الحرب المستعرة باليمن، كانت المرأة أكثر الفئات الهشة التي أثقلت الحرب كاهلها، فهي إما تربي أيتاماً أو تكابد لإيجاد قوت يومهم أو تبحث عن قيمة علاج الأمراض المتفشية من حولها.
وفي مخيمات النزوح أو في القرى البعيدة المحرومة من أبسط معايير الحياة الآدمية، أو حتى في المدن المكتظة بالفقر والغلاء والأوبئة القاتلة، عانت نساء اليمن ويلات الحرب منذ اندلاع الصراع قبل عشر سنوات.
تقارير ترصد
وكان التقرير الصادر عن منظمة "رايتس رادار لحقوق الإنسان في العالم العربي" في عام ٢٠١٩، يُوثِّق آلاف الانتهاكات ضد المرأة في 19 محافظة يمنية، منذ بدء الحرب التي لم تهدأ حتى الآن.
وبحسب التقرير الذي صدر أمس الأول، تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، 8 مارس (آذار) بعنوان "اليمن، النساء في مهب الحرب"، وثقت المنظمة نحو 16667 انتهاكاً وقع بحق النساء، خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2014 وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، موزعة على 19 محافظة، وتنوعت الانتهاكات بين 919 حالة قتل، و1952 حالة إصابة، بالإضافة إلى 384 حالة اختطاف واختفاء قسري وتعذيب.
انتهاكات الحوثي ضد النساء
وتصدرت جماعة الحوثي صدارة المنتهكين، بارتكاب جرائم القتل بعدد 668 حالة، وكذلك إصابة للنساء بنحو 1733 حالة.
وجاءت مدينة تعز في الصدارة من حيث كمية الإصابات التي بلغت 115 حالة، تلتها مدينة الحديدة بـ166 حالة، ثم العاصمة صنعاء بـ133 حالة، بينما حلت عدن في المركز الرابع بـ102 حالة إصابة للنساء.
فاتورة حرب وتهميش سياسي
وساهمت اليمنيات بقوة وشجاعة في مواجهة ظروف الحرب القاسية، وعملن بجهد يفوق ما عاناه الرجل، فقد عانين من مختلف الانتهاكات، من قتل وإصابة وإعاقات بسبب الألغام الحوثية، والتهجير القسري، علاوة على فِقْدان أبسط أدوات الحماية من ويلات الحروب.
وعلى الرغم من أنها تحملت الفاتورة الأكبر للحرب، إلا أن المرأة اليمنية كانت مستبعدة ومهمشة تماماً من التمثيل السياسي، وركزت النساء دورهن الأكبر على جوانب الإغاثة ورصد وتوثيق ومساعدة النازحين وحماية المعنفات من الأطفال.
أمهات وزوجات المختطفين
كذلك كانت معاناة أمهات وزوجات المختطفين والمخالفين قسريا، في طليعة أولئك النساء اللواتي حملن عناء هذه الحرب، خصوصا في ظل المعاناة الاقتصادية الصعبة التي واجهتها.
قوانين اجتماعية ظالمة
ويرى الباحثون الاجتماعيون، أن وضع المرأة الاجتماعي يمر من سيِّئ إلى أسوأ، فإلى جانب معاناة المرأة في من كوارث الحرب في اليمن، كانت هناك أيضا معاناتها من القوانين الاجتماعية الظالمة التي كبلتها وجعلتها مستضعفة لا تستطيع الحصول على أبسط حقوقها.
ويؤكد المحلل السياسي اليمني، صلاح السقلدي، أن المرأة اليمنية في ظل الحرب الدائرة منذ سنوات تعاني أكثر من غيرها من ويلات هذه الحرب وقسوتها، فهي تعاني شتى صور الحرمان والاستغلال السياسي والاضطهاد الاجتماعي والفكري من مجتمع هو أصلا منغلق ويقبع الجانب الأعظم منه تحت سطوة الإسلام السياسي والتقاليد البالية.
أيديولوجيات تعمق المعاناة
وفي تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"، أشار السقلدي إلى معاناة خاصة تشهدها نساء اليمن تحت وطأة القوى الحزبية، وبالذات ذات الأيديولوجية مثل حركة الحوثيين والإخوان وبعض التيارات السلفية، لافتا إلى أنه منذ سيطرة الحوثيين على محافظات الشمال وضعوا المرأة في صندوق مغلق باسم الدين، وجعلوا منها مجرد قطيع أسود يتم جلبه إلى ساحات وقاعات احتفالاتهم، تماما كما فعل ويفعل الإخوان ممثلين بحزب الإصلاح الذي لا يرى في المرأة أكثر من كمالة عدد وصوت ناخب في مواسم الاستحقاقات الانتخابية.
أعباء مضاعفة
وتابع السقلدي: "إذا ما استثنينا النظرة المنفتحة والمنصفة التي تتعامل بها أحزاب وقوى اليسار والنخب الفكرية المتحررة ومنظمات المجتمع المدني تجاه المرأة، فهذا هو باختصار شديد حال المرأة باليمن إلى ما قبل هذه الحرب"، متسائلاً: "فما بالكم بالعبء والقسوة وكمية المظالم والآلام التي أضافتها هذه الحرب على كاهلها. صحيح أن كل فئات المجتمع تئن تحت قسوة هذه الحرب وتبعاتها مثل ما يعانيه الأطفال والبنات القُصر من مآسٍ، إلا أن المرأة تظل هي الأكثر عناء والأكثر تجاهلا من كثير من القوى السياسية والحقوقية في الداخل والخارج بسبب فظاعة تعامل تلك القوى المذكورة سلفا أعني الحوثيين والإخوان والجماعات المتشددة الأخرى.
مجتمع مغلق وحرب قاسية
وأشار السقلدي إلى أنه بسبب طبيعة المجتمع المحافظ، فالمرأة تتحمل وِزْر المعاناة الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية، فضلا عن تحمُّلها مسؤولية حاجات بيتها وضروريات الحياة في حال فقدان زوجها -عائل الأسرة- في جبهات القتال في ظل ظروف غاية بالعوز والفقر والتردي، فثمة فئة واسعة من النساء أنتجتها هذه الحرب، أصبحت المرأة هي مَن تعيل بيتها وأطفالها.
وأضاف: "أما إذا تحدثنا عما يحرمن من حقوق بالمجتمع فالقائمة ستطول، ولن يكفينا هذا الحيز".
واعتبر المحلل السياسي اليمني أن الخروج من الأزمة الحالية وطي صفحة المأساة لن يَتأتَّى إلا بقرار سياسي تتخذه القوى المتحكمة بهذه الحرب، وأول هذه الخطوات وقف الحرب والمضي صوب طاولة التسوية السياسية وتضميد جراحات الحرب، وقبل هذا كلها التوافق على حل سياسي للأزمة اليمنية وللقضية الجنوبية.