أستاذ علاقات دولية: الأزمة الأوكرانية الروسية تشكل تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة للشرق الأوسط
أستاذ علاقات دولية: الأزمة الأوكرانية الروسية تشكل تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة للشرق الأوسط
منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية الروسية في فبراير 2022، شهدت الساحة العالمية توترات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، حيث أثرت هذه الأزمة على العديد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.
وبينما كانت الدول الأوروبية والأمريكية في طليعة التأثيرات السياسية والاقتصادية، لم تكن منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن تداعيات هذه الأزمة.
هذا التقرير يسلط الضوء على تأثير الأزمة الأوكرانية الروسية على منطقة الشرق الأوسط، من خلال تناول جوانب اقتصادية، سياسية، وأمنية.
أسباب الأزمة الأوكرانية الروسية:
الأزمة بدأت عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا في فبراير 2022، وذلك بعد سنوات من التوترات بين روسيا والغرب بشأن توسع حلف الناتو شرقًا وسياسات أوكرانيا المتعلقة بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
روسيا أعلنت، أن الغزو هو عملية "دفاعية" تهدف إلى حماية الأمن القومي الروسي، فيما اعتبرته أوكرانيا والدول الغربية انتهاكًا لسيادتها وتهديدًا للسلام والأمن الدولي.
ارتفاع أسعار الطاقة:
كانت منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تأثرت بشكل مباشر من الناحية الاقتصادية بسبب الأزمة الأوكرانية.
فقد أسفر الصراع عن اضطراب في أسواق النفط والغاز العالمية، حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا؛ مما أثر على إمدادات النفط والغاز.
في المقابل، استفادت بعض الدول النفطية في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات من ارتفاع أسعار النفط التي نتجت عن ذلك، ما ساعد على تحسين الإيرادات النفطية وزيادة الطلب على الطاقة.
الأمن الغذائي:
تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر موردي الحبوب إلى العالم، بما في ذلك الدول العربية. تسبب النزاع في تعطل إمدادات القمح؛ مما أسفر عن ارتفاع الأسعار وزيادة المخاوف من حدوث أزمة غذائية في بعض الدول الشرق أوسطية.
العديد من الدول مثل مصر، التي تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، شهدت ارتفاعًا في أسعار السلع الغذائي؛ مما أضاف ضغوطًا على حكومات المنطقة في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار.
سلاسل الإمداد:
أثر الصراع على سلاسل الإمداد العالمية، مما أدى إلى نقص في بعض المواد الأولية وتزايد التكاليف. دول مثل لبنان واليمن، التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وإنسانية، شهدت تأثيرات سلبية نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
التوترات بين القوى العالمية:
تعكس الأزمة الأوكرانية تغيرًا كبيرًا في السياسة العالمية، حيث تجد دول الشرق الأوسط نفسها بين ضغوط القوى الكبرى. فبينما تتبنى بعض الدول العربية موقفًا مؤيدًا للغرب، تظهر دول أخرى مثل إيران وسوريا موقفًا داعمًا لروسيا أو على الأقل محايدًا.
هذا التفاوت في المواقف يعكس التوازنات السياسية المعقدة في المنطقة، إذ تستفيد بعض الدول من دعم روسيا في قضايا أمنية، خاصة في سوريا، حيث تلعب روسيا دورًا محوريًا في النزاع.
تأثير الأزمة على العلاقات العربية
أدت الأزمة إلى إحداث تغييرات في العلاقات بين الدول العربية والغرب. على سبيل المثال، ظلت العديد من الدول العربية على الحياد بشأن الأزمة الأوكرانية، مثل السعودية والإمارات، وهو ما يعكس رغبة هذه الدول في الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع القوى الكبرى دون الانخراط بشكل مباشر في النزاع. هذا التوجه يعكس في جزء منه رغبة المنطقة في توسيع خياراتها وعدم الانحياز إلى جانب معين.
وتعد الأزمة الأوكرانية الروسية نقطة تحول هامة في العلاقات الدولية، وامتدت تداعياتها إلى منطقة الشرق الأوسط بطرق متعددة. من الصعب تحديد المدى الزمني الذي ستستمر فيه هذه التأثيرات، إلا أنه من المؤكد أن المنطقة ستظل في قلب التحولات الكبرى على الساحة العالمية.
الدول الشرق أوسطية مطالبة بإعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها السياسية والاقتصادية بشكل مستمر، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي.
تأثيرات عميقة
أكد الدكتور طارق البرديسي، أستاذ العلاقات الدولية، في حديثه حول الأزمة الأوكرانية الروسية، أن الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا كان له تأثيرات عميقة على منطقة الشرق الأوسط على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وأوضح - في تصريح للعرب مباشر-، أن الأزمة فرضت تحديات كبيرة على الدول العربية، حيث كانت هذه الدول مضطرة للتكيف مع واقع جديد يتسم بارتفاع أسعار الطاقة، وتهديدات الأمن الغذائي، إضافة إلى تزايد التوترات السياسية في المنطقة.
وشدد الدكتور البرديسي، على أن الأمن الغذائي كان من أبرز القضايا التي أثرت على دول الشرق الأوسط، خاصةً أن المنطقة تعتمد بشكل كبير على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا.
وأضاف: أن ارتفاع أسعار القمح والسلع الأساسية يشكل تهديدًا جديًا للأمن الاجتماعي في العديد من الدول مثل: مصر ولبنان واليمن.
فيما يتعلق بالجانب الأمني، أشار البرديسي أن الأزمة قد تؤثر بشكل غير مباشر على بعض النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا، حيث تحافظ روسيا على دورها كداعم رئيسي للنظام السوري.
كما أضاف أن الأزمة قد تسهم في تعقيد الصراع السوري وتضخيم الأبعاد الإقليمية والدولية.
واختتم الدكتور طارق البرديسي حديثه بالتأكيد على أن المنطقة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لمواجهة هذه التحولات الكبرى.
وأوصى بتعزيز التعاون بين الدول العربية لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية والبحث عن حلول مبتكرة لتعزيز الأمن الغذائي، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تفعيل الحلول الدبلوماسية والاقتصادية في العلاقات مع القوى الكبرى في هذه الفترة الدقيقة.