من بطل العدالة إلى رهينة السياسة.. كوريا الجنوبية تطوي صفحة رئيسها
من بطل العدالة إلى رهينة السياسة.. كوريا الجنوبية تطوي صفحة رئيسها
شهدت كوريا الجنوبية واحدة من أعمق الأزمات السياسية في تاريخها الحديث، بطلها الرئيس يون سوك يول، الذي دخل المشهد السياسي كمُصلح وعد بإعادة بناء الأمة، لكنه سرعان ما وجد نفسه في مواجهة عاصفة من الغضب الشعبي والمؤسسي، بين إعلانه للأحكام العرفية لأول مرة منذ عقود، ومحاولاته تمرير سياسات أثارت الجدل داخليًا وخارجيًا، تضاءلت شعبيته بشكل لافت، البرلمان لم يكن رحيمًا به، إذ صوّت لعزله، ليتحول مسار يون من رئيس يعِد بالإصلاح إلى شخصية سياسية مطاردة باتهامات ومذكرات اعتقال، فما الذي أوصل يون سوك يول إلى هذه النهاية الدرامية؟
*رحلة قصيرة في منصب الرئاسة*
في مايو 2022، اعتلى "يون سوك يول" سدة الحكم رئيسًا لكوريا الجنوبية، متعهدًا بتحقيق أحلام الشعب وإعادة بناء الأمة.
لكن مسيرته السياسية، التي لم تتجاوز العامين، كانت حافلة بالتوترات والاضطرابات.
منذ البداية، واجه يون تحديات جسيمة؛ بدءًا من نسبة تأييد منخفضة، وبرلمان تسيطر عليه المعارضة، وصولاً إلى محاولات عرقلة مشروعاته من خصومه السياسيين.
يون، الذي جاء من خلفية قانونية بصفته مدعيًا عامًا سابقًا، افتقر إلى الخبرة السياسية. هذا النقص في المهارات السياسية ظهر جليًا خلال محاولاته تمرير مشاريع قوانين داخل البرلمان.
لم يتمكن سوى من تمرير 29% من القوانين التي قدمتها حكومته، ما دفعه إلى استخدام حق النقض الرئاسي بمعدلات غير مسبوقة منذ نهاية الحكم العسكري.
*قرارات مثيرة للجدل*
لم تكن مشكلاته مقتصرة على المعارضة فقط. داخليًا، واجه يون انتقادات حادة بسبب قراراته المثيرة للجدل، مثل إعلانه الأحكام العرفية في ديسمبر 2024، وهي خطوة غير مسبوقة منذ عقود، زادت من عزلته السياسية وأثارت موجة من الاحتجاجات الشعبية.
كما أثار نقل مكتبه الرئاسي من "البيت الأزرق" إلى مقر وزارة الدفاع جدلاً واسعًا بسبب التكاليف المرتفعة وعدم جدوى الخطوة، ما أضر بصورته كرئيس قريب من الشعب.
على صعيد السياسات الاجتماعية، تراجع يون عن خطط رئيسية في التعليم والصحة تحت ضغط الشارع والنقابات، فشل خطته لتغيير سن بدء الدراسة، وكذلك إضرابات الأطباء، أبرزت ضعف إدارته للأزمات.
*السياسة الخارجية.. النجاح والانتقادات*
في السياسة الخارجية، سجل يون بعض النجاحات، حيث عزز العلاقات مع الولايات المتحدة، عن طريق تعاون بشكل غير مسبوق في المجالات الأمنية والعسكرية، وقدم دعمًا كبيرًا لأوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية، كما أصبح أول رئيس كوري جنوبي يحضر قمة لحلف الناتو، ما اعتُبر إنجازًا دبلوماسيًا.
لكن هذه الخطوات أثارت قلق الصين، الشريك التجاري الأكبر لبلاده، وأدت إلى زيادة التوترات مع كوريا الشمالية.
كما اتهمته المعارضة بمحاولة استعداء شركاء بلاده التقليديين من أجل مكاسب سياسية قصيرة الأمد.
*تداعيات داخلية*
مع تزايد الانتقادات لسياساته الداخلية والخارجية، تراجعت شعبية يون إلى مستويات قياسية.
الانتخابات البرلمانية الأخيرة منحت المعارضة أغلبية ساحقة، ما سمح لها بممارسة ضغوط أكبر عليه.
التحقيقات التي استهدفته شخصيًا، بما في ذلك مزاعم فساد تورطت فيها زوجته، زادت من تعقيد المشهد.
وفي ظل هذه الضغوط، لم يكن مفاجئًا أن البرلمان قرر عزله، ورغم فشل التصويت الأول بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، نجح التصويت الثاني في إقصائه عن منصبه.
ينتظر الآن مصادقة المحكمة الدستورية لتثبيت عزله، بينما يتولى رئيس الوزراء هان داك-سو إدارة المرحلة الانتقالية.
*نهاية مرحلة*
من جانبهم، يرى مراقبون، أن مع عزل يون، تدخل كوريا الجنوبية مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي، الأحداث التي شهدتها ولايته القصيرة ستظل درسًا للرؤساء المقبلين، خصوصًا حول كيفية التوفيق بين الوعود الانتخابية والتحديات الواقعية.
وأكد المراقبون، أن رئيس كوريا الجنوبية السابق سيبقى نموذجًا لرئيس بدأ مسيرته بوعود كبيرة لكنه غرق سريعًا في أزمات الداخل والخارج.